تكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي

هل يؤثر على التفكير النقدي لدى الشباب؟

في عصر التكنولوجيا الرقمية، أصبح الذكاء الاصطناعي جزء أساسيا من حياتنا اليومية، حيث يستفيد منه الشباب في مختلف المجالات من التعليم إلى الترفيه. ورغم فوائده العديدة، فإن هناك قلقًا متزايدًا بشأن تأثيره على التفكير النقدي لدى الجيل الجديد. فمن خلال الاعتماد المستمر على هذه الأدوات الذكية، يخشى البعض أن يتراجع التحليل المستقل واتخاذ القرارات اللامتأثرة بالتكنولوجيا.

أظهرت دراسة بريطانية حديثة نُشرت في مجلة Societies في بداية شهر يناير 2025، أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي يمكن أن يضعف المهارات العقلية الأساسية مثل التفكير النقدي. استهدفت الدراسة أكثر من 650 شخصًا تتراوح أعمارهم بين 17 و 25 عامًا، حيث أظهرت النتائج أن هؤلاء الذين يعتمدون بشكل أكبر على أدوات الذكاء الاصطناعي، يعانون من تراجع ملحوظ في القدرة على التفكير النقدي مقارنة بأقرانهم الأكبر سناً.

وحسب مايكل جيرليتش، مؤلف الدراسة ورئيس مركز الاستدامة والتخطيط الاستراتيجي في كلية الأعمال السويسرية SBS، فإن هذا الانخفاض قد يُعزى إلى ظاهرة “التفريغ المعرفي”، حيث يصبح الأفراد أقل قدرة على تذكر المعلومات وحل المشكلات بأنفسهم، مفضلين ترك هذه المهام للذكاء الاصطناعي. ويعتقد جيرليتش أنه يجب على التعليم أن يعزز الوعي بكيفية استخدام هذه الأدوات بطريقة مدروسة، دون المساس بالمهارات العقلية الأساسية التي تميز الإنسان.

وقد أظهرت الدراسة أيضا أن المشاركين الأكبر سنًا، الذين يميلون إلى استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أقل، سجلوا درجات أعلى في مهارات التفكير النقدي. كما أن التحصيل التعليمي العالي كان له تأثير إيجابي على مهارات التفكير النقدي، مما يشير إلى أن التعليم قد يكون عاملاً حاسمًا في التخفيف من آثار الاستخدام المفرط للتكنولوجيا.

وفي السياق نفسه، قامت الجامعات في العديد من البلدان مثل الصين، بريطانيا وكندا بتطوير لوائح تنظيمية تهدف إلى تحقيق توازن بين الاستفادة من الذكاء الاصطناعي والحفاظ على نزاهة العملية التعليمية. فقد أكدت جامعة “فودان” في شنغهاي على ضرورة استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة داعمة فقط، مشيرة إلى أن المعلمين يجب أن يوجهوا الطلاب في كيفية استخدام هذه التكنولوجيا لتدعيم قدراتهم بدلاً من استبدالها.

المثير للانتباه في هذه النقاشات هو تباين الآراء بين الأجيال، فبينما يفضل الشباب استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي للبحث وحل المشكلات واتخاذ القرارات بسرعة، يظل الكثيرون من كبار السن متمسكين بالطرق التقليدية التي لا تعتمد على التكنولوجيا، معتبرين أنها أكثر فعالية في تحفيز التفكير النقدي والقدرة على التحليل المعمق. وفي النهاية، تبرز الحاجة إلى ضبط العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والعقل البشري.

على الرغم من أن هذه التكنولوجيا تقدم لنا حلولًا سريعة وفعالة، فإن التحدي الأكبر يكمن في التأكد من أن استخدامها لا يؤثر سلبًا على قدراتنا العقلية الأساسية التي تعتبر حجر الزاوية في تطوير التفكير النقدي واتخاذ القرارات المستنيرة.

ياقوت زهرة القدس بن عبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى