تكنولوجيا

“فضيحة” جرافي أناليتكس:

تجارة خفية تحول بيانات المستخدمين إلى سلعة مربحة

لم يعد جمع بيانات المستخدمين مقتصرا على أغراض التسويق والإعلانات فقط، بل تحول إلى تجارة سرية تتلاعب بها شركات متخصصة دون علم أصحابها، الـ”فضيحة” الأخيرة التي كشفتها عملية اختراق (جرافي أناليتكس – Gravy Analytics)، حيث سلطت الضوء على آليات خفية يتم من خلالها تتبع المستخدمين وبيع بيانات مواقعهم الجغرافية لمن يدفع أكثر.

 

اختراق يقود إلى “فضيحة” عالمية

في صبيحة السابع من جانفي 2025، اكتشفت الـ”فضيحة”، حيث أعلنت مجموعة من القراصنة عن نجاحهم في التسلل إلى خوادم (جرافي أناليتكس) والاستيلاء على بيانات ضخمة تتعلق بمواقع ملايين المستخدمين. لكن الكارثة لم تكن في عملية الاختراق ذاتها، بل فيما كشفت عنه هذه التسريبات، حيث تضمنت سجلات دقيقة لحركة المستخدمين تم جمعها عبر آلاف التطبيقات مثل (تيندر)، (كاندي كراش)، وتطبيقات الصحة والتطبيقات الدينية.

 

ما قبل الـ”فضيحة”: كيف يتم جمع بيانات المواقع سرا؟

قبل اكتشاف “فضيحة”، عادة، عندما يحتاج تطبيق ما إلى تحديد موقع المستخدم، يطلب إذن الوصول إلى مستشعر GPS، وهو أمر يكون المستخدم على دراية به، لكن (جرافي أناليتكس) اعتمدت على طريقة أكثر خداعا، حيث استخدمت منصات الإعلانات الرقمية لتحديد موقع المستخدمين بناء على أماكن ظهور الإعلانات. من خلال تحليل بيانات الإعلانات، تمكنت الشركة من رسم خرائط مفصلة لتحركات المستخدمين، حتى في التطبيقات التي لم تطلب إذن الوصول إلى الموقع بشكل مباشر.

 

خطورة الـ”فضيحة”: من يقف وراء هذه التجارة ؟

ما زاد من خطورة الـ”فضيحة” أن (جرافي أناليتكس) ليست مجرد شركة بيانات، بل هي الشركة الأم لـ”فينتيل” (Venntel)، وهي جهة سبق أن باعت بيانات المواقع الجغرافية لوكالات أمريكية مثل الأمن القومي والمباحث الفيدرالية. كما كشفت التسريبات أن شركات عالمية أخرى كانت متورطة في هذا النشاط، من بينها شركات إعلانات رقمية كبرى يشتبه في أنها ساهمت في جمع هذه البيانات.

 

أسرار الـ”فضيحة”: تطبيقات غير متوقعة ضمن القائمة

المثير للجدل أن قائمة التطبيقات التي شاركت دون قصد في هذه العملية تجاوزت 12,000 تطبيق، وشملت تطبيقات شهيرة مثل (كول أوف ديوتي)، (ماي فيتنس بال)، (تمبلر)، (مسلم برو)، وحتى تطبيقات البريد الإلكتروني لـ(مايكروسوفت) و(ياهو). بعض هذه التطبيقات نفت أي تورط مباشر، لكنها لم تستطع إنكار أن بيانات مستخدميها تم تسريبها وبيعها، وبالتالي ظهر خطورة الـ”فضيحة”.

 

ما الذي يجعل هذه الـ”فضيحة” مقلقة؟

في عالم اليوم، أصبح تتبع بيانات المستخدمين ممارسة شائعة، لكن الفرق بين الإعلانات المستهدفة والتجسس الخفي هو مدى وضوح الأمر للمستخدم. خبير الأمن السيبراني (زاك إدوارد)، وصف التسريب أو بالأحرى هذه الـ”الفضيحة”، بأنه “كابوس يهدد خصوصية الجميع”، حيث تم جمع البيانات بطرق غير مباشرة دون علم المستخدمين، كما أنها لم تكن محمية بشكل كاف، مما جعلها عرضة للسرقة والبيع.

 

ما بعد الـ”فضيحة”: هل يمكن إيقاف هذه الممارسات؟

في محاولة لاحتواء الـ”فضيحة”، أصدرت لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية قرارا يمنع (جرافي أناليتكس) وشركتها الفرعية (فينتيل) من بيع بيانات المواقع الحساسة أو الاحتفاظ بها، لكن هذا لن يكون كافيا. طالما استمرت التطبيقات في استخدام الشبكات الإعلانية لتوليد الأرباح، فستظل بيانات المستخدمين عرضة للاستغلال من قبل سماسرة البيانات الذين لا يخضعون دائما للمساءلة القانونية.

 

المستقبل المجهول لخصوصية المستخدمين بعد كشف الـ”فضيحة”

يبقى السؤال الأهم: إلى أي مدى ستظل بيانات المستخدمين سلعة تباع وتشترى؟ وبينما تحاول بعض الحكومات فرض رقابة على هذه الممارسات، فإن الاقتصاد الرقمي القائم على الإعلانات وجمع البيانات يجعل من المستحيل تقريبًا القضاء على هذا السوق المربح. في ظل هذه الظروف، يصبح الحل الوحيد المتاح للمستخدمين هو الوعي واتخاذ احتياطات إضافية عند منح التطبيقات إذن الوصول إلى بياناتهم الشخصية وبالتالي التأكيد على عدم تكرا مثل هذه الـ “الفضيحة”.

ياقوت زهرة القدس بن عبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى