الــجــامــعــةتكنولوجيا

الطباعة ثلاثية الأبعاد

كيف يعيد الابتكار تشكيل المستقبل؟

بقلم: د. عمر العربي  (جامعة طاهري محمد بشار)

 في عالم يتسارع فيه التطور التكنولوجي بشكل غير مسبوق، تظهر تقنيات تغير مفاهيم الإنتاج والصناعة، ومن بينها الطباعة ثلاثية الأبعاد التي لم تعد مجرد خيال علمي، بل أصبحت حقيقة تفتح الأبواب أمام إمكانيات لا حدود لها. تخيل أنك تستطيع طباعة منزل كامل في يومين، أو تصميم أطراف صناعية حسب الطلب، أو حتى بناء محركات معقدة دون الحاجة إلى مصانع ضخمة! هذه الثورة التكنولوجية كانت محورًا هامًا خلال الفعالية العلمية التي احتضنتها جامعة طاهري محمد ببشار.

شهدت الجامعة، يوم 20 فبراير 2025، فعاليات #IDJourney، التي دأب على تنظيمها نادي “أنا أطور” #IDevelop تحت إشراف الدكتور غازلي عبد القادر. تمحورت الفعالية حول الذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد، حيث جمعت نخبة من الباحثين والطلبة المهتمين بالتكنولوجيا الحديثة، لمناقشة أحدث الابتكارات التي تعيد رسم معالم الصناعة والبحث العلمي.

عندما تتحول الأفكار إلى نماذج ملموسة

لم يكن الحدث مجرد محاضرات أكاديمية، بل تجربة حقيقية لإثبات قدرة هذه التقنية على تحويل الأفكار إلى منتجات ملموسة. خلال مداخلة قيّمة قدّمها الدكتور بن صافي محمد، تم استعراض الإمكانيات المذهلة للطباعة ثلاثية الأبعاد، وكيف أصبحت أداة رئيسية في مختلف المجالات، من الصناعة والطب إلى البناء والهندسة. كما شهد الحاضرون تجربة حية لطباعة نماذج ثلاثية الأبعاد في غضون نصف ساعة فقط، مما أدهش الجميع بدقة التفاصيل وجودة المنتج النهائي.

مثّلت هذه التجربة نموذجًا مصغرًا للتحولات العميقة التي أحدثتها الطباعة ثلاثية الأبعاد في مختلف القطاعات. فلم تعد مجرد فكرة خيالية، بل أصبحت قوة حقيقية تعيد تشكيل الصناعات الحديثة. فقد بات من الممكن إنتاج أطراف صناعية مخصصة، ومكونات طائرات، وحتى بناء منازل كاملة في غضون أيام قليلة. والأكثر إثارة أن هناك طابعات ثلاثية الأبعاد قادرة على طباعة طابعات أخرى، مما يبشر بعصر التصنيع الذاتي وتقليل الاعتماد على المصانع التقليدية وسلاسل التوريد المعقدة.

وفي هذا السياق، تعد الطباعة ثلاثية الأبعاد من الابتكارات التي غيرت مفاهيم الصناعة الحديثة، حيث تعتمد على تحويل التصاميم الرقمية إلى نماذج ملموسة عبر تراكب طبقات من المواد المختلفة مثل البلاستيك، المعادن، والراتنجات. وقد قادت دول مثل الولايات المتحدة، الصين، ألمانيا، اليابان، وهولندا هذا المجال، حيث تطور شركات مثل Stratasys، Ultimaker، Creality، Formlabs، وAnycubic  طابعات متنوعة تلبي احتياجات مختلف القطاعات.

دور الصين في ريادة الطباعة ثلاثية الأبعاد

وتحتل الصين موقعًا رياديًا في هذا السوق، حيث استحوذت على 31 بالمائة  من الحصة السوقية العالمية في عام 2021، مع ارتفاع شحنات الطابعات الصناعية بنسبة 24  بالمائة في عام 2020. كما تُعد شركاتها، مثل Creality  وAnycubic، من بين الأكثر انتشارًا عالميًا، خاصة في قطاع الطابعات المكتبية والاحترافية. هذا النمو السريع يعكس قدرة الصين على تقديم منتجات تنافسية بأسعار منخفضة، مما يعزز مكانتها الأساسية في هذه الصناعة المتطورة.

التوقعات المستقبلية: نحو صناعة ذكية ومستدامة

وفي هذا السياق، أشار الدكتور بن صافي محمد إلى أن المستقبل القريب سيشهد تطورًا هائلًا في هذه التكنولوجيا، مع زيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لتحسين دقة الطباعة وتقليل الأخطاء. وأوضح أن هذا التطور سيفتح المجال أمام استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد في مجالات أوسع، مثل طباعة الأجهزة الإلكترونية الدقيقة، وحتى الطباعة الحيوية المتقدمة لإنشاء أنسجة وأعضاء بشرية قابلة للزرع. كما أشار إلى أن دمج الذكاء الاصطناعي مع الطابعات ثلاثية الأبعاد سيمكنها من التعلم الذاتي وتحسين أدائها تلقائيًا، مما قد يؤدي إلى طفرة جديدة في التصنيع المستقل والابتكار الذاتي.

لقد أكدت ورشة #IDJourney  أن الطباعة ثلاثية الأبعاد ليست مجرد تقنية مستقبلية، بل هي واقع ملموس يغير قواعد اللعبة في مختلف القطاعات. ومع استمرار تطورها، قد يصبح امتلاك طابعة ثلاثية الأبعاد في كل منزل أمرًا شائعًا، تمامًا كما نمتلك الطابعات الورقية اليوم.

 نحو مستقبل مليء بالإبداع

في ختام الفعالية، وجّه المنظمون شكرًا خاصًا لكل من ساهم في إنجاح هذا الحدث العلمي المميز، مع توجيه شكر خاص إلى كلية العلوم الدقيقة على دعمها المستمر وتشجيعها لهذه المبادرات الرائدة. ويأمل المشاركون في المزيد من المبادرات العلمية التي تعزز البحث والابتكار، وتسهم في تطوير حلول تكنولوجية متقدمة، بما يدفع عجلة التكنولوجيا نحو مستقبل أكثر ذكاءً وإبداعًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى