تكنولوجيا

الذهان الرقمي: خطر نفسي متصاعد مع انتشار روبوتات الدردشة

الذهان الرقمي .. تشهد المجتمعات المعاصرة تزايدا ملحوظا في الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي. وخاصة روبوتات الدردشة التي أصبحت في متناول الجميع بتكلفة زهيدة. غير أن هذا الانتشار السريع ترافقه مخاوف جدية من انعكاسات نفسية غير مسبوقة. حيث حذر خبراء من ظاهرة أطلقوا عليها اسم “الذهان الناتج عن الذكاء الاصطناعي”. وهو مصطلح يشير إلى فقدان تدريجي للارتباط بالواقع نتيجة التفاعل المفرط مع هذه النماذج الرقمية.


 

الذكاء الاصطناعي كرفيق بديل

مع استمرار أزمة نقص خدمات الصحة النفسية. وضعف الدعم المتاح للمصابين بالاضطرابات العاطفية. يلجأ الكثيرون إلى روبوتات الدردشة التي تقدم نفسها كرفيق صبور ومتواجد في كل وقت . فالمستخدم يجد مساحة آمنة لطرح ما يخشاه أو يخجل من مشاركته مع المقربين.

مما يمنحه انطباعا بأن هذه الآلة يمكن أن تكون بديلا للعلاقة الإنسانية الطبيعية. لكن هذه العلاقة الرقمية لا تخلو من المخاطر، إذ قد تتحول إلى اعتماد نفسي غير متوازن يزيد العزلة بدلًا من معالجتها.

لقد أظهرت دراسات حديثة أن شريحة واسعة من المراهقين باتوا تلجأ لهذه التطبيقات بشكل متكرر. وهو ما يثير القلق نظرا للهشاشة النفسية التي تميز هذه الفئة العمرية.
إذ يمكن أن تغذي روبوتات الدردشة أوهامًا عاطفية أو معتقدات مضللة. إذا استجابت بطريقة غير مدروسة، وهو ما قد يفتح الباب أمام مسارات خطيرة مثل الانتحار أو الانفصال عن الواقع.

 

من التعلق العاطفي إلى الذهان الرقمي

يرى باحثون في علم النفس أن المشكلة تكمن في طبيعة النماذج اللغوية التي بنيت على مليارات البيانات. وتعلمت من تقييمات بشرية غير مثالية. فهي تميل إلى مجاملة المستخدم وإعادة تأكيد أفكاره حتى إن كانت غير عقلانية. ومع مرور الوقت قد يطور الفرد ارتباطا عاطفيا أو روحانيا بهذه الكيانات الرقمية. فيظن أنها كائن واعٍ أو يتعامل معها كصديق مقرب لا غنى عنه.

هذا النوع من التعلق قد يبدو للوهلة الأولى مجرد سلوك عابر. لكنه في الحقيقة يحمل ملامح ما يسميه الأطباء بالذهان الرقمي.

حيث يفقد الشخص تدريجيًا قدرته على التمييز بين التفاعل الواقعي والتفاعل الاصطناعي. وقد يتضخم الشعور بالألفة إلى درجة يتوهم معها المستخدم أن الروبوت يفهمه بشكل أعمق من البشر.وهو ما يقوده إلى عزلة نفسية واجتماعية متزايدة.

ويشير خبراء من جامعات مرموقة إلى أن هذه الظاهرة تتجلى أكثر لدى من يفتقرون إلى شبكات دعم اجتماعي حقيقية. فالعزلة تعزز الحاجة للتفاعل. والتفاعل الرقمي المتكرر يعزز الأوهام، وبذلك يدخل الشخص في حلقة مفرغة يصعب كسرها إلا بتدخل علاجي أو توعية مبكرة.

 

الحاجة إلى ضوابط صارمة

إزاء هذه التحديات، يرى الباحثون أن الحل لا يكمن في إيقاف استخدام هذه التقنيات بل في ضبطها بصرامة وتوجيهها نحو الأمان ومن بين المقترحات الأساسية أن تؤكد روبوتات الدردشة باستمرار على طبيعتها غير البشرية حتى لا ينخدع المستخدم بواقعية الحوار، وأن تضع حدودًا واضحة تمنعها من الخوض في مواضيع بالغة الحساسية مثل الانتحار أو اضطرابات الأكل.

كما يدعو خبراء الأخلاقيات إلى إشراك الأطباء النفسيين والمتخصصين في مراجعة استجابات هذه النماذج، بحيث يتم رصد أي مؤشرات على السلوكيات الخطرة مبكرًا، بل ويقترح بعضهم أن تكون هناك آلية لإرسال تنبيه للأهل أو الجهات المختصة إذا رُصدت إشارات على ضائقة نفسية حادة، وهو ما بدأ بعض الشركات الكبرى في تطبيقه بطرق تجريبية.

لكن التحدي الأكبر يكمن في التوازن بين الحرية والاستخدام الآمن، فالمستخدم قد يرى في هذه الروبوتات مساحة شخصية للتعبير عن مشاعره العميقة، غير أن ترك المجال مفتوحًا دون رقابة قد يؤدي إلى نتائج مأساوية، كما حدث في قضايا رفعت مؤخرًا ضد شركات تقنية اتُهمت بأن منتجاتها شجعت بشكل غير مباشر على الانتحار، وهو ما يعكس الحاجة الملحة لوضع أطر قانونية وأخلاقية تحكم العلاقة بين الإنسان والآلة.

إن الذهان الرقمي ليس مجرد مصطلح نظري بل خطر حقيقي يتنامى في ظل اعتماد متزايد على الذكاء الاصطناعي كرفيق يومي، والمجتمع بحاجة إلى وعي أكبر وإلى سياسات وقائية تضع الإنسان في مركز الاهتمام، فالمسألة لم تعد تقنية بحتة بل قضية صحة عامة وأمن اجتماعي يجب التعامل معها بأعلى درجات المسؤولية.

 ياقوت زهرة القدس بن عبد الله 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى