
بمتحف المجاهد لولاية معسكر وتخليدا لذكرى إضراب الثمانية أيام (من 28 جانفي إلى 04 فيفري 1957)، وبالتنسيق مع مديرية المجاهدين وذوي الحقوق، نظم المكتب الولائي للتجار والحرفيين الجزائريين لولاية معسكر ندوة تاريخية بعنوان “انعكاسات أحداث إضراب الثمانية أيام في إرباك مخططات فرنسا الاستعمارية بالجزائر”.
هذه الندوة التاريخية نظمت بحضور ممثل السيد الوالي والمدير الولائي للمجاهدين رفقة أساتذة جامعيين وطلبة من جامعة “مصطفى اسطمبولي”، المجتمع المدني، أعضاء الأمانة الولائية للمجاهدين، مدراء التكوين المهني ومدير المعهد التكنولوجي.
سطر برنامج ثري تمثل في الافتتاحية بالقران الكريم متبوعا بالنشيد الوطني والترحم على روح الشهداء الطاهرة، وبعدها تم تقديم شريط وثائقي حول المناسبة وبعدها تم تقديم محاضرة حول الحدث من طرف أحد الأساتذة في التاريخ.
وفي الأخير تم تكريم كل من المجاهد “الحاج سحنون” عضو جيش التحرير الوطني والأمين الولائي لمنظمة المجاهدين لولاية معسكر من طرف “بوصبيع مصطفى” ومدير المجاهدين.
السيد “بوصبيع مصطفى” (رئيس المكتب الولائي للتجار والحرفيين لولاية معسكر)
جاء إضراب الثمانية أيام ليجسد أهم بنود مؤتمر الصومام التي نصت على ضرورة تفعيل الدعم الشعبي وتوظيفه لصالح الثورة، وهو ما تم فعلا، حيث تعدت الاستجابة له حدود البلاد وشملت فرنسا وتونس والمغرب في موقف موحد قضى على محاولات الاحتلال الفرنسي لعزل الثورة عن الشعب، زيادة على الواقع المأساوي الذي كان يعيشه الشعب الجزائري تحت وطأة الاحتلال الفرنسي والأساليب القمعية التي كان يستعملها.
إضراب الـ 8 أيام التاريخي، محطة فارقة أثبتت تلاحم الشعب مع قيادته الثورية، مما سمح بفتح النقاش حول القضية الجزائرية بأروقة الأمم المتحدة التي أدرجتها تبعا لذلك، ضمن إطار حق الشعوب في تقرير المصير.
وأمام هذا الصمود الشعبي البطولي الذي جسد المقولة الشهيرة للشهيد “العربي بن مهيدي” “ألقوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب”، أظهرت قوات الاحتلال الفرنسي كل همجيتها ولجأت إلى التقتيل وتحطيم ممتلكات المضربين ومداهمة منازلهم في محاولة منها لتطويق وكسر الإضراب، وعليه السلطات الاستعمارية قامت باعتقال العشرات من الجزائريين وقتلهم ووضع 7 آلاف آخرين في المحتشدات، بالإضافة إلى القيام بعمليات تمشيط واسعة وعزل عدة أحياء بواسطة الأسلاك الشائكة”.
السيد المدير الولائي للمجاهدين
من خلال استجابته الواسعة للإضراب، وجه الشعب الجزائري ضربة قاضية لفرنسا الاستعمارية التي جابهت صمود الجزائريين بالتقتيل والتنكيل الهمجي والاعتقال والتعذيب والتشريد وتحطيم الممتلكات، وتكبدت جبهة التحرير الوطني خسائر مهمة تمثلت في اكتشاف الإدارة الفرنسية لعدد من خلاياها بالعاصمة والعناصر المتسربة داخل الإدارة الاستعمارية، سيما بعد مجيء الجنرال “لاكوست” الذي أعلن عن قيام ما أسماه بمعركة الجزائر.
وشنت القوات الفرنسية حملة من الاعتقالات التي طالت عددا من قيادات الثورة وعلى رأسها “العربي بن مهيدي”، الذي استشهد نتيجة التعذيب الوحشي الذي تعرض له، كما تم اكتشاف مخبأ على “لابوانت” ورفاقه الذين رفضوا الاستسلام وآثروا الاستشهاد، فضلا عن تراجع عدد العمليات الفدائية لوقت طويل بالعاصمة وحسب التاريخ السلطات الفرنسية قامت بحملات تمشيط واسعة لتطويق الإضراب والقضاء على حوالي 1500 فدائي مسلح” في القصبة كانوا يحظون بدعم ومساندة “حوالي 5000 مدني”، كما قامت باستجواب “40 بالمائة من المواطنين الجزائريين واعتقال العشرات منهم وقتلهم، ناهيك عن وضع 7 آلاف جزائري آخرين في المحتشدات. غير أن كل ذلك لم ينل من روح المقاومة لدى الشعب الجزائري، وهو ما أثبتته هبة 11 ديسمبر 1960 ومواصلة الكفاح بمختلف السبل إلى غاية افتكاك الاستقلال.
المجاهد “الحاج سحنون” (عضو جيش التحرير الوطني والأمين الولائي للمنظمة)
بعد تكريمه من طرف السيد “بوصبيع مصطفى” رئيس المكتب الولائي للتجار والحرفيين لولاية معسكر والسيد المدير الولائي للمجاهدين، اللذان قالا فيه كلمات الثناء لا توفيك حقك، “شكراً لك على عطائك أجمل عبارات الشكر والتقدير لابد أن تسبق حروفنا وتنهي سطورنا معبرة عن صدق المعاني النابعة من قلوبنا لك كل الثناء والتقدير، بعدد قطرات المطر، وألوان الزهر، وشذى العطر، على جهودك الثمينة والقيمة، وعرفانا لما قدمه أثناء الثورة وبعد الاستقلال”، صرح المجاهد قائلا:” إنه لشرف عظيم أن أكرم في هذا اليوم المبارك، فالجزائر التي ظلّت على الدوام تتحرّك في فلك إرث الشهداء، وتستنير بإشعاع ثورتنا الخالدة لَهي مدركة تمام الإدراك أنّ الاستقلال الذي ننعم به اليوم هو نتاج مقدس لأنهار من الدماء الزكية وقوافل متكاثفة لرموز قدموا أرواحهم على مذبح الحرية، وإننا سنظل واقفين مجنَدين على حمى هذه التضحيات، نصون وديعة الشهداء أي حب للوطن كان يحملهُ جيل أوّل نوفمبر للجزائر في قلبِه، وأي قوة إيمان تسلح بها لمواجهة أبشع مُستعمر عرفتْه المعمورة كلّها، وأيّ وعي وثبات كان يتحلّى بِهما وهو الّذي عاش استعمار استيطاني دام أكثر من قرن وثلاثين سنة، كان همّه الأوّل طمس هوية هذا الشعب وإبادتِه كلّيا والاستيلاء على خيرات بلده، وأي شجاعة كانت لديه وهو من فجر أعظم ثورة في التاريخ بأبسط الوسائل، فضحى شبابه وشيوخه وأطفاله ونسائه بأرواحهم وبالغالي والنفيس لتصبح الجزائر حرة مستقلة، مسلمة عربية، ذات سيادة.
مختار سلطاني