تكنولوجيا

وسيلة اختراق جديدة

اختراق الحواسيب المعزولة باستخدام الساعات الذكية

في وقت تتكثف فيه جهود حماية البيانات في المؤسسات الحساسة عبر عزل حواسيبها عن الشبكات، ظنًّا منها أن قطع الاتصال يعني الأمان، برزت مؤخرًا وسيلة اختراق جديدة وغير معتادة تعتمد على تحويل مكبرات الصوت إلى قنوات بث خفي، واستغلال ميكروفونات الساعات الذكية كجواسيس صامتين في خدمة من يسعى خلف الأسرار.

إن هذا الابتكار المقلق، الذي قدّمته مجموعة من الباحثين في دراسة علمية حديثة، لا يكشف فقط عن هشاشة الأنظمة التقليدية، بل يدفعنا إلى إعادة النظر في طبيعة التهديدات الرقمية، خصوصًا حين تصدر من أدوات مألوفة تُرتدى في اليد دون إثارة أي شك.

 

قناة صوتية خفية: الحاسوب يتحدث بلا إنترنت

ما يجعل هذه التقنية لافتة، هو أنها تتجاوز كل ما اعتدناه من مفاهيم القرصنة، إذ لا تحتاج إلى شبكة ولا إلى اتصال مادي، بل تعتمد فقط على عنصرين متوفرين في أغلب الحواسيب والساعات الذكية، وهما مكبر الصوت والميكروفون، حيث يقوم المخترق بزرع برمجية خبيثة في الحاسوب المعزول، ثم تشرع هذه البرمجية في إرسال بيانات حساسة على هيئة موجات صوتية لا يُمكن للأذن البشرية سماعها.

تستقبل الساعة الذكية هذه الإشارات كأنها تلتقط همسًا خفيًّا، وتحوّله إلى معطيات رقمية يمكن تهريبها لاحقًا عبر أي وسيلة اتصال متاحة خارج نطاق المنشأة، مثل الشبكة اللاسلكية أو الإشارة الهاتفية، وهو ما يجعل الساعة في هذه الحالة جسراً لنقل معلومات يُفترض أنها محصنة.

رغم محدودية سرعة النقل وقصر المدى الذي يتراوح بين ستة وتسعة أمتار، فإن خطورة هذا الأسلوب تكمن في كونه يستند إلى فكرة غير مألوفة، ويعتمد على أجهزة غير مُشتبه بها، ما يزيد من صعوبة رصده واكتشافه، ويمنح الجهات المعادية فرصة ذهبية لاستغلال نقاط الضعف في أكثر البيئات المحمية.

 

اختراق داخلي ناعم: الموظف الناقم كتهديد غير مرئي

يُرجّح الخبراء أن مثل هذه العمليات لا يمكن تنفيذها إلا عبر مصدر داخلي، سواء من خلال موظف ساخط يسعى للانتقام أو شخص تم استغلاله من قبل جهة خارجية، وهو ما يعيد طرح التساؤل حول آليات الرقابة داخل المؤسسات الحساسة، ومدى يقظتها تجاه التهديدات البشرية المتخفية خلف الابتسامات والولاء الظاهري.

وإذا أضفنا إلى ذلك أن العديد من الحواسيب تحتوي على مكبرات صوت مدمجة لا يُلتفت إليها كثيرًا، يصبح من السهل تخيّل كيف يمكن لسلوك عادي كارتداء ساعة في اليد أن يتحول إلى وسيلة فعالة لتهريب معلومات خطيرة دون الحاجة لأي معدات احترافية أو تدخل خارجي مباشر.

يُظهر هذا النوع من الاختراقات، أن الخطر لم يعد يقتصر على البرمجيات الخبيثة المنتشرة عبر الشبكة، بل بات يرتبط أيضًا بتقنيات التفاعل الفيزيائي داخل الجهاز نفسه، وهو ما يستوجب إعادة النظر في مكونات الحواسيب المعزولة وتقييم مدى حاجتها لكل قطعة إلكترونية فيها.

 

ما بعد الصدمة: حماية المستقبل من خلال إجراءات غير تقليدية

رغم أن كفاءة هذا النوع من الاختراقات تظل محدودة عمليًا، خصوصًا من حيث سرعة نقل البيانات، إلا أن تأثيرها النفسي والمعنوي في أوساط أمن المعلومات كبير، لأنها تثبت أن العزل الكامل لا يعني الأمان الكامل، وأن الأفكار المبتكرة قد تكسر أقوى الجدران الإلكترونية بصمت تام.

وقد أوصى الباحثون بمجموعة من الإجراءات الوقائية التي يمكن للمؤسسات اتباعها، على رأسها منع إدخال الأجهزة القابلة للارتداء إلى المناطق الحساسة، أو نزع مكبرات الصوت من الحواسيب التي لا تحتاج إليها، كما يمكن الاستعانة بأنظمة تشويش صوتي متخصصة تقوم ببث ضوضاء دقيقة تمنع انتقال الإشارات، إلى جانب تطوير برامج مراقبة تتعقب النشاط غير المعتاد لمكبرات الصوت.

إن المعركة بين القراصنة وخبراء الأمن ليست فقط معركة أدوات، بل معركة أفكار وسبق ذهني، لذلك فإن المواجهة لا يجب أن تقتصر على التحصين الإلكتروني، بل ينبغي أن تشمل التفكير خارج النطاق، وتطوير آليات دفاعية تأخذ بعين الاعتبار أن العدو قد يستغل حتى أقل التفاصيل، كموضع ساعة أو زاوية مكبر صوت.

في النهاية، تكشف هذه التقنية أن الحروب السيبرانية لم تعد تدور فقط على أسلاك الإنترنت، بل صارت تدور في الهواء، في الموجات، وفي صمت لا يُسمع، ما يجعل من الوعي واليقظة والتفكير الاستباقي عناصر أساسية في حماية ما تبقى من الخصوصية الرقمية، خصوصًا في زمن أصبحت فيه التكنولوجيا تبتكر أدواتها الخاصة للتمرد على الحماية

ففي مواجهة اختراقات ناعمة كهذه، لا يكفي وضع الجدران، بل يجب أن نُحسن الإصغاء إلى ما لا يُسمع، وأن نتحسس النوايا خلف الأدوات، وأن نمنح كل تفصيلة صغيرة أهميتها، لأن الحرب المقبلة، كما يبدو، لن تعلن عن نفسها في عناوين الأخبار، بل في همسة موجة أو صمت ساعة.

ياقوت زهرة القدس بن عبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى