
الذكاء الاصطناعي يشهد تطورا هائلا، حيث تسعى الشركات العالمية إلى جعله أكثر تفاعلا وأقرب للطبيعة البشرية. من المساعدين الافتراضيين الذين يحاكون الأصوات الطبيعية إلى الصور الرمزية الرقمية التي تعكس تعابير وجه دقيقة، يتجه صانعو التكنولوجيا نحو تصميم أدوات “ذكاء اصطناعي” تشبه البشر، اعتقادا منهم بأن ذلك يعزز ثقة المستخدمين ويزيد من تقبلهم للتقنيات الجديدة.
على سبيل المثال، أضافت OpenAI إلى ChatGPT وضعا صوتيا متقدما يعتمد على أصوات طبيعية ونغمات حقيقية، بينما يتيح تطبيق Character.ai للمستخدمين التفاعل مع شخصيات افتراضية لأسماء شهيرة. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل جعل الذكاء الاصطناعي يشبه البشر فعلا يزيد من الثقة به؟
تشبيه “الذكاء الاصطناعي” بالبشر.. هل هو الحل الأمثل؟
دراسات حديثة تسلط الضوء على زوايا مختلفة من هذا التوجه “للذكاء الاصطناعي”، وتكشف أنه قد لا يكون الحل الأفضل، فعلى الرغم من أن التصميم البشري يمنح أدوات “الAI” طابعًا مألوفًا، إلا أنه في بعض الحالات يؤدي إلى توقعات مبالغ فيها حول قدراتها. وعندما لا تلبي هذه الأدوات التوقعات، يشعر المستخدمون بالإحباط.
إحدى الدراسات أشارت إلى أن برامج الدردشة التي تبدو بشرية قد تُحدث ردود فعل سلبية لدى العملاء في حالات الغضب أو عدم الرضا. فقد تبين أن العملاء يتوقعون أداء متميزًا من أدوات “الAI” ذات الطابع البشري، وعندما تفشل في تلبية توقعاتهم، ينعكس ذلك سلبًا على تقييمهم للشركة.
في مجال الألعاب الإلكترونية، أظهرت دراسة أخرى أن اللاعبين يفضلون المساعدين الافتراضيين الذين لا يشبهون البشر، لأن المساعدين الشبيهين بالبشر يقللون من شعور اللاعبين بالاستقلالية، مما يضعف استمتاعهم باللعبة.
التركيز على العنصر البشري في “الAI”
بدلًا من محاكاة “الذكاء الاصطناعي” للبشر، تقترح الدراسات أن تسليط الضوء على الخبرة البشرية وراء تطوير هذه الأدوات قد يكون أكثر فعالية في كسب ثقة المستخدمين. توضيح أن “الAI” يعتمد على إسهامات خبراء متخصصين يمنح المستخدمين فهما أعمق لكيفية عمل هذه الأدوات، ويعزز شعورهم بالثقة والطمأنينة.
إحدى الدراسات قامت باختبار هذا المفهوم، حيث قسم المشاركون إلى مجموعتين: الأولى قيل لها إن أداة “الذكاء الاصطناعي” طورت بواسطة فريق من الخبراء، بينما لم يُذكر أي عنصر بشري للمجموعة الثانية. النتائج أظهرت أن المشاركين في المجموعة الأولى كانوا أكثر ثقة في الأداة ووجدوا ملاحظاتها أكثر إقناعًا، رغم أن المحتوى كان متطابقًا تمامًا.
مجالات التطبيق العملي في “الذكاء الاصطناعي”
يمكن تطبيق هذا النهج الجديد في العديد من القطاعات، منها:
(01)- التعليم: بدلًا من جعل أنظمة “الAI” تبدو كمعلمين، يمكن التأكيد على دور خبراء التربية في تطويرها.
(02)- الرعاية الصحية: تسليط الضوء على مساهمة الأطباء في تصميم التطبيقات الصحية عبر “الذكاء الإصطناعي” كي يعزز الثقة لدى المرضى، كما هو الحال مع تطبيقات مثل SkinVision.
(03)- الخدمات القانونية والمالية: يمكن للشركات إبراز دور الخبراء في بناء أنظمة “الAI” المستخدمة في الاستشارات القانونية أو التحليل المالي.
بينما تتسابق الشركات لجعل “الAI” أكثر شبهاً بالبشر، تشير الأدلة إلى أن التركيز على العنصر البشري في تطوير هذه الأدوات قد يكون أكثر نجاحا في تعزيز ثقة المستخدمين. فالذكاء الاصطناعي ليس بحاجة لأن يبدو بشريًا ليكسب القبول، بل يكفي أن يشعر المستخدم بأن خلفه عقول بشرية تفهم احتياجاته وتسعى لخدمته.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله