
في خطوة أثارت كثيرا من الجدل والقلق بين المستخدمين والمهتمين بحقوق الملكية الرقمية، قامت منصة “ساوند كلاود”، المختصة ببث الموسيقى والمقاطع الصوتية، بتعديل شروط استخدامها دون إعلان واضح أو تنبيه مباشر للمستخدمين.
هذا التعديل الذي تم اكتشافه من قبل خبير أخلاقيات التكنولوجيا “إد-نيوتن ريكس”، منح الشركة الحق في استخدام المحتوى المرفوع من قبل المستخدمين من أجل “إعلام أو تدريب أو تطوير” نماذج الذكاء الاصطناعي.
هذا التحديث، الذي أُجري رسميًا في السابع من فبراير الماضي، تضمّن نصًا صريحًا يشير إلى موافقة المستخدم، بمجرد استخدام المنصة، على إمكانية استخدام محتواه كمدخلات لتقنيات الذكاء الاصطناعي، سواء بهدف تطويرها أو ضمن نطاق الخدمات التي تقدمها المنصة، ما يفتح الباب أمام تساؤلات أخلاقية وقانونية متعددة.
المحتوى بين الترخيص والانتهاك
رغم أن “ساوند كلاود” أوضحت في شروطها الجديدة أن هذا الاستخدام لا يشمل المحتوى الذي يخضع لاتفاقيات منفصلة مع جهات خارجية، كالشركات المنتجة أو ناشري الموسيقى الكبار مثل “يونيفرسال ميوزيك” ومجموعة “وارنر ميوزيك”، فإن ذلك لا يعفيها من الانتقادات المتعلقة باستخدام أعمال فنانين مستقلين ومستخدمين عاديين دون علمهم المسبق.
هؤلاء الفنانون غالبًا ما يرفعون أعمالهم على المنصة بغرض الانتشار والترويج الذاتي، غير مدركين أن أعمالهم قد يستخدم خلف الكواليس لتغذية خوارزميات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك أدوات التوليد الموسيقي أو التعديل الصوتي، من دون حصولهم على أي مقابل مادي أو اعتراف معنوي.
الذكاء الاصطناعي في قلب المنصة
لا يبدو أن اعتماد “ساوند كلاود” على تقنيات الذكاء الاصطناعي أمرًا طارئًا أو عابرًا، بل هو توجّه استراتيجي متصاعد. ففي العام الماضي، عقدت الشركة شراكات مع نحو اثني عشر مزودًا لتقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث تم دمج أدوات مبتكرة على المنصة تتيح إعادة توزيع المقاطع (الريمكس)، وإنشاء أصوات رقمية جديدة، وتحسين التفاعل بين المستخدمين والمحتوى.
وفي منشور سابق على مدونة الشركة، تعهدت “ساوند كلاود” بالتزامها بما سمّته “ممارسات أخلاقية وشفافة” في التعامل مع الذكاء الاصطناعي، وأكدت أنها ستعمل على ضمان حصول أصحاب الحقوق على التقدير والتعويض المناسب، من خلال حلول متقدمة للتعرف على المحتوى.
غير أن هذه الوعود، بحسب منتقدين، لم تترجم بعد إلى آليات فعلية تضمن حقوق المستخدمين، لا سيما الأفراد الذين لا يمتلكون غطاءً قانونيًا أو ترخيصًا رسميًا.
اتجاه عالمي نحو تسخير بيانات المستخدمين
لا تعدّ “ساوند كلاود” الوحيدة في هذا السياق؛ فعدد متزايد من منصات التواصل واستضافة المحتوى قد غيّر بالفعل سياساته للسماح باستخدام بيانات ومحتوى المستخدمين لأغراض تدريب الذكاء الاصطناعي.
ففي أكتوبر الماضي، قامت منصة “إكس” (المعروفة سابقًا بتويتر) بتحديث سياسة الخصوصية بما يتيح لشركات خارجية تدريب نماذجها الذكية على منشورات المستخدمين.
كما قامت منصة “لينكدإن” في سبتمبر بخطوة مماثلة، أعقبتها “يوتيوب” في ديسمبر، حينما بدأت بالسماح باستخدام مقاطع الفيديو من قبل أطراف ثالثة لتطوير خوارزميات الذكاء الاصطناعي.
ويبدو أن هذه التعديلات تأتي في سياق سباق عالمي لتطوير تقنيات ذكية أكثر تقدمًا، ولكن على حساب الشفافية واحترام الملكية الفردية.
الجدل الأخلاقي: الموافقة المسبقة أم الرفض اللاحق؟
أثار التوجه الجديد لدى المنصات الرقمية موجة من الغضب بين المستخدمين والمبدعين، الذين اعتبروا أن استخدام أعمالهم دون موافقة صريحة يعد تعديًا واضحًا على خصوصيتهم وحقوقهم.
ويرى كثيرون أن السياسات الحالية، التي تفترض ضمناً موافقة المستخدم إلا إذا اختار الانسحاب يدويًا، تمثل خرقًا لمبدأ الموافقة المسبقة التي يفترض أن تكون ركنًا أساسياً في أي تعامل عادل.
المستخدمون لا يرفضون بالضرورة استخدام أعمالهم لتطوير التقنيات الذكية، ولكنهم يطالبون بإشراكهم في القرار ومنحهم الحق في الرفض أو القبول، مع توفير تعويضات عادلة عند الموافقة. فكما أن هذه الأعمال يستخدم لتغذية أنظمة تحقق أرباحًا طائلة، فإن من حق أصحابها أن يكونوا شركاء في هذه المكاسب.
أين تتجه العلاقة بين الإبداع البشري والذكاء الاصطناعي؟
هذا المشهد يطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل الإبداع البشري في ظل تنامي نفوذ الذكاء الاصطناعي. فحين تصبح الأعمال الفنية، والموسيقية، والأدبية، مجرد “بيانات تدريب” لتقنيات لا ينسب فيها الفضل إلى مصادرها الأصلية، فإن ذلك ينذر بطمس الهوية الإبداعية للفرد، ويكرّس نمطًا من الإنتاج القائم على الاستغلال الصامت وغير العادل.
المطلوب اليوم هو إعادة صياغة علاقة متوازنة بين الإنسان والتقنية، علاقة تحفظ الحقوق وتراعي الأخلاقيات، وتؤسس لتعاون لا يتضمن الاستيلاء، بل المشاركة الفعلية والمنصفة.
مسؤولية جماعية
بينما تتسابق الشركات التقنية على حجز مكانها في مستقبل الذكاء الاصطناعي، تبرز الحاجة إلى أطر قانونية وأخلاقية واضحة تضمن حماية المحتوى الإبداعي وتمنح المستخدمين القدرة على التحكم بما يخصهم. فالمستقبل الرقمي لا ينبغي أن يبنى على تجاهل أصوات من صنعوا هذا المحتوى، بل يجب أن يصاغ بروح الشراكة والعدل.