
طموحات ميتا في الذكاء الاصطناعي .. بينما كانت شركة ميتا تسعى إلى ترسيخ مكانتها ضمن الصفوف الأولى للشركات الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي. تكشف المستجدات الأخيرة عن حالة من الاضطراب الداخلي والخلافات العميقة التي قد تضعف مشروعها الطموح في هذا المجال. فرغم استثماراتها الضخمة في البنية التحتية والمواهب البشرية إلا أن العقبات التنظيمية والمنافسات الخارجية بدأت تهدد استقرار مسارها التقني.
بدأت هذه التوترات تظهر على السطح بعد تسريبات إعلامية حول خلافات بينها وبين إحدى الشركات المتخصصة في إعداد البيانات التي تستخدم في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي. ورغم أن الشركة المذكورة كانت شريكًا رئيسيًا ضمن خطة ميتا المستقبلية إلا أن المؤشرات الحالية تظهر تغيرًا في العلاقات وتراجعًا في الثقة. مما أجبر ميتا على البحث عن بدائل وتوسيع تعاونها مع جهات أخرى.
طموحات ميتا في الذكاء الاصطناعي ..استثمارات ضخمة لا تمنع الشكوك
في منتصف العام الجاري. ضخت ميتا استثمارًا ماليًا ضخمًا تجاوز أربعة عشر مليار دولار في مشروع يهدف إلى تطوير نماذج ذكية أكثر تقدمًا. وكان هذا الاستثمار يشمل أيضًا استقطاب شخصيات بارزة من شركات منافسة لتولي أدوار قيادية داخل المختبر الجديد الذي أنشئ خصيصًا لتطوير هذه التقنية. ومع ذلك لم تسلم الشركة من الانتقادات الداخلية والخارجية التي طالت أسلوب إدارتها وتعاملها مع شركائها ومواهبها الجديدة.
ومن بين أبرز المستجدات التي أثارت الجدل داخل أروقة ميتا.مغادرة أحد أبرز المسؤولين الفنيين المنضمين حديثًا من شركة البيانات المتعاونة. حيث لم يمضِ سوى شهرين داخل ميتا قبل أن يقرر الانسحاب. وهو ما فتح الباب أمام تساؤلات كثيرة حول طبيعة بيئة العمل والتحديات الداخلية التي تواجه القادمين الجدد من خارج المنظومة.
ويبدو أن جزءًا من هذه الأزمة يعود إلى تحفظ بعض فرق البحث داخل ميتا على جودة البيانات المقدمة من الشريك الرئيسي. حيث يرى عدد من الباحثين أن البيانات لا ترتقي إلى المعايير المطلوبة مقارنة بما تقدمه شركات منافسة أخرى. ظهرت حديثًا ولكنها استطاعت بناء سمعة قوية بفضل اعتمادها على خبراء في مجالات دقيقة منذ البداية. مما عزز من جودتها وسرّع نموها.
طموحات ميتا في الذكاء الاصطناعي ..صراعات خفية تعيق التقدم
تزامنت هذه التوترات مع تقلص دور الفريق الأصلي المسؤول عن الذكاء الاصطناعي داخل ميتا. حيث عبّر عدد من أفراده عن تراجع سلطتهم بعد دخول وافدين جدد جرى استقطابهم من شركات كبرى تعمل في المجال ذاته. وأشار بعضهم إلى أن العقبات الإدارية والتعقيدات البيروقراطية جعلت عملية التكيّف شبه مستحيلة. وهو ما تسبب في مغادرة عدد من الباحثين والمطورين البارزين الذين كان يعوّل عليهم في قيادة المرحلة المقبلة.
وفي الوقت ذاته، سعت الشركة إلى تعويض هذا التراجع عبر استثمارات في مجالات أخرى مثل تطوير نماذج لمعالجة الصوت والصورة. كما أعلنت عن شراكات جديدة مع شركات ناشئة تعنى بتوليد الوسائط الرقمية. إلا أن هذه الخطوات لم تخفف من وقع المشاكل الداخلية التي باتت تهدد وحدة الفريق التقني وتضعف من فرص نجاح المشروع الأشمل.
وفي سياق متصل، أشارت تقارير إلى أن ميتا تحاول استقطاب شخصيات قيادية من شركات منافسة. إذ أجرى رئيسها التنفيذي محادثات مع أسماء بارزة في القطاع في محاولة لاستقطابهم أو الاستحواذ على مشاريعهم الناشئة. إلا أن هذه المساعي لم تُثمر حتى الآن عن نتائج ملموسة. مما يعكس حالة من القلق داخل الشركة حول مستقبلها في هذا المجال سريع التطور.
سباق محفوف بالمخاطر في ظل فقدان الاستقرار
رغم هذه العقبات، لم تتوقف ميتا عن العمل على تطوير ما تسميه “الجيل القادم” من نماذج الذكاء الاصطناعي. وأعلنت في وقت سابق عن خطط لإطلاق هذه النماذج قبل نهاية العام الحالي. ويأتي ذلك في ظل مراجعات داخلية لما أطلق سابقًا من تقنيات لم تحقق النجاح المرجو. حيث لم تلقَ النماذج السابقة التي طورتها الشركة الترحيب المنتظر من المجتمع التقني.
ولتسريع وتيرة التطوير، كشفت ميتا عن مشروع ضخم لإنشاء مراكز بيانات حديثة في عدة ولايات. منها مركز عملاق ينفّذ حاليًا في ولاية أمريكية بتكلفة تصل إلى خمسين مليار دولار. إلا أن مراقبين يرون أن هذا التوسع في البنية التحتية قد لا يجدي نفعًا ما لم تتم معالجة الأزمة الإدارية القائمة التي أدت إلى نزيف في الكفاءات.
وتؤكد التقارير أن المختبر المُخصص لتطوير الذكاء الاصطناعي يعاني من ارتباك في تحديد الأولويات، حيث إن مغادرة العديد من الباحثين القادمين من شركات رائدة أثّرت على استقرار المشروع، كما أن الخلافات حول قيادة المختبر لعبت دورًا إضافيًا في تأزيم الوضع، خاصة أن اختيار المسؤول التنفيذي الذي لا يحمل خلفية أكاديمية في هذا المجال أثار اعتراضات واسعة داخل المؤسسة.
ويبدو أن الأزمة ليست محصورة في شخص أو إدارة، بل تعكس خللًا أعمق في هيكل العمل وتوزيع المسؤوليات، ما يجعل من الصعب جذب الكفاءات الجديدة أو حتى الحفاظ على الكفاءات الموجودة، خصوصًا في ظل المنافسة الشرسة من قبل شركات أخرى تعمل بوتيرة أسرع وتتمتع بمرونة أعلى.