تكنولوجيا

الخبير في قضايا التكنولوجيا و السياسات الرقمية “د. علي كحلان” لـ “للبديل”:

"ضرورة وضع قوانين وطنية ودولية لتنظيم الذكاء الاصطناعي"

يتحول الذكاء الاصطناعي اليوم من مجرد ابتكار تقني إلى قوة مؤثرة تتجاوز حدود الدول ومؤسساتها. وتعيد تشكيل الاقتصاد، الإدارة والتعليم، وحتى العلاقات الاجتماعية. وبينما تخطو العديد من الدول نحو بناء أطر تنظيمية لهذا القطاع الحساس، تؤكد الجزائر بدورها حاجتها إلى رؤية واضحة وقوانين مواكبة لضمان الاستخدام الآمن والمسؤول لهذه التكنولوجيا.

 

في هذا السياق، قدّم الدكتور “علي كحلان”. الخبير في قضايا التكنولوجيا والسياسات الرقمية. رؤيته الشاملة حول ضرورة وضع قوانين وطنية ودولية لتنظيم الذكاء الاصطناعي. وذلك في مقابلة خاصة مع جريدة “البديل”.

تأتي تصريحاته لتضيء الطريق أمام صناع القرار، وتطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل التكنولوجيا .في الجزائر والعالم العربي، وتبرز أهمية الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي. كمرجع مركزي لبناء منظومة وطنية صلبة ومتطورة.

 

قوانين دولية للذكاء الاصطناعي:عالم بلا حدود رقمية

يشدد “د. كحلان” على أن الذكاء الاصطناعي لا يلتزم بالحدود السياسية، فالبيانات والخوادم والتطبيقات تنتشر عالميا، ويمكن لتقنية مطورة في بلد ما أن تؤثر مباشرة على مجتمع بلد آخر. ومع اتساع استخدام الصور الزائفة (Deepfake)، والاحتيالات الرقمية، والقرارات المؤتمتة غير الشفافة، تصبح الحاجة إلى قواعد دولية مشتركة أمرًا ملحًا لحماية المواطنين والمؤسسات.

إضافة إلى ذلك، فإن توحيد المعايير القانونية يُسهّل على الدول النامية، ومنها الجزائر، تصدير حلولها الرقمية إلى أسواق تشترط الثقة والامتثال القانوني، ما يفتح الباب أمام صناعة محلية قادرة على المنافسة عالميًا.

فتمتلك الجزائر منظومة قانونية تحمي البيانات الشخصية، وعلى رأسها الهيئة الوطنية لحماية البيانات الشخصية (ANPDP). غير أن هذه المنظومة ـ بحسب د. كحلان ـ لا تكفي لمواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي الحديث، خصوصاً الذكاء الاصطناعي التوليدي والوكيلي (Agentic) والقرارات المؤتمتة الحساسة.

القوانين الحالية صُممت لحماية الخصوصية فقط، بينما تحتاج منظومة الذكاء الاصطناعي إلى أدوات تنظيمية إضافية تشمل الشفافية، وتحمل المسؤولية، وتأطير تدريب النماذج على البيانات. الهدف، كما يوضح المتحدث، ليس إعادة كتابة كل القوانين، بل “سدّ الثغرات” دون تعطيل الإطار القانوني الموجود.

 

. ما الذي يجب أن تغطيه القوانين أولاً؟

يرى “د. علي” أن الأولوية يجب أن تكون لفرض اختبارات السلامة قبل نشر أي نظام يعتمد على الذكاء الاصطناعي، لحماية المواطنين من المخاطر التقنية.ويضيف أن حماية الخصوصية تظل حقاً أساسياً، فضلًا عن ضمان مستوى معقول من الشفافية حسب درجة الخطر.

كما يؤكد ضرورة تحديد المسؤوليات القانونية بوضوح بين مطوّر النموذج، والجهة المدمجة، والمستخدم النهائي. وهذا يضمن العدالة ويمنع التمييز ويحقق ثقة المجتمع.

يقترح  الدكتور أيضا اعتماد قانون إطار بسيط يحدد المبادئ العامة، ثم دعمه بنصوص تقنية مرنة تُحدَّث بانتظام وفق التطور التكنولوجي. كما يشدد على أهمية البيئات التجريبية (Sandboxes) التي تسمح للمؤسسات بتجربة حلول جديدة تحت رقابة محددة قبل تعميمها.وتنسجم هذه الرؤية مع الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي التي تعتمد نهجاً تدريجياً ومدروساً في نشر نظم الذكاء الاصطناعي داخل المؤسسات العمومية والخاصة.

يبرز “د. علي” مجموعة من التحديات القانونية التي ستواجه المشرّعين، أهمها:

  • صعوبة تحديد المسؤولية بين الأطراف المتعددة المشاركة في بناء أنظمة الذكاء الاصطناعي.
  • تعقيد إثبات الضرر في حال كانت الخوارزميات غير قابلة للاطلاع أو الفهم.
  • ضرورة إيجاد توازن بين حماية البيانات من جهة، وعدم تقييد الابتكار من جهة أخرى.
  • الحفاظ على التبادل الدولي للمعرفة والتقنية دون المساس بالسيادة الرقمية.

 

. بين المعايير الدولية والقوانين الوطنية: تكامل لا تعارض

 

يفضّل “د.علي” الجمع بين الاثنين:

  • المعايير الدولية تضمن قابلية التشغيل البيني (Interoperability) وبناء الثقة مع الشركاء الدوليين، وكذا القوانين الوطنية التي تترجم تلك المبادئ وفق خصوصيات المجتمع الجزائري: لغاته، خدماته العموميةوأولوياته التنموية.

ويعتبر هذا التكامل السبيل الأمثل لتجنب العزلة الرقمية ولتعزيز مكانة الجزائر في النظام التكنولوجي العالمي.

و يعتبر الوضوح القانوني ـ وفق د. كحلان ـ أحد أقوى العوامل التي تشجع الاستثمار، سواء من القطاع الخاص أو المؤسسات الرسمية. فإذا كانت القواعد مبنية على المخاطر بدلاً من البيروقراطية، فسيسهل ذلك على الشركات الناشئة دخول السوق، وسيوفر لها بيئة مناسبة للابتكار.كما يمكن للطلب العمومي أن يكون قاطرة أساسية لدفع الشركات الجزائرية نحو تطوير تقنيات محلية عالية الجودة.

 

كما شدد على أن هذه  القوانين قد تُعرقل الابتكار إذا كانت معقدة وغير واضحة. أما إذا صُممت بطريقة مرنة ومرتكزة على تقييم المخاطر، فإنها تصبح عامل دعم، لأنها تبني الثقة لدى المواطنين، وتفتح الباب أمام استخدامات واسعة في الصحة، المالية، والتعليم والإدارة.

 

. ما الذي يجب على الجزائر فعله الآن؟ خطوات عملية

يقدم الدكتور”كحلان” سلسلة من التوصيات العملية للحكومة الجزائرية، أهمهاتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي على أرض الواقع،وفتح مجموعات بيانات عمومية عالية الجودة باللغات الوطنية، أما بخصوص قدرات الحوسبة، فيؤكد “علي” أنه يجب أن تكون في متناول الباحثين والشركات،وضرورة تكوين المراقبين والمشترين العموميين في هذا المجال،وكذا إطلاق مشاريع نموذجية في القطاعات الحيوية لخدمة المواطن.

ومن بين أهم الإجراءات التي يقترحها “د. كحلان”هي حماية الأفراد المستخدمين للذكاء الاصطناعي،فإن الشفافية حسبه والإنصاف هي أساس الثقة، كما دعاإلى إعلام المواطنين بوضوح عند استخدام الذكاء الاصطناعي،لضمان إمكانية الاستئناف البشري في القرارات الحساسة،ووضع علامات على المحتوى المُنتَج بالذكاء الاصطناعي،فرض اختبارات التحيّز وسجلات تدقيق دورية، وتعزيز دور الهيئة الوطنية لحماية البيانات (ANPDP).

فمن أخطر ما يهدد المجتمعات، وفقا للدكتور، هو انتشار المحتوى الزائف، والقرارات المؤتمتة غير العادلة، وتآكل الخصوصية. لكن الأخطر من ذلك هو فقدان الثقة، وهو ما يعرقل تبني التقنيات المفيدة ويجعل المجتمع متردداً في الاستفادة من ثورة الذكاء الاصطناعي.

يقترح “د. كهلان” إدماج مبادئ اخلاقية بسيطة لكنها قوية،من خلال احترام الحقوق الأساسية والمