
بقلم: الأستاذ الحاج “نور الدين أحمد بامون” (ستراسبورغ – فرنسا)
يتميز دخول الأطفال للمدرسة أول مرة في حياته. بفرحة عارمة من الأهل والأسرة عبر العالم عموما والجزائريين عامة، لاسيما أفراد الجالية بالمهجر منها بستراسبورغ شرق فرنسا خاصة.
يحظى دخول الطفل لأول مرة بالمدرسة بفرحة كبيرة لدى العائلة والأسرة بأكلمها عامة ولاسيما الأم خاصة، باهتمام خاص من طرفها، التي تقوم بعديد العادات والتقاليد العريقة الراسخة والطقوس المنقوشة في الذاكرة، التي من شأنها أن تكون فأل خير على الطفل حسب المفهوم العامي والمعتقد المتوارث من سلف لخلف وعن كابر، باعتبار هذا اليوم نقطة البداية الجديدة والفعلية في مشواره حياة الطفل الدراسي وبداية تدرج مستقبله.
الأكلات الشعبية التقليدية
تنتظر الأمهات دخول أبنائهن إلى المدارس لأول مرة بفارغ الصبر والقيام بتحضيرات وترتيبات والقيام بالاستعداد التام لهذا اليوم المنتظر. فرؤية ابنها الصغير يحمل حقيبة الظهر ومحفظته بكل فرح وسرور وفخر وهو يخطو أولى الخطوات في مشواره التربوي التعليمي، الذي يعد في حد ذاته حدثا تاريخيا اجتماعيا سعيدا لها ولكامل أفراد العائلة والأسرة بأكملها لاسيما الجد والجدة من هم على قيد الحياة.
لذا تقوم بإعداد العدة له والقيام باكر لتجهيز وإعداد ما لذ وطاب، من الأكلات الشعبية التقليدية، حسب العرف والعادات المتوارثة منذ قديم الزمن من موروثنا الديني الثقافي الاجتماعي. والتي ظل متواصل ومتوارث من جيل لجيل على مر السنين, عادات وتقاليد لم تمحى ولم تندثر رغم تقادم الزمن ولا تعاقب السنين بعقودها، ورغم الغربة وهجرة الوطن بات حرص العائلات عامة والأمهات والجدات خاصة، جزء منهن راسخا وثابت في ذاكرة الأجيال السابقة متوارث للأجيال الصاعدة.
حيث تقوم العائلات الجزائرية عامة داخل وخارج الوطن، مع مطلع كل دخول مدرسي، بعدة تحضيرات بغية وضع أبنائها في جو مريح بدءا من شراء الملابس الجديدة واقتناء الأدوات المدرسية إلى تحضير الأطباق التقليدية والأكلات الشعبية بشتى أنواعها. تحتفل بها العديد من الأمهات والجدات الجزائريات بطريقتهن الخاصة عن طريق عادات توارثنها عبر الأجيال.
روايات كل منطقة وأسرة
الخفاف- تخفاف- السفنج – الفطاير… فأل للتخفيف عن الطفل وتسهيل الاستيعاب ورمز الفرحة والسعادة لا توصف. كل هذه الأسماء المتداولة والمنتشرة في كل جهة، عادة لا زالت قائمة لا تكتمل الفرحة بهذا اليوم إلا بإعدادها وتحضيرها ليكون انتقال الطفل من طور لأخر بكل سهولة ويكون خفيف الفهم والقدرة على الحفظ والاستيعاب أكثر.
الرفيس والروينة والزيرزة والطمينة أطباق أخرى للاحتفال والفرحة:
وتختلف العادات والتقاليد الخاصة بهذا اليوم من جهة وأسرة إلى أخرى حسب المنطقة التي تنحدر منها، فهناك عائلات تعد أكلات أخرى مثل الرفيس، الروينة والطمينة، وأخرى والمسمن والبغرير والرقاق والمبرجة والمذكر.
وغيرها من الأطباق الحلوة الخاصة بالمناسبات السعيدة، حيث لا تزال العديد من العائلات محافظة على هذا التقليد الجميل ومن بينها هذه الأسر التي ما زالت متمسكة بهذا الإرث الثقافي المعنوي والذي له وقع إيجابي وجميل على نفسية الأطفال،
وعائلات تتخلى عن هذه العادات
توجد بعض العائلات من تخلين عن هذه العادات وذلك لانشغالهن بأمور أخرى، معتبرات هذه العادات مجرد مضيعة للوقت وتبذير للمصاريف، لأن نجاح الطفل لا يحتاج لهذه التقاليد، بل إلى دعم الوالدين وحضورهم الدائم، وعن أسباب تخلي العديد من النساء عن هذه العادات القديمة، إن التغيير حدث حتى في تكوين العائلة والاستقلال عن البيت الأكبر جعل العديد من النسوة يتخلين عن هذه العادات التي كانت تجمع الأسرة الواحدة وكذا الجيران للاحتفال بها .
العائلات الجزائرية تتمسك بعادات اليوم الأول للدخول المدرسي بالمهجر
تربط العائلات الجزائرية عامة وبالمهجر خاصة الدخول المدرسي للتلاميذ الجدد لأول مرة بمجموعة من العادات الراسخة والتقاليد العريقة المتوارثة جيلا بعد جيل. ورغم تداعيات الظروف المختلفة. وصعوبة العيش بالمهجر. تمسكت نساء الجالية من الجدات والأمهات بهاته العادات الحميدة التي تهدف إلى تحبيب الطفل للمدرسة وتأهيله نفسيا للجو الدراسي. ورغم بساطة تلك العادات لا تخرج عن الطابع الإجتماعي التراثي في تحضير بعض الأكلات التقليدية إلا أن أهدافها بالغة الأهمية في حياة الطفل ومشواره الدراسي. إذ تحرص أغلب الأسر على الإهتمام بالأطفال المتمدرسين لأول مرة وتنتهج في ذلك العديد من العادات والسلوكيات الإيجابية التي تحمل أبعادا مهمة من حيث تحبيب للطفل الصغير وتحضيره لتلقي العلم كفريضة فرضها ديننا الإسلامي الحنيف وأوصانا بها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في أحاديث نبوية شريفة كما صرحت الأستاذة نبيلة بنت كثامة من ربوع ولاية جيجل شرق البلاد. وتهدف كلها إلى التهيئة النفسية للطفل وتحبيب المدرسة له حسب أستاذة علم النفس التربوي, بعد ارتباطه الطويل بأسرته وانفصاله عنها مرة واحدة. فليس بالأمر الهين السهل على الطفل ذو 5الخمس أو 6 ست سنوات. مفارقة عائلته لذلك راحت بعض الجدات والأمهات إلى اعتماد طرق ووسائل من شأنها أن تقرب الطفل الصغير من المدرسة وتحببها إليه. طرق بسيطة تقوم بها الجدات والأمهات صبيحة اليوم الأول للدخول المدرسي.
الخفاف، البغرير، المسمن، المبرجة، الرفيس، الطمينة وغيرهم
الخفاف، تخفاف، السفنج لفطائر وغيرها من الأسماء المتداولة بمختلف مناطق ومدن الوطن بكل ربوعه، وهو أكلة معروفة ذاع صيتها بين الجزائريين داخل وخارج الوطن خاصة. وهي تجلب الفأل الحسن وكرمز للخفة بدليل إسمه ويحضر للطفل الصغير تيمنا بخفة رأسه في فهم الدروس، كما لا تنسى الأمهات تقديم أطباق منه إلى الجيران والأحباب و صدقة للجميع تعبيرا عن فرحتهم بدخول أبنائهم أو بناتهن إلى المدرسة إلى جانب قطع السكر وماز الزهر (الورد) التي تعد الحاضرة الأولى في ذلك اليوم.
بحيث توضع قطعة منه في فم الطفل عادة من طرف الجدة قبل خروجه من البيت لكي يكون طعم مشواره الدراسي حلوا كقطعة السكر، إضافة إلى اللباس الجديد المنتقى بعناية وحرص شديد يتناسب والدخول المدرسي وتصفيف الشعر، بحيث تتزين الأحياء والشوارع بتوافدهم المميز مصطفين أفواجا وكأنها مناسبة عيد وفرح.
هناك بعض العائلات تقوم بتحضر كيفيات أكلات تقليدية خاصة بالدخول المدرسي في اليوم الأول، ولا يقتصر الأمر على التلاميذ الجدد وإنما تبتهج لمناسبة دخول كل الأبناء في مختلف الأطوار، وتحرص على إدخال الفرحة العارمة في قلوبهم وتحضير مائدة فطور الصباح على غير العادة مزينة و مرتبة بعديد الأنواع.
التأهيل النفسي للطفل في يومه الدراسي الأول
حسب ما جرت عليه العادة عبر العائلات الجزائرية، يبدأ التحضير النفسي للطفل قبل الدخول المدرسي بأسابيع، بحيث تفضل أغلب الأمهات إطلاق عبارات لطيفة من شأنها أن توصلهن إلى الهدف المنشود وهو تحبيب الدراسة للإبن أو البنت. كون أن الطفل في بادئ الأمر يرى في الدراسة الشبح الذي يلزمه مفارقة الأسرة ومغادرة ذويه والمكوث بالمدرسة لوحده بعيدا عنهم محروما من وجودهم ويفقد حمايتهم، لذلك عادة ما تصادف بكائهم الشديد الناجم عن عدم تعودهم على المدرسة في ظل غياب الأسرة، لاسيما الأم وعدم التهيئة النفسية المسبقة كون أن العديد من الأسر تهمل ذلك الجانب وتفتقد إلى حسن التصرف مع الطفل الصغير وكثيرا ما نجد بعض الأولياء يواجهون ذلك بالضرب والتعنيف غير مبالين بالعواقب الوخيمة التي سوف تنجم عن ذلك التصرف والسلوك العنفي، دون أدنى مسؤولية فمن الممكن جدا أن تكون تلك المعاملة سببا في ابتعاد الطفل عن المدرسة وكرهه للدراسة التي ورطته في تلك المشاكل حسب نظره بعد أن كان ينعم بعيشة هنيئة سرعان ما تنقلب موازينها ونظامها، مما يخلط الأمور عليه. لذلك يوصي الأخصائيون النفسانيون والاجتماعيون، بضرورة التهيئة النفسية المبكرة للتلاميذ الجدد، كون أن السنوات الأولى من الدراسة ترسم طريق غيرها من السنوات، فهي القاعدة الأساسية التي يبنى عليها المشوار الدراسي للطفل مستقبلا.
وغالبا ما تجد في هذه العادات والتقاليد العريقة الحسنة المتوارثة جيلا بعد جيل طريقها لتحبيب الطفل في المدرسة وتأهيله نفسيا للدخول في أجواء تملؤها البهجة والفرحة بشغف للدراسة.
ولتفادي اندثار هذه العادات والتقاليد لدى بعض العائلات والأسر، وجب تنبيههم وتوصيتهم بعدم الاستهانة بها كونها قد تلعب دورا جد مهم بالإجماع في التأهيل النفسي للطفل وتبقى مثل هذه العادات فأل حسن. إلا أن المراتب الأولى والنجاحات لا تتحقق إلا بالانضباط والمثابرة من جانب التلميذ والمتابعة الجيدة والمتواصلة من طرف العائلة للمسار العلمي لأبنائها، مع توفير الجو الملائم داخل المحيط الأسري لتسهيل عملية الحفظ والمراجعة والمتابعة والمراقبة المستمرة وتذكير الأبناء بأهمية الدراسة في التأسيس لمستقبل زاهر.