تكنولوجيا

الجامعة الجزائرية في قلب الحدث

رقمنة قطاع التعليم العالي والبحث العلمي

شهد العالم في العقدين الماضيين، ثورةً تكنولوجيةً وانفجاراً معرفيًّا هائلاً، ولا يزال يشهدها حتى الآن. ومع الاعتماد على الحاسوب منذ ظهوره والتطورات التقنية والخدمات التي توفّرها شبكة الإنترنت، بات واجباً وأولويةً على المجتمعات؛ التأقلم ومواكبة العصر، من خلال تطوير وعصرنة مؤسساتها وقطاعاتها بأنظمة حديثة؛ تتماشى مع أسس التكنولوجيا، ما أدّى إلى ظهور “العالم الرقمي” أو “الرقمنة“.

ونقصد بالرقمنة، تحويل كلِّ ما هو كتابي ورقي إلى رقمي إلكتروني بعد معالجته. فقد أصبحت لغة العصر الحديث وموضوع السّاعة، إذ نقلت العالم من كفَّة النظام والحياة التقليدية إلى الحديثة منها والرقمية، وألبسته حُلّة جديدةً في كلِّ أنظمته.إذ ساهمت الرقمنة في تسهيل مختلف التعاملات والتنقلات، كما فتحت آفاقاً جديدةً وحسّنت من مستوى أداء الإدارات ورفعته، هذا وقد قامت بإلغاء المسافات والزمكان؛ باعتبارها الأداة والتقنية التكنولوجية الأكثر استعمالاً في العالم حالياً، وحتّى في الحياة اليومية للبشرية جمعاء.

مشروع الجزائر الإلكترونية

أمّا في الجزائر، فقد تبنّت الدولة للرقمنة سنة 2013 تحت عنوان “مشروع الجزائر الإلكترونية”، إدارةً وحكومةً، في سعيٍ منها لتحسين وعصرنة الخدمات الإدارية وترقية التعاملات، وهذا إن دلّ على شيئ فإنّه يدّل على الاهتمام الكبير الذي توليه الدولة للرقمنة، ولمعرفتها أنّه بات شيئاً حتمياً يستوجب تعميمه على جميع المؤسسات، الهياكل والقطاعات، وليس خياراً ثانوياً يقتضي التفكير في تطبيقه أمْ لا. عملت الدولة على مشروع الرقمنة وأدخلته حيّز التنفيذ بالعديد من القطاعات كقطاع الصحة، التعليم، التجارة، البريد والمواصلات وغيرهم، وأخذ قطاع التعليم العالي والبحث العلمي حصّته منها أيضا، بحيث شهد هو الآخر نقلة نوعية جعلته يرتقي نوعاً ما بفضل عصرنته وإدخاله في حقيبة الرقمنة إدارياً وبيداغوجياً، وتأقلم مع ما توفّره التكنولوجيا الحديثة له. ظهر هذا بشكلٍ جليٍّ وملحوظ خلال فترة جائحة كورونا العالمية، والتي تسببت في عزل وتوقف مختلف المؤسسات والأفراد بشكل أجمع عن ممارسة ومزاولة حياتهم بشكل عادي، ما استوجب وضع النقاط على الحروف وانتهاج استراتيجيات وسياسة جديدة من شأنها رفع وتحسين القطاع والبحث عن طرق تعليم نوعية ليستكمل الطلبة دراستهم بشكل أشبه بالعادي، ليتم الاتفاق وتبنّي طريقة “التعليم عن بعد” أو “التعليم عن طريق الإنترنت” بإطلاق منصة “موودل Moodle” واعتمادها على أنّها شكل من أشكال التعليم الإلكتروني الجديد، بحيث تقدم هذه الأخيرة محاضرات وفيديوهات شرحية قصيرة واختبارات في بعض الأحيان، الشيئ الذي وفّر محتوى تعليمي أكثر سهولة ومرونة وفعالية بين الطلبة والأساتذة.

الارتقاء بالجامعة الجزائرية

لم يتوقف الأمر هنا فحسب، بل عمِل القطاع على إطلاق أهمِّ خدماته الإدارية، والمتمثلة في نظام وتطبيق “بروغرس Progres”، الذي سهّل عمل الإداريين والأساتذة على حدٍّ سواء في معالجة بيانات الطلبة وملأ نقاطهم البيداغوجية، كما مكّن الطلبة هم الآخرين من متابعة سير تسجيلاتهم، ملفاتهم وكلِّ ما يخصهم، الشيء الذي لاقى استحساناً كبيراً بينهم وأحرز خطوة تقدّمٍ للقطاع نحو إنجاح الرقمنة. قطاع التعليم العالي والبحث العلمي من القطاعات التي سعت؛ ولا زالت حتّى الآن تسعى لمواكبة العصر وتحقيق الهدف السّامي بالرقمنة الكليّة لكلِّ مؤسساته والخدمات التي يوفّرها للارتقاء بالجامعة الجزائرية، وهذه خطوةٌ محمودةٌ ونقطة تُحتسبُ له، لكن نعمة الرقمنة قد تتحوّل إلى نقمةٍ أحياناً، فالكثير من الطلبة في مختلف جامعات الوطن يعانون من عدم صبِّ منحتهم الجامعية نتيجة تحويل هذه الخدمة إلى الشكل الرقمي. جُلُّ الطلبة لا تزال ملفاتهم قيد الانتظار والمعالجة لليوم؛ رغم استكمالهم للوثائق اللازمة والمطلوبة عبر المنصة الرقمية، الشيئ الذي كشَف الثغرة و التسرّع الواضح إن صحّ القول لعصرنة هذه الخدمة، دون العمل على أساسها بشكل جيِّد ودقيق، أو إطلاقها بشكل تجريبي، ما يسمح بكشْفِ الفجوات الموجودة بالمنصة الخاصة بهذه الخدمة لتصويب مسارها وحلِّ مشاكلها التقنية. فهل القطاع لم يستطع لحدِّ الآن إيجاد حلٍّ لهذه المشكلة التقنية؟!

تحقيق (صفر ورقة)

وبالرغم من شكاوى الطلبة المتكررة، ترفض الإدارات استلام الملفات ورقيا كحلٍّ مبدئي ريثما تُحلُّ المشكلة، تطبيقاً واستمراريةً للنظام الرقمي الجديد الذي مسّ هذه الخدمة، وليس هناك من مجيبٍ لهم، فإلى متى سيستمر هذا الوضع؟ إنّ مساعي القطاع واضحة والمجهودات مرئية، لا أحد ينكر هذا، لكن بالحديث عن الرقمنة؛ فإنّها لا زالت مشروعاً قائماً في بدايته في الجزائر، وكغيرها من المشاريع؛ فإنّها تحتمل النجاح كالفشل. فقبل دخول أيّ خدمة رقمية حيّز العمل والتنفيذ، يجب أن تكون الخطوة دُرست بشكلٍ جيّد، تفادياً للمشاكل التقنية التي يمكن أن تحدث. ورغم المحاولات الحثيثة التي يبذلها القطاع أو الدولة الجزائرية بشكل عام لتعميم الرقمنة في جميع هياكلها ومؤسساتها واعتماد الإدارات الرقمية، إلاّ أنّها في بداية الطريق ولا تزال بعيدة عن تحقيق ما قال عنه رئيس الجمهورية “عبد المجيد تبون” (صفر ورقة). لكنّه أيضا ليس بمستحيلٍ! بل ينجح خطوة بخطوة، بدراسة متريِّثة وتبنّي خطط استراتيجية شاملة من كلِّ الجوانب؛ لضمان عدم حدوث أخطاء مستقبلاً أو تقليلها للحدِّ الأدنى، ودون تسرعٍ لإلغاء نظام واستبداله بآخر بغير جاهزية تامّة. هذا مع وجوب العمل على تحسين خدمات الإنترنت والشبكات، ومعالجة النقص الموجود في المناطق النائية، فهذا من بين الضروريات والأولويات لدولةٍ رقمية. ولن تعطي الرقمنة أجود ثمارها إن لم يتم الاعتناء بها بالشكل اللازم، والمقصود بالاعتناء هنا؛ هو العمل على التحسين الدائم للمنصات والأرضيات الرقمية وتحرّي النقائص ووضع حلول سريعة للمشاكل التقنية التي تواجه المستخدمين، بالإضافة إلى توفير تدريب وتكوين للموظفين والإداريين؛ يساعدهم على معرفة أسلوب العمل الجديد وكيفية التعامل معه وبه، فهذا ما يضمن تطبيقاً وعملاً فعليًا وفعّالاً للرقمنة.

بقلم: الأكاديمية. نصرالدين شهيناز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى