
في إطار سعيها المتسارع لتعزيز حضورها في سوق المنصات الاجتماعية، أعلنت شركة “ميتا” عن إدراج ميزتين جديدتين لتطبيق “ثريدز“، الذي أصبح في وقت قياسي أحد أبرز منافسي المنصات التقليدية، حيث يُنتظر أن تشكل هذه الخطوة محطة مفصلية في مسار التطبيق الطامح لأن يكون نقطة التقاء لمستخدمي الشبكات الاجتماعية اللامركزية، كما تُبرز التوجه التقني المتنامي نحو التخلص من النماذج المحتكرة والمنغلقة.
موجز اتحادي يعيد رسم العلاقة بين التطبيقات
الميزتان الجديدتان اللتان كشفت عنهما “ميتا” تسعيان إلى تعزيز تكامل تطبيق “ثريدز” مع ما يُعرف بالشبكة الاتحادية، وهي منظومة من المنصات الاجتماعية المفتوحة التي تعمل على خوادم مستقلة وتتيح للمستخدمين التفاعل عبر بروتوكول موحّد، فبفضل هذا التحديث سيصبح بإمكان مستخدمي “ثريدز” متابعة منشورات من منصات اجتماعية أخرى مثل “ماستودون” و”بوكويرم” و”رايترفريلي” مباشرة داخل موجز خاص يُفعل من خلال تبويب المتابعة.
ووفق تصريحات رسمية نقلها موقع تقني متابع للتحديثات الرقمية، فإن المستخدمين سيكون بإمكانهم الآن البحث عن حسابات تابعة لهذه الشبكات المستقلة من خلال تطبيق “ثريدز” نفسه، وهو ما يشكل نقلة نوعية في منطق التصفح والاكتشاف، حيث لم يعد المحتوى محصورًا ضمن حدود المنصة، بل أصبح جزء من نسيج تفاعلي أوسع يربط بين عوالم رقمية متعددة.
وبحسب ما أوضحه أحد مهندسي فريق “ثريدز”، فإن المنشورات القادمة من الشبكات الأخرى ستظهر في موجز خاص ومُنفصل، يمكن الوصول إليه عبر رابط يُثبت في أعلى الصفحة، ولن يتم إدماجها تلقائيا مع المحتوى العادي للتطبيق، وهو ما يعكس محاولة “ميتا” الحفاظ على خصوصية تجربة المستخدم، وفي الوقت نفسه مد الجسور مع عالم اتحادي أوسع.
غير أن هذا الانفتاح لا يعني تفاعلا كاملا بعد، فالمستخدمون لن يتمكنوا من الرد على المنشورات القادمة من المنصات الاتحادية الأخرى، وإن كانوا يستطيعون رؤية ردود هؤلاء المستخدمين على منشوراتهم، ما يشي بأن التكامل لا يزال في مراحله الأولى، ويجري التمهيد له ببطء وتروّ، لضمان فعالية التجربة واستقرارها التقني.
وفي هذا السياق، تسعى “ميتا” لتحويل “ثريدز” إلى تطبيق اتحادي بمعنى شامل، أي منصة تعمل ضمن منظومة من الخوادم الاجتماعية المستقلة، وتُستخدم فيها بروتوكولات مفتوحة تسمح بحرية التنقل والتفاعل بين منصات مختلفة، وهو تطور يُعيد للمستخدم شيئًا من السيطرة على بياناته وهويته الرقمية.
السعي لبيئة رقمية مستقلة
لم تقتصر الخطوة الأخيرة على تمكين رؤية المنشورات أو البحث عن الحسابات، بل أصبح بإمكان المستخدمين أيضًا اكتشاف منشئي المحتوى والمدوّنين الذين فعّلوا خاصية النشر الاتحادي، سواء كانوا من مستعملي منصات الكتابة أو التدوين أو من مستعملي تطبيقات مرئية ومسموعة، ليصبح “ثريدز” مركزا لاكتشاف شخصيات ومحتويات من بيئات افتراضية لم تكن متاحة من قبل داخل تطبيق واحد.
وتجدر الإشارة إلى أن التطبيق، الذي انطلق في صيف عام 2023، قد استلهم تصميمه من نماذج عدة لمنصات التفاعل السريع، فقدم موجزات مخصصة للمستخدمين وأدوات لاكتشاف الحسابات، وسعى منذ انطلاقه إلى التوسع تدريجيًا خارج حدوده الأصلية، وقد شهد في الأشهر الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في عدد مستخدميه النشطين الذي تجاوز 350 مليون شخص.
وفي خطوة لافتة هذا الشهر، وسّعت “ميتا” دعمها لمشاركة المحتوى عبر الشبكات الاتحادية لتشمل مناطق جديدة مثل الاتحاد الأوروبي، بعد أن كانت متاحة فقط في دول محددة، حيث بات التطبيق يتفاعل الآن مع أكثر من ثلاثة أرباع الخوادم النشطة حول العالم، ما يؤشر إلى طموح الشركة في جعل “ثريدز” المنصة الاتحادية الأكبر عالميًا من حيث عدد التفاعلات ومجالات الاستخدام.
ورغم هذا الاتساع المطّرد، إلا أن الشركة لم تكشف بعد عن موعد إطلاق خاصية “نقل الحساب”، التي من شأنها السماح للمستخدمين بتصدير بياناتهم ومحتواهم إلى أي منصة اتحادية أخرى، وهي خاصية تعد من الأسس الجوهرية في عالم المنصات المفتوحة، إذ تمنح الأفراد حرية اختيار الفضاء الرقمي الذي يفضلونه، بعيدًا عن احتكار الشركات الكبرى وتحكمها في مصير المستخدم الرقمي.
في النهاية، يظهر من خلال هذه التحركات أن “ميتا” تتجه بخطى حثيثة نحو إعادة تشكيل علاقتها مع المستخدم، من خلال فتح آفاق التفاعل عبر بيئات متعددة، وهو ما قد يعيد تعريف مفهوم المنصة نفسها، من كونها مساحة مغلقة ومملوكة، إلى كونها عقدة ضمن شبكة اجتماعية عالمية واسعة، حيث يتحكم الأفراد أكثر في تجاربهم، ويستعيدون زمام المبادرة في فضاء يتسع للجميع
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله