
مع الانتشار المتزايد لتقنيات الذكاء الاصطناعي عالميًا، تجد الدول النامية نفسها في مواجهة تحدٍّ مزدوج: الاستفادة من هذه التكنولوجيا المتقدمة، والحد من مخاطرها وسلبياتها. فبينما يرى البعض الذكاء الاصطناعي كفرصة ذهبية لتحفيز النمو الاقتصادي وحل مشكلات مزمنة مثل الفقر والبطالة، تتصاعد المخاوف من الآثار الجانبية التي قد تتسبب في تعميق الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، إذا لم يتم التعامل معها بحذر ووعي كافٍ.
أحد أبرز المخاوف المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في الدول النامية هو تهديده لسوق العمل. فالتوسع في الأتمتة قد يؤدي إلى استبدال البشر بالآلات في العديد من الوظائف، خاصة تلك التي تعتمد على المهارات اليدوية أو الأعمال الروتينية. في هذه الدول التي تعاني من معدلات بطالة مرتفعة أصلًا، قد يؤدي هذا التحول إلى زيادة معدلات الفقر وعدم المساواة، ما يثير قلقًا واسعًا حول المستقبل الوظيفي للأجيال الشابة.
إلى جانب ذلك، يمثل نقص الوعي الرقمي وضعف البنية التحتية التكنولوجية تحديًا آخر يجعل الدول النامية أكثر عرضة للآثار السلبية للذكاء الاصطناعي. عدم فهم كامل لكيفية عمل هذه التقنيات قد يؤدي إلى استخدامها بشكل غير مدروس، مما يفتح الباب أمام مخاطر مثل التلاعب بالبيانات، انتهاك الخصوصية، واستغلال المعلومات الحساسة. بالإضافة إلى ذلك، يواجه صناع القرار في هذه الدول صعوبة في وضع تشريعات وقوانين كافية لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي وحماية حقوق الأفراد.
أما على الصعيد الأخلاقي، فإن القلق من التحيزات المبرمجة داخل أنظمة الذكاء الاصطناعي يثير تساؤلات عميقة. ففي بيئات تفتقر إلى تنوع المصادر والقيم، قد تؤدي هذه التحيزات إلى تفاقم مشكلات مثل العنصرية والتمييز، خاصة إذا تم اعتماد الأنظمة الذكية في مجالات حساسة كالتوظيف أو توزيع الموارد.
الدول النامية، التي تعاني غالبًا من فجوة تعليمية وتقنية مقارنة بالدول المتقدمة، تواجه أيضًا خطرًا مرتبطًا بالاعتماد المفرط على التكنولوجيا المستوردة. هذا الاعتماد قد يجعلها مجرد مستهلكة للذكاء الاصطناعي بدلًا من تطوير تقنيات خاصة بها، مما يعزز التبعية الاقتصادية ويضعف قدرتها على المنافسة عالميًا.
في ظل هذه المخاوف، يتطلب التعامل مع الذكاء الاصطناعي في الدول النامية نهجًا متوازنًا. يجب أن تترافق خطوات تبني التكنولوجيا مع استثمارات جادة في التعليم التكنولوجي، وبناء الوعي لدى المواطنين، وإنشاء سياسات تنظيمية صارمة تحمي حقوق الأفراد، وتضمن استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول ومستدام. فقط من خلال هذه الجهود، يمكن للدول النامية الاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي دون الوقوع في فخ سلبياته.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله