
مهرجان الراي في طبعته 14 بوهران .. أثبت التفاعل الكبير بين الفنانين والمغنيين أن فن “الراي” يسكن جوارح الشعب الجزائري، يتذوقونه بإحساس عال ويؤدونه بروح فنية قوية، يسري في عروقهم ويلامس شعورهم، يحفظون ريبرتواره ويرددون جديده.
مهرجان الراي في طبعته 14 بوهران
ركح مسرح الهواء الطلق حسني شقرون” يحسب سهراته الممتدة على مدار 4 أيام (19 إلى 22 أوت)، في شقه الثاني من مهرجان الراي بوهران، بعدما تم تنشيط شقه الأول بولاية سيدي بلعباس منذ أيام، تحت إشراف المحافظ “حسام حرزالله” والمدير الفني “فيصل صحبي”، برعاية من وزارة الثقافة والفنون. حيث استضاف كوكبة من الأسماء اللامعة في مجال الغناء الرايوي، منها تلك التي تواصل الرحلة بعدما عايشت فنانين كبارا رحلوا ومازالت أغانيهم عالقة بذاكرتنا وآخرين شبانا برزوا وحملوا المشعل الفني فأبدعوا بحفاظهم على تراث فني فريد وزادوا متعة بأغانيهم الجديدة التي لم تخرج عن سياق سابقيها وبقيت ملازمة للحياة اليومية للفرد، لاسيما الشباب والظروف العاطفية والمعيشية، ليصبح عنصرا من عناصرنا الهوياتية الثقافية، بعدما عمدت منظمة “اليونسكو” إلى الإقرار بأنه فن جزائري خالص، ومنتشر عبر كل أصقاع العالم ويعرف اهتماما واسعة من طرف الشباب، لاسيما في وجود وسائط التواصل الاجتماعي التي جعلت حتى الشباب الأجنبي والذي لا يفهم اللغة العربية إلا أنه يرقص على موسيقاه ويردد بعض كلماته خلال تنشيطه لجولات حماسية عبر الاسم “تيك توك” وإرفاقها بفيديوهاتهم التي يوجهونها لجماهيرهم الافتراضية.
نصرو، الزهوانية، الشاب عباس، سميرة الوهرانية… أسماء حاملة لريبرتوار خالِد
عاش جمهور مسرح الهواء الطلق “حسني شقرون” 3 ليال ساحرة، صنع بهجتها ثلة فنانين يبدعون في أغاني الراي، يتقدمهم الشاب “نصرو” الذي عاد من بعيد، بعد غياب تجاوز 28 سنة، حيث عاد بذاكرة الجمهورية إلى زمن الأغنية الرومانسية، التي خطفت في سنوات مضت قلوب وعقول الشباب والمرافقين حتى وإن كانوا لا يقيمون علاقات عاطفية. الشيخة الحاجة “الزهوانية” التي أشعلت الأجواء بغنائها الذي يجمع بين الراي والمداحات، والتي تؤدي وصلاتها بكل تلقائية تجعل المستمع إليها وإن كان لا يستهويه فن الراي إلا أنه يستمع إليها بانتياه وتركيز، لأن معظمها يحمل معاني ورسائل مشفرة. الشاب “عباس” هو الآخر أكد أنه ما يزال مطلوبا لدى الجمهور، بعدما دعاه إلى تأدية عناوين محددة من أرشيفه القديمة، مرددا أياها معه في تناسق رائع خلال الأداء. من جهتها، ورغم أنها لأول مرة تقف على ركح مسرح الهواء الطلق “حسني شقرون”، إلا أن طريقة استقبال الجمهور للشابة “سميرة الوهرانية”، جعلها تندمج مباشرة معه وتؤدي أغان تصنع اليوم “البوز” على مواقع التواصل الاجتماعي…
حميدو، شازيل، هشام TGV، بابيلون، مامو، باليرمو، منال، لزهر زنو وآخرون ينبشون ريبرتوار شيوخهم
تفاجأت الشابة “منال” بمدى التجاوب الذي لاقته من الحضور، بتفاعله مع أدائها طيلة فقرتها الغنائية، بترديدها لأغان رايوية قديمة، ثم إعلانها عن جديدها الغنائي بترديد طقطوقة خفيفة منه، رغم الخجل والخوف الذي تمكنت من السيطرة عليه وتجاوزه بمجرد اندماجها مع رقصات الجمهور، الذي بدى أنه يحتاج لمثل هذه التظاهرات ليغير الجو والإرهاق الذي يعيشه في حياته اليومية، خاصة وأنه كان عائليا بامتياز، صنع فرجة رائعة. وبصعود الشاب “حميدو” زاد التفاعل وعرف انسجاما حقيقيا بينه وبين الجمهور، الذي ردد معه كل المقاطع التي أداها بحماس كبير، أبان فيه عن الراي المحترم وكلماته النظيفة وقدرته على التحكم في وجوده على الركح و مقابلة الجمهور مباشرة. ولأن الجمهور الجزائري خاصة الشباب مختص في اختبار أغاني الراي، فهو وطريقة أدائها، فهو لم يخف عدم رضاه عن أداء المغنية المغتربة “بارازار” التي اعتلت الركح مرتدية البلوزة الوهرانية، واكتفت بترديد أغنية وحيدة حفظها عبر وسائط التواصل الاجتماعي، رددتها مع المغنية “الشابة منال” والتي تمزج بين الراب، الراي والمداحات. وقد عبر المغنيون الشباب عن سعادتهم الغامرة بعد اكتشاف أغانيهم محفوظة عن ظهر قلب لدى جمهور وهران، رغم أنهم لم يلتقوه ولا مرة، وإنما كان التواصل فقط عبر بث أغانيهم على وسائط التواصل الاجتماعي، على غرار “هشام تي، جي، في”، مومو، جليل باليرمو…. القادمين من الشرق الجزائري وغيرهم من المغنيين الشباب، الذين لم ينسوا فضل من سبقوهم في المجال، وكرموهم من خلال نبش الريبرتوار وإعادة ترديدها مع الجمهور.
