تكنولوجيا

كيف تتحكم الخوارزميات في كل ما نراه ونفعله على الإنترنت

حين تتصفح شبكة الإنترنت وتنتقل بين المواقع أو التطبيقات، فإن ما تراه من محتوى وما تقرأه من أخبار وما يصلك من مقاطع أو توصيات ليس عشوائيًا بل هو نتيجة مباشرة لعمل خوارزميات دقيقة تنظم وترتب وتقرر ما يجب أن يظهر لك هذه الخوارزميات، هي بمثابة العقل الخفي الذي يوجه تجربتك الرقمية من اللحظة التي تفتح فيها أي تطبيق حتى تغلقه.

تعمل هذه الخوارزميات بناء على ما تعرفه عنك فهي تحلل تفاعلاتك السابقة، مثل ما قمت بمشاهدته أو النقر عليه أو حتى ما كتبته في محركات البحث، ومن خلال هذه البيانات تنشئ صورة تقريبية عن اهتماماتك وميولك ثم تستخدم هذه الصورة لتعرض لك المحتوى الذي يُرجح أن يجذب انتباهك سواء كان مقطعًا مصورًا أو إعلانًا أو خبرًا عاجلًا.

وفي المواقع الاجتماعية، تلعب الخوارزميات دورًا أكبر، إذ إنها لا تكتفي بعرض منشورات أصدقائك بل تختار منها ما تعتبره الأكثر أهمية لك وتدفعه إلى مقدمة صفحتك، وهذا يفسر لماذا ترى بعض المنشورات فورًا بينما لا تظهر لك منشورات أخرى إطلاقًا رغم صدورها في الوقت نفسه.

 

تأثير الخوارزميات على قرارات المستخدم

 

حين يعتمد المستخدم على الإنترنت في معرفة الأخبار أو التسوق أو حتى التواصل، فإن تجربته تتأثر بالخوارزميات دون أن يشعر فهي تقرر أي الأخبار تظهر أولًا وأي العروض تصل إلى بريده، وأي المنتجات تظهر في مقدمة نتائج البحث مما يجعل هذه الخوارزميات تتحول من أداة تنظيم إلى أداة تأثير في القرارات.

فعلى سبيل المثال، قد يرغب المستخدم في شراء منتج معين لكنه يتعرض لسلسلة من الاقتراحات المتكررة لنوع معين فيبدأ تدريجيًا بالميل إليه ويقرر شراؤه دون أن يدرك أن هذا القرار لم يكن حرًا بالكامل، بل جاء نتيجة تأثير متواصل من خوارزمية مصممة لتوجيه اختياراته بناء على ما تعتبره مناسبًا له.

وهذا التأثير لا يقتصر على المشتريات فقط بل يمتد إلى الأفكار والمواقف فقد أظهرت دراسات عديدة أن الخوارزميات قد تؤدي إلى خلق ما يُعرف بفقاعات الرأي حيث يُعرض على المستخدم آراء تتفق مع توجهاته فقط مما يعزز قناعاته ويقلل من احتمالية اطلاعه على وجهات نظر مغايرة.

 

تحديات الشفافية والتحكم

تكمن المشكلة الكبرى في أن هذه الخوارزميات لا تعمل بشفافية تامة، فالمستخدم غالبًا لا يعرف كيف تُتخذ القرارات أو لماذا ظهر له محتوى معين دون غيره، وهذا الغموض يفتح المجال أمام تساؤلات كثيرة حول الخصوصية والعدالة والمساءلة.

هل من العدل أن تُعرض الإعلانات وفقًا لسلوك المستخدم فقط، هل من حق المنصات أن تتحكم بالمحتوى الذي يصل للمستخدم وفقًا لما تراه مناسبًا أو مربحًا، هل هناك معايير واضحة تنظم هذا العمل أم أن الأمر يخضع لأهداف تجارية بحتة.

هذه الأسئلة تزداد إلحاحًا مع اتساع دور الإنترنت في الحياة اليومية، فكلما زاد اعتمادنا على التطبيقات والمنصات زاد تأثير الخوارزميات على قراراتنا ووعينا وسلوكنا، وهو ما يتطلب جهودًا حقيقية لضمان الشفافية وتوفير أدوات للمستخدم تسمح له بفهم ما يحدث والتحكم في تجربته الرقمية.

في نهاية المطاف فإن الخوارزميات لم تعد مجرد أدوات تقنية بل أصبحت جهات فاعلة في تشكيل الرأي وتوجيه السلوك وهذا ما يستدعي وعيًا أكبر من المستخدمين ومراقبة مسؤولة من الجهات المعنية حتى لا يتحول الإنترنت من فضاء مفتوح إلى بيئة موجهة بالكامل وفقًا لمنظومة غير مرئية من التعليمات البرمجية.

ياقوت زهرة القدس بن عبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى