لك سيدتي

“زوليخة مكي”… طموح بلا حدود

ماتزال “زوليخة مكي” تصول وتجول بين القيادة والريادة، موازنة بين نضاليها السياسي والبيئي، سعيا منها لغرس الثقافة البيئية لدى النشء الجديد عبرالمزرعة النموذجية “الإيكولوجي الصغير” الواقعة بكناستيل بوهران. 


ورغم الالتزامات المكثفة لها خارج البيت، إلا أنها لم تتخل عن دورها الرئيسي داخل العائلة، كربة بيت مسؤولة عن يوميات زوجها و5 أولاد، بعدما تزوجت في 1986، إثر عدم حصولها على شهادة البكالوريا، بيد أن عائلتها الجديدة لم تمانع في التحاقها بمركز التكوين في التعليم، لتعود وتغادر مقاعده بعد 6 أشهر فقط، وتتجه لعالم البزنس، لتجسد مشروعا رفقة زوجها، وبعد فترة رحلت رفقة عائلتها من مارافال ببلدية وهران إلى ببوزفيل بعين الترك في جديد يفتقد لأدنى شروط الحياة.

 

من مشاكل حي… إلى دعم التنمية والمرأة

ولأن الحي الجديد ببوزفيل كان يضم إطارات وكفاءات تؤمن بأن نيل الحق يحتاج إلى نفس طويل وإطار مضبوط، لجؤوا إلى إنشاء لجنة حي، بيد أنهم لم يجدوا تجاوبا من طرف المجلس الشعبي البلدية آنذاك. ليغيروا وجهتهم ويغيروا صيغة اللجنة إلى جمعية ولائية وينطلقوا في نضال حقيقي لا يخص حيهم فقط وإنما البيئة إجمالا.

وشاءت الصدف أن ينظم اجتماع المانحين بوهران في 2003، وتكون الجمعية المعنية من بين الحاضرين، وقد طرحت إشكال النفايات والتهيئة العمرانية، كما طالبت بإنجاز محطة لتصفية المياه القذرة، واستجيب للطلب وتم تسجيله كمشروع خلال نفس السنة، إلا أن إنجاز المحطة تم في 2007/2008، وانطلقت نضالات الجمعية من أجل تغيير المنظر العام لأحياء عين الترك وفضاءاتها وباقي المناطق، لكن هذه الجمعيه لم تتوقف عن نشاطها، بل وصلت في الاستثمار في كل ما يساهم في الحفاظ على البيئة، وقد كانت لها الفرصة أو لأعضاء هذه الجمعية الفرصة في التنقل عبر مختلف ولايات الوطن في إطار التعاون مع الجمعيات الدولية التي تعنى بالتنمية.

وهذا ما أهلها لخلق مشاريع ساهمت بشكل كبير فالتنمية المحلية لبعض البلديات التي خلقت فروعا، بها على غرار مشروع دعم وتكوين المرأة الريفية لبلدية “بن فريحة”، الذي تم في إطار الاتفاق والتعاون مع الجمعيات الدولية، حيث كان موجها إلى المرأة من خلال توفير التكوين للمرأة وغرس الثقافة البيئية لها، كذلك مشروع تكوين للمرأة الريفية وتنميتها ببلدية “عين البية”، بصفه المرأة عاملا رئيسيا في العائلة، وقد نجح الأمر وحققت تلك المشاريع نتائج مهمة، ساهمت في التحرر المادي للمرأة وخلق حركية تجارية ونشاط لها، بعد ما كانت في غالب الأحيان ماكثة بالبيت لا تمارس شيئا.

لقد أصبحت بهذه التكوينات التي سمحت لها بالحصول على شهادة من التكوين المهني صاحبات مشاريع، على غرار صناعة الحلويات، الخياطة، الحلاقة… والأمر هنا لا يتعلق بالمرأة المتعلمة فقط، بل حتى تلك التي كانت أمية ولا تعرف شيئا، أصبح بإمكانها أن تتحول إلى خياطة وتحقق ربحا ماديا يجعلها مستقلة، على غرار إحداهن والتي بقيت عالقة في ذهن السيدة “مكي”، التي ذكرت أن إحداهن خاطبتها قائلة: “أنا ممتنة لجمعيتكم، فقد أعادت لي كرامتي وصنعت لي مكانة بين أسرة زوجي، بعدما كنت أنا الأمية والمهمشة بينهم، أصبحت الأكثر طلبا منهم وأكثر احتراما وتقديرا، لأنني أصبحت أنا المشرفة والمسؤولة عن تحضير الحلويات لهم في المناسبات ودونها.

 

المناصب والمسؤوليات لا تخل بالنظام الأسري

النشاط الخارجي للسيدة “زوليخة مكي” لم يبعدها عن مسؤوليتها العائلية، فهي أم لستة (6) أولاد وجدة لخمسة (5) أحفاد، ومازالت تسهر على توفير كل الظروف المناسبة لحياة العائلة.

فرغم تقلدها لمناصب سياسية سامية كمنتخَبة وقيادية في حزب جبهة التحرير الوطني، بفضل إتقانها لفن التواصل وعلاقتها الناجحة مع محيطها، أهلها لأن تكون عضو لجنة البيئة بالمجلس الشعبي الولائي، خلال 2008/2012، لتترشح بعدها إلى الانتخابات البرلمانية وتصبح عضو لجنة البيئة بالمجلس الشعبي الوطني عن حزب جبهة التحرير الوطني خلال العهدة 2012/2017، وتواصل في خدمتها للتنمية البيئية خاصة، وتبقى وفية إلى حزبها إلى اليوم الذي تعتبره إضافة مهمة لمسيرتها، من خلال نشاطها الدائم وتواجدها بقواعده النضالية، بيد أن علاقتها مع أسرتها داخل البيت لم تكن تخضع لهذه النظرة، بل كانت الكنة المطيعة لأم زوجها، والتي تعتبرها الأم الثانية لها، فهي تعتمد على قاعدة “المناصب تبقى خارج باب البيت، والكلمة الأخيرة تعود لأكبر أفراد الأسرة”.

فلم تكن ترفض لها طلباتها ولا تعكس أوامرها، فقد كانت الكلمة الأخيرة لأم الزوج التي رحلت منذ سنتين، وقد تركت فراغا رهيبا بين أفراد العائلة، بعد عشرة تجاوزت 38 سنة، لا سيما للسيدة “زوليخة”، التي أكدت في حديثها لجريدة “البديل”، أنها كانت مصدر توجيهات وإرشادات لها في حياتها وكذا حياة أولادها، وهو ما جعل أولادها يكبرون في جو عائلي متوازن، منحهم الفرصة لتحقيق نجاحهم العلمي والاجتماعي.

كما تعتبر السيدة “مكي” ربة بيت ممتازة، فهي تساعد أبناءها على الدراسة بتوفير ظروف ملائمة، وحرصها على الجانب الاتصالي داخل الأسرة عبر إثارة النقاش والمواضيع، من أجل فهم تفكير الأبناء والعمل على توجيههم ومرافقتهم في حياتهم اليومية، عن طريق معاملتهم كصديقة لهم، إلى جانب تمكنها من الطبخ الذي تتفنن فيه خاصة خلال شهر رمضان الكريم. كما أشارت إلى أن خدمة الأسرة من أهم العناصر التي حققت لها توازنا جعلها تنجح في حياتها المهنية خارج البيت، بسبب التحفيز وتشجيع أفراد العائلة لها.

 

المزرعة النموذجية “الإيكولوجي الصغير”… منطلق التربية البيئية

اهتمام أعضاء الجمعية بالبيئة وكيفية الحفاظ عليها، جعلهم يتجهون إلى الأطفال لأنهم المستقبل من خلال العمل على الحصول على قطعة أرضية تسمح لهم بتجسيد مشروعهم البيئي أو الإيكولوجي التربوي، وقد نجحوا في الحصول على قطعة أرضي تقدر مساحتها بأكثر من 3 هكتار على مستوى غابة كناستيل.

حيث قاموا بتهيئتها وتحويلها إلى مزرعة نموذجية، وهي المشروع الذي يعتبر ناجحا، وقد حقق هدفه المتمثل في خلق حميمية بين الطبيعة أو البيئة والطفل مباشرة، من خلال استقبال أطفال الروضات والمدارس الابتدائية عبر مختلف تراب الولاية، ومنحهم الفرصة ليكون وجها لوجه مع حيوانات المزرعة والنباتات، وذلك عن طريق منحهم الفرصة لغرس النباتات والتعامل المباشر مع الحيوان كالبقرة، الحصان والنعجة والطيور كالدجاج والبطة… الخ

وخلال هذه الرحلة الطفولية الممتعة، يتم تلقينهم دروسا ومبادئ في التعامل مع الحيوان والنبات والبيئة بصفة عامة، من خلال إرشادهم وتوجيههم خلال عملية الغرس والزراعة، إضافة إلى السقي، كما يتلقون نصائح بكيفية التعامل مع تلك الحيوانات، وهو ما يخلق علاقة حميمية بين الطفل وتلك العناصر، ما يخلق لديه تعلقت بالطبيعة عموما ويصبح من المدافعين عنها والسباقين لخدمتها، من خلالها المساحات الخضراء والأشجار والعمل على حمايتها ورعايتها إلى جانب حماية الحيوان.

وفي هذا الشأن، ذكرت السيدة “مكي” أن مزرعة الإيكولوجي الصغير لم تعد تحتاج إلى تعريف، لأنها أصبحت قبلة للأطفال من مختلف المدارس وكذلك النوادي البيئة، بعدما كان أعضاء الجمعية هم من يتنقلون إلى المدارس للتعريف بالبيئة والتوعية للحفاظ عليها. أصبحت اليوم هذه المزرعة فضاء لتعليم التنوع البيولوجي، السلسلة الغذائية للحيوان والبيئة. كما أن هذه المزرعة كانت فرصة لاكتشاف أمرا مهما بالنسبة لسلوك الأطفال، الذين زاروها بعدما اكتسبوا توازنا من خلال تأثرهم الإيجابي بما يقدم فيها للاطفال، فقد أصبحوا أكثر هدوء ويتعاملون مع غيرهم معاملة جيدة.

اليوم أصبحت تلك المزرعة النموذجية تتوفر على غطاء نباتي، فقد تم غرس الأشجار عبر 70 بالمائة من مساحتها الإجمالية، على غرار غرس 400 شجيرة تخص الفواكه والزيتون، وبناء فضاءات بمواد صديقه للبيئة. ويبقى نشاط المزرعة متواصلا طيلة أيام السنة، تستقبل الاطفال كل الوقت وذلك من أجل جعلهم في تواصل دائم مع البيئة، كما أن تلك المزرعة أصبحت مقصدا لعديد الجمعيات التي لها علاقة بالبيئة أو المستهلك وبالتعليم، وحتى مؤسسة اقتصادية في إطار الرسكلة.

 

الجيل الحالي بحاجة إلى النصيحة ومواكبة التكنولوجيا ضرورة ملحة

وفي إطار الاهتمام الذي يحظى به الطفل في برنامج السيدة “زوليخة مكي” ونشاطاتها في المجتمع، فقد سألتها جريدة “البديل” عن واقع الجيل الحالي في ظل التكنولوجيا والتطور العلمي الهائل، لترد بأن الجيل الحالي ليس الجيل السابق ولا الظروف ولا سياق المعيشة نفسه، وهو ما يتطلب حسب “مكي”، تغير الأولياء حسب التغيير الحاصل في المجتمع، لأن أولادنا خلقوا في وقت غير وقتنا وما هو متوفر لهم اليوم من إمكانيات لم يكن متاحا لنا لما كنا في سنهم.

مشيرة إلى أن سوشيل ميديا والتكنولوجيا الرقمية، أصبحت تؤثر عليهم بشكل كبير وهو ما يستدعي مرافقه الأولياء لهم عند استعمالها، حتى يكونوا على وعي بما يفعلون وذلك بصوره سلسة ومتفهمة. مضيفة أن نجاح ذلك يكون بنجاح الأولياء من خلال عدم ارتكابهم للأخطاء، التي قد تكلفهم غاليا أمام أبنائهم تؤدي حتى لانعدام الثقة بين الطفل وأهله.

أما فيما يخص العلاقة بمن تعرف بـ “المؤثرات” حاليا بالسوشيل ميديا، ومناداة البعض بغلق بعض المنصات على غرار “تيك توك” في الجزائر، فقد ردت السيدة “زوليخة مكي”، بأن هذه المنصات قد وجدت لتسهيل التواصل بين مختلف الأفراد ومن شتى الدول، وبما أننا بلد مسلم فإننا نعتمد على الآية بعد بسم الله الرحمن الرحيم: “إنا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا”، وهو ما يعني أن التواصل المحترم ليس حراما ولا عيبا، بالعكس فهو يفتح بابا لتقريب الأشخاص من بعضهم وتسهيل التعارف بينهم والتعرف على ثقافة الآخرين بكل سهولة ويسر، في الوقت الذي أكدت فيه أن البعض و لأسباب ما فقد استغلوا هذا الفضاء بطريقة سيئة، وعليه فمجابهة هذا النوع من المؤثرين يكون عن طريق تطبيق القانون إلى جانب الاعتماد على النصيحة لأن النصيحة تعتبر أقوى سلاح لإرجاع الفرد إلى التفكير بعقلانية، وقد قيل: “لا خير في قوم يتناصحون، ولا خير في قوم لا يقبلون النصيحه”. حيث أنه علينا كجمعيات ومجتمع مدني القيام بحملات تحسيسية لفائدة مختلف فئات الشعب، والحديث عن النتائج التي تسببها مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما منها السلبيه ذات المحتوى الهابط الذي يقدمه البعض.

وفي ختام حديثها لجريدة “البديل”، وبخصوص تقييمها للوضع العام للشعب الجزائري، فقد أكدت السيدة “زوليخة مكي”، أنه على الشباب الانخراط في العمل السياسي، من أجل الاطلاع ومعرفة، والمشاركة في صنع القرارات المصيرية للجزائر، إلى جانب تكوينهم من أجل الحفاظ على أمانة الشهداء غدا، لأنهم من سيقود الجزائر، مذكرة أن النظره الجديدة للتنمية وتطوير البلد تعتبر صائبة من طرف السلطات العليا خاصة، اعتماد منهج التوجه نحو الإنتاج المحلي وتنويع الصادرات عوضا عن الاعتماد على مداخيل البترول والمحروقات، إلى جانب الاهتمام بتوفير الاكتفاء الذاتي، فرغم غلاء المعيشة إلا أن نظرة السلطات العليا تهدف إلى تأطير وتحسين المستوى المعيشي للمواطن، حتى أن هذا الأخير أصبح ذكيا، يطالب بحقه لكنه يرفض استغلال ذلك لتحطيم بلده.

أعدته: ميمي قلان 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى