
تشهد الساحة العلمية تحولا ملحوظا مع استخدام أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي، حيث أعلنت شركة OpenAI عن توسع استخدامات نموذجها GPT-5 في المجالات البحثية، مؤكدة أنه أصبح أداة فعالة لتسريع الإنجازات في الرياضيات والأحياء والفيزياء، ويأتي هذا التقدم في وقت تتسابق فيه شركات التقنية على تطوير أدوات موجهة للعلماء، في محاولة لإحداث طفرة في البحث العلمي وفتح مصادر جديدة للإيرادات المستقبلية، وهو ما يعكس التوجه نحو دمج الذكاء الاصطناعي في صميم العمل البحثي.
إنجازات ملموسة في حل المشكلات المعقدة
أوضحت الشركة في ورقة بحثية حديثة، أن نموذج GPT-5 ساعد أحد علماء الرياضيات في جامعة كولومبيا على حل معادلة معروفة باسم مسألة “إردوش” في نظرية الأعداد، وهي مشكلة ظلت طويلا دون حل بسبب تعقيدها، ولم يقتصر دور النموذج على الرياضيات، بل ساهم في اكتشاف تغييرات حاسمة داخل الخلايا المناعية للبشر، وهو اكتشاف كان يستغرق شهورًا من البحث، كما اقترح النموذج تجربة مخبرية مكنت الباحثين من تنفيذها والتأكد من صحتها.
ويؤكد “كيفن وايل” نائب رئيس قسم العلوم في OpenAI ، أن هذه الأدوات قد تمكّن الباحثين من إنجاز 25 عامًا من البحث العلمي في غضون 5 سنوات فقط، وهو ما يمثل ثورة حقيقية في تسريع الاكتشافات العلمية.
وفي نفس السياق، تتسابق شركات التكنولوجيا الأخرى لدخول هذا القطاع، فقد أعلنت أنثروبيك عن دمج نموذجها داخل أدوات مخصصة للباحثين وشركات علوم الحياة، فيما كشفت “غوغل” عن أداة تساعد في صياغة الفرضيات، وأكدت أن نموذجًا آخر ساعد في اكتشاف مسار جديد محتمل لعلاج السرطان، كما أن OpenAI أنشأت وحدة جديدة للعلوم وعيّنت عالم الفيزياء النظرية أليكس لوبساشكا المعروف بأبحاثه حول الثقوب السوداء كباحث رئيسي، وتخطط لبناء نظام بحث علمي مؤتمت بالكامل بحلول عام 2028، وهو ما يعكس الطموح نحو دفع حدود البحث العلمي بالذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي و البحث العلمي .. قدرات قوية وحدود واضحة
يتمتع GPT-5 بقدرة فائقة على البحث العميق داخل الأدبيات العلمية، وربط المعارف الموزعة عبر لغات ومجالات متعددة، كما أعاد اكتشاف نتائج بحثية لم تكن ضمن بيانات تدريبه الأصلية، مما يوضح قدرة النموذج على استخراج ما قد يغيب عن العين البشرية.
وقد استخدم الباحثون النموذج لاسترجاع أبحاث قديمة حول مسألة “إردوش”، كانت مخفية في مجلات متخصصة وهوامش ألمانية ومراجعات طويلة، لم يلتفت إليها الدراسات الحديثة، ويعد هذا أحد أقوى جوانب النموذج في دعم البحث العلمي، وفي الوقت نفسه، شددت OpenAI على أن النموذج لا يزال عرضة للخطأ أو إنتاج معلومات غير دقيقة، مما يجعل التدقيق البشري ضروريًا في صياغة المشكلة وتصحيح الفرضيات والمخرجات، ويؤكد ذلك أن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يحل محل الباحث، بل يظل أداة مساعدة قوية.
الإنسان يقود والاكتشافات تتسارع
حتى مع مساهمة GPT-5 الكبيرة، يظل العلماء هم من يقودون العملية البحثية، فهم يعرّفون المشكلة ويضعون الإستراتيجية ويتخذون القرارات الأساسية، فيما يقدم النموذج مواد داعمة مثل مخططات البراهين، وتصميم التجارب الرقمية، وصياغة الفرضيات، ويجمع المختصون على أن جوهر الاكتشافات العلمية يظل بشريًا، بينما يسهم الذكاء الاصطناعي في فتح مسارات جديدة لم يكن الوصول إليها سهلاً في الماضي، ويتيح هذا التعاون بين الإنسان والنموذج اختصار الوقت وزيادة الإنتاجية البحثية، بما يعزز القدرة على معالجة مشكلات علمية معقدة بسرعة أكبر، وهو ما يعكس تحولًا جذريًا في أسلوب العمل البحثي وإمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي كرافد رئيسي للعلماء بدل الاعتماد التقليدي على المجهود الفردي فقط.
وتؤكد التجارب الأخيرة أن المستقبل العلمي سيشهد اندماجًا أعمق بين الباحثين والنماذج الذكية، بحيث يمكن للعلماء توجيه الذكاء الاصطناعي لتحقيق اختراقات مهمة، في حين يبقى التدقيق والمراجعة البشرية الضامن الأساسي لدقة النتائج وموثوقيتها، ومع تزايد قدرات GPT-5 في الوصول إلى مصادر علمية متنوعة وربط البيانات المعقدة، يصبح الذكاء الاصطناعي أداة استراتيجية لدفع عجلة الاكتشافات العلمية وتسريعها بما يخدم الإنسان ويزيد من إنتاجية البحث على مستوى العالم.
بن عبد الله ياقوت زهرة القدس