فرقة “البسطة”… متعة في إعادة ريبرتوار الفن الجزائري
كانت “فرقة البسطة” آخر من وقع سهرة مهرجان الراي في طبعته 14 بمسرح الهواء الطلق حسني شقرون، في أولى سهراته من جزئه الثاني بوهران. حيث أمتعت الجمهور بإعادة أغان رايوية قديمة لفنانين مازالوا يحتفظون بالتقدير ويحافظون على مكانتهم لدى المتلقي، بعدما تفاعل الجمهور بإيجابية كبيرة وتجاوب مع مختلف الأغاني التي رددها مغني الفرقة “سفيان”، بطريقته الخاصة، التي بدا أن شباب اليوم يتابع نشاط هذه الفرقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال مطالبته بأغان محددة يتضح أنها تلاقي إقبالا عبر هاته الوسائط الافتراضية، لم يتردد أعضاء الفرقة في أدائها بكل حماس.
الجوق الموسيقي يصنع البهجة وجمهور واجهة البحر يعيش الفرجة والأمن يرافق السهرة
تمكن الجوق الموسيقي المرافق لمهرجان الأغنية الرايوية تحت قيادة المايسترو “أمين دهان” خلال أول سهرة في الجزء الثاني من مسيرة المهرجان في طبعته 14 بعد جزئه الأول بسيدي بلعباس مهد الراي، من نيل ثقة الجمهور وتفاعله القوي مع أدائه.
حيث أبدع المايسترو “أمين دهان” في وصلاته الموسيقية النادرة التي يبتكرها مع كل موعد فني مع جمهوره العريض، جعلت رواد واجهة البحر من زوار وعائلات وهرانية يتجمعون ويقاسمون جمهور مسرح الهواء الطلق لحظات المتعة والفرحة، برقصاتهم على وقع الموسيقى وترديدهم للأغاني، رغم أنهم كانوا يتواجدون بساحة سونلغاز وأطراف المسرح، إلا أن مرافقة عناصر الأمن لهم وعملهم على توفير الأمن وضمان راحتهم، جعلهم يتفاعلون بكل ارتياح مع جمهور المسرح وترديد الأغاني بشكل رائع، يكشف عن طيبة الشعب وعشقه لكل ما هو جميل وبحثه عن كل ما يصنع فرجته وينسيه مآسيه وما يواجهه في حياته اليومية.
جمهور ركح مسرح الهواء الطلق يشارك سهرته الرايوية عبر “لايفات” تعدت حدود الجزائر
سارع جمهور مسرح الهواء الطلق حسني شقرون إلى مشاركة متابعيهم ومعارفهم عبر مختلف أصقاع العالم عبر فتح شاشات هواتفهم وتحويلها إلى وسائل بث مباشرة لما يحدث على ركح المسرح ومحيطه.
وفي سياق الحديث عن مدى انتشار الأغنية الرايوية واحتلالها لقلوب وعقول الشباب بمختلف البلدان، فقد كانت سهرة أول أمس من الطبعة 14 لمهرجان الراي بوهران منقولة مباشرة عبر منصة “تيك توك”، التي تداول روادها المقاطع مباشرة، وجعل معظم الشباب يتلهفون لسماع المغنيين لاسيما أمير الأغنية الرومانسية “نصرو”، وهو يؤدي فقرته بصوت لم يظهر عليه التعب ولا كبر السن، بل فاجأ الجميع بصوته الحقيقي وكأنه لم يغب 28 سنة عن المهرجان بل كان الأمس فقط، وهو ما يكشف أن شباب اليوم ورغم ظهور مغنيين جدد على الساحة و المتابعة التي يحظون بها يبقى الحنين إلى الفترة الذهبية للأغنية الرايويةالتي صنع مجدها فنانين جزائريين، تمكنوا من وضع بصمة خاصة لها، جعلت مغنيين من بلدان أخرى يحاولون تقليدها أو بالأحرى السلطة عليها، يتشوقون لإعادة الاستماع لها بحضور وأداء مؤدييها الأصليين.
أعدته: ميمي قلان