
عرفت عملية التحول الرقمي في الجزائر سنة 2022 تسارعا بارزا من خلال إطلاق البوابة الحكومية للخدمات العمومية ومنصة المستثمر، بهدف تقريب الإدارة أكثر من المواطن وضمان خدمات ذات نوعية، ويأتي إطلاق هاتين المنصتين تجسيدا لأحد الالتزامات الـ54 لرئيس الجمهورية، “عبد المجيد تبون”.
ويتعلق الأمر بتسريع التحول الرقمي من خلال تعميم استخدام تكنولوجيات الإعلام والاتصال لاسيما في الإدارات والخدمات العمومية إضافة إلى تحسين تسيير القطاع الاقتصادي، وعليه، فإن إطلاق البوابة الحكومية للخدمات العمومية يندرج في إطار الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقم، التي تسمح بتعزيز السيادة الرقمية على ضوء التحديات التكنولوجية والمخاطر المتزايدة للهجمات الالكترونية، وتوفر هذه البوابة التي تضمن أكثر من 300 خدمة عمومية رقمية لـ 29دائرة وزارية، للمواطنين الخواص والمهنيين، معلومات مفصلة حول جميع الإجراءات والخدمات العمومية والمعلومات الحكومية والالكترونية وغير الالكترونية. يدل ذلك على الأهمية التي توليها السلطات العليا للبلاد لمجال الرقمنة، قصد تسهيل مهمة المواطن وتجنيبه قيود البحث عن خدمات عمومية رقمية وضياع الوقت، من خلال استشارة عدة مواقع رسمية أو بوابات قطاعية، وتمثل المشروع الهام الآخر الذي تم تحقيقه في المنصة الرقمية للمستثمر، التي تم إطلاقها شهر أكتوبر الماضي والتي تعزز وتدعم القطاع الاقتصادي الذي تم تصنيفه هذه السنة أولوية وطنية، وتسمح هذه المنصة التي عرفت منذ إطلاقها اهتماما بالغا من طرف المستثمرين( أكثر من 200 مشروع مسجل،) بتوجيه ومرافقة ومتابعة الاستثمارات بدءا من تسجيلها وطيلة فترة استغلالها، كما تهدف هذه المنصة إلى التكفل بمسار إنشاء المؤسسات وإطلاق الاستثمارات وتبسيطها وتسهيلها وكذا إلى تعزيز الاتصال بين المستثمرين والإدارة الاقتصادية وضمان شفافية المساعي الواجب اتخادها، ولم يكن غنجاز هاتين المنصتين الرقميتين ممكنا إلا بفضل الجهود التي تبذلها السلطات العمومية الرامية إلى تطوير البنية التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية، التي ترتكز على تصور استباقي مع إطلاق استثمارات هامة وذات جودة لاسيما في مجال الربط بالشبكة الدولية ذات التدفق العالي، وزيادة القدرات الاستيعابية لشبكة الانترنت الثابتة والمتنقلة، وبالفعل، زادت الجزائر بشكل معتبر في سعة النطاق الترددي الدولي إلى7،8 تيرابايت/ثانية، بينما كانت تقدر ب2،8 تيرابايت/ثانية سنة 2021 و5،1 تيرابايت/ثانية سنة 2020، مما سمح لها بتوفير الظروف المناسبة للدفع بالبرنامج الوطني للرقمنة، وكان هذا الإجراء مرفوقا بزيادة أخرى في سرعة التدفق وصلت إلى 300 ميغابايت لاسيما للعروض الإقامية، مما سمح بتحسين نوعية الخدمة والربط لفائدة جميع المستخدمين.
رحلة نحو المستقبل
في عصرنا الحالي المتسارع التطور، أصبح التحول الرقمي ضرورة لا مفرّ منها للدول والمجتمعات التي تسعى للتطور والتقدم، وبينما يشهد العالم تطورات هائلة في مجال التكنولوجيا والاتصالات، يجب أن تلتزم الجزائر بمواكبة هذا التقدم والمضي قدماً نحو مجتمع رقمي متطور ومتصل، تعد التحولات الرقمية في الجزائر تحديًا متعدد الأوجه يتطلب التركيز والجهود المشتركة من الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، فالتحول الرقمي ليس مجرد اعتماد التكنولوجيا الحديثة، بل هو تغيير شامل في الأساليب والعمليات والثقافة، يعتمد التحول الرقمي على استخدام التكنولوجيا الرقمية لتحسين الخدمات الحكومية والاقتصادية، وتعزيز التفاعل والتواصل بين المؤسسات والمواطنين. وبالتالي، يمكن أن يسهم التحول الرقمي في تحسين جودة الحياة وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، تشهد الجزائر بالفعل بعض الجهود في مجال التحول الرقمي، حيث تم إطلاق مبادرات لتعزيز البنية التحتية الرقمية وتعزيز الوصول إلى الإنترنت في أنحاء البلاد. ومع ذلك، هناك الكثير مما يجب القيام به لتعزيز هذا التحول وجعله أكثر شمولًا وفعالية، أحد التحديات الرئيسية التي تواجهها الجزائر في مجال التحول الرقمي هو تعزيز التحول الرقمي في القطاع الحكومي، بما في ذلك تحسين الخدمات الحكومية الإلكترونية وتبسيط الإجراءات الإدارية. كما يتعين تعزيز الاستثمار في التكنولوجيا الرقمية وتطوير مهارات العمالة لتكون متلائمة مع متطلبات سوق العمل المتغير، علاوة على ذلك، يجب على الجزائر تعزيز التحول الرقمي في القطاع الخاص، بما في ذلك دعم ريادة الأعمال التكنولوجية وتشجيع الشركات على اعتماد التكنولوجيا الرقمية في أنشطتها وعملياتها، من الضروري أيضًا أن يشمل التحول الرقمي تمكين المواطنين وتعزيز مهاراتهم الرقمية، وذلك من خلال توفير التدريب والتعليم في مجال التكنولوجيا الرقمية وتعزيز الوعي بأهمية الاستخدام الآمن والفعال للتكنولوجيا الرقمية، باختصار، يجب على الجزائر أن تستمر في جهودها لتعزيز التحول الرقمي وتطوير البنية التحتية الرقمية، وذلك من خلال التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
إن الاستثمار في التحول الرقمي ليس فقط استثمارًا في المستقبل، بل هو استثمار في تعزيز التنمية المستدامة وتعزيز القدرة التنافسية للجزائر في الاقتصاد العالمي.
المستقبل مشرق
في ظل التحديات العالمية المتزايدة التي تواجهها الدول، يصبح من الضروري أن تتبنى الدول استراتيجيات متطورة لتحقيق التنمية المستدامة وبناء مستقبل أفضل لمواطنيها، إذا كانت هناك استراتيجية يمكن أن تكون قدوة عالمية في هذا الصدد، فإنها تكمن في التزام شامل بتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة، أثبتت أهداف التنمية المستدامة أنها إطار شامل ومتكامل يهدف إلى تحقيق التوازن بين الاقتصاد والبيئة والمجتمع. يجب على الدول أن تتخذ إجراءات فعّالة لتحقيق هذه الأهداف، بما في ذلك تعزيز الشمولية والعدالة الاجتماعية وحماية البيئة وتحفيز النمو الاقتصادي الشامل، تعتبر الاستثمارات في التعليم والصحة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة. يجب على الدول أن تعمل على توفير فرص التعليم والرعاية الصحية عالية الجودة ومتاحة للجميع، بما في ذلك الفئات الضعيفة والمهمشة في المجتمع، تلعب التكنولوجيا دوراً حاسماً في تعزيز التنمية المستدامة وتعزيز الابتكار والنمو الاقتصادي. يجب على الدول أن تعمل على خلق بيئة مشجعة للاستثمار في البحث والتطوير واعتماد التكنولوجيا الحديثة في مختلف القطاعات الاقتصادية، تحقيق التنمية المستدامة يتطلب الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية. يجب على الدول أن تعمل على تعزيز الاستدامة البيئية من خلال تطوير استراتيجيات للحد من التلوث والحفاظ على التنوع البيولوجي وتعزيز الطاقة المتجددة، تحقيق التنمية المستدامة يتطلب التعاون والتضامن الدولي. يجب على الدول أن تعمل سوياً على مواجهة التحديات العالمية المشتركة، مثل تغير المناخ والفقر والتمييز، من خلال التعاون الدولي وتبادل المعرفة والتجارب،في النهاية، يمكن للدولة أن تكون قدوة عالمية في تحقيق التنمية المستدامة من خلال التزامها بأهداف التنمية المستدامة وتبني استراتيجيات متكاملة وشاملة.
إن الاستثمار في التعليم والصحة والابتكار والبيئة يمكن أن يسهم في بناء مستقبل أفضل للأجيال الحالية والمستقبلية.
التجربة الروسية مثالا
في عصر العولمة والتقدم التكنولوجي السريع، أصبحت الرقمنة ضرورة لا مفر منها للدول لتحقيق التطور الشامل والاستفادة القصوى من إمكانيات العصر الحديث، تشهد روسيا، كواحدة من أكبر الدول في العالم من حيث المساحة والسكان، تحولًا تقنيًا هائلًا نحو الرقمنة في مختلف جوانب حياة المواطنين والقطاعات الاقتصادية والحكومية، تبنت روسيا رؤية استراتيجية شاملة لتعزيز التحول الرقمي، تركز على تحديث البنية التحتية التقنية، وتطوير الخدمات الحكومية الإلكترونية، وتعزيز التعليم والتدريب في مجال التكنولوجيا، ودعم الابتكار وريادة الأعمال التكنولوجية، قامت روسيا بجهود كبيرة لتحديث بنيتها التحتية التقنية، من خلال توسيع شبكات الإنترنت وتحسين سرعة الاتصالات اللاسلكية، وتطوير البنى التحتية للحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، عملت الحكومة الروسية على تطوير وتحسين الخدمات الحكومية الإلكترونية، مما سهّل على المواطنين الوصول إلى الخدمات الحكومية بشكل أسرع وأسهل، وزاد من شفافية العمل الحكومي ومكافحة الفساد، وجهت الحكومة الروسية اهتمامًا خاصًا لتعزيز التعليم والتدريب في مجال التكنولوجيا، من خلال تطوير برامج تعليمية متطورة في المدارس والجامعات، وتقديم دورات تدريبية وورش عمل في مجالات البرمجة وتطوير البرمجيات والتحليل البياني، أطلقت الحكومة الروسية العديد من المبادرات لدعم الابتكار وريادة الأعمال التكنولوجية، من خلال تقديم التمويل والدعم الفني واللوجستي للشركات الناشئة والمبتكرة في مجال التكنولوجيا، على الرغم من التقدم الكبير الذي أحرزته روسيا في مجال الرقمنة، إلا أن هناك تحديات تواجه هذا التحول، مثل الحاجة إلى مزيد من الاستثمار في بنية الشبكات وتوفير الوصول الشامل للإنترنت، بالإضافة إلى تطوير استراتيجيات أمن المعلومات لحماية البيانات الحكومية والشخصية،مع ذلك، فإن التحول الرقمي في روسيا يمثل فرصة كبيرة لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الابتكار وخلق فرص العمل، ويشكل استراتيجية مهمة لبناء مستقبل مزدهر للبلاد ومواطنيها، باعتبارها إحدى القوى الكبرى في العالم، تلعب روسيا دورًا حاسمًا في تشكيل مستقبل الرقمنة والتكنولوجيا. ومع التزامها بالتحول الرقمي وتطوير بنيتها التحتية التقنية، فإنها تسعى لتحقيق مجتمع متصل ومتقدم يعزز من رفاهية مواطنيها ويعزز مكانتها في المجتمع الدولي.
إعداد: جلال يياوي