تكنولوجيا

اختبارات العمر الرقمية.. بوابة حماية أم وسيلة مراقبة؟

في ظل تسارع التحول الرقمي وتزايد استخدام الأطفال واليافعين للمنصات الإلكترونية. بدأت تقنيات التحقق من العمر ” اختبارات العمر الرقمية ” عبر الإنترنت تفرض نفسها كإحدى أبرز أدوات حماية الفئات الناشئة. حيث من المتوقع أن تغيّر هذه الاختبارات قريبًا وجه الاستخدام الرقمي. خاصة على مواقع التفاعل الاجتماعي والمنصات الترفيهية التي باتت جزء لا يتجزأ من حياة الجيل الجديد. مثل المنصات التفاعلية ومواقع النقاش المفتوحة.


 

 

منصات التواصل تحت المجهر

يبدو أن الكثير من التطبيقات والمنصات الشهيرة ستجد نفسها قريبًا أمام حواجز رقمية جديدة. حيث يتوقّع أن تصبح اليات التحقق من عمر المستخدم جزء أساسيًا من تجربة التسجيل أو تحميل التطبيقات. خصوصًا تلك التي توفّر محتوى غير مناسب للفئات الصغيرة. مثل الألعاب العنيفة أو الخدمات المرتبطة بالصحة النفسية والجسدية. ويأتي هذا التوجه في إطار محاولة للحد من تعرّض القصّر لمحتويات قد تؤثر سلبًا على نموهم العقلي والعاطفي. مما يعني أن المستخدم الصغير سيكون بحاجة لإثبات هويته أو تقديم ما يثبت أهليته الرقمية.

تقول بعض الجهات إن هذه الإجراءات ستشمل أيضًا إعادة تصنيف المحتويات بحسب الفئة العمرية. بحيث تظهر نسخ مخصصة من نفس التطبيق تراعي تطوّر عقل المستخدم وظروفه النفسية. وهو ما يفتح الباب نحو تجربة أكثر تخصيصًا. لكنها قد تثير أيضًا تساؤلات حول مدى مراقبة الأفراد ومدى قدرة الشركات على تحديد العمر بدقة دون المساس بخصوصيتهم.

 

 

اختبارات العمر الرقمية .. بين حماية الطفولة وتشديد الرقابة

على الرغم من أن الدافع المعلن لتعميم اختبارات التحقق من السن هو حماية الأطفال من التعرض لمحتويات قد تكون مضرة، إلا أن البعض يرى أن هذه الإجراءات قد تتحوّل تدريجيًا إلى أدوات للسيطرة والتحكم. خاصة في البيئات التي تعاني من شحّ في الحريات الرقمية، فبمجرد فرض إقرار عمر المستخدم، يصبح من السهل تتبّع سلوكه وفلترة المعلومات التي تصل إليه، مما يُخالف جوهر الإنترنت المفتوح.

وقد طُرحت تساؤلات عديدة حول مدى شفافية هذه الاختبارات، ومن الجهة التي تُشرف على البيانات المُجمّعة، بالإضافة إلى الكيفية التي يمكن بها ضمان عدم تسريب هذه المعلومات أو استغلالها تجاريًا، خصوصًا أن أغلب هذه الاختبارات تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتقنيات التعرف على الوجوه أو الأنماط السلوكية، مما يرفع من درجة الخطورة في حال تعرّض هذه الأنظمة للاختراق أو سوء الاستخدام.

 

 

الخصوصية في مهب التجربة

من اللافت أن موجة التغيرات هذه تأتي في وقت بدأت فيه بعض الشركات التقنية الكبرى تخفف من قيود أخرى كانت تفرضها، مثل السماح بوسائل دفع أكثر مرونة، أو بفتح المجال أمام تطبيقات بديلة لتصفح الإنترنت، وهو ما يطرح مفارقة واضحة: هل الهدف حماية المستخدم أم تنظيمه؟ وهل ستحقق هذه الإجراءات توازنًا بين الحماية والحرية؟

إن خضوع المستخدم لاختبارات عمرية دقيقة قد يبدو في ظاهره خطوة نحو الأمان، لكنه في المقابل يعيد طرح أسئلة جوهرية حول مدى سيطرة الشركات التقنية على حياتنا، ومدى قدرة الأفراد على مقاومة هذا التوسع المتسارع نحو الرقابة الرقمية، لذلك فإن الحل الأمثل قد يكمن في توفير أنظمة توجيه وتثقيف رقمي أكثر فعالية، مع ضمان الشفافية واحترام خصوصية المستخدمين من جميع الفئات.

تفتح اختبارات التحقق من العمر فصلًا جديدًا في علاقة الأفراد بالتكنولوجيا، فبين من يراها وسيلة لحماية الأجيال الصاعدة، ومن يعتبرها تمهيدًا لمزيد من الرقابة، تبقى الحاجة ملحة إلى نقاش مجتمعي واسع يضمن توازنًا حقيقيًا بين الأمان الرقمي والحق في الخصوصية، وإلا فإننا سنجد أنفسنا أمام فضاء إلكتروني مشروط ومراقب، قد يفقد جوهره الحر.

ياقوت زهرة القدس بن عبد الله 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى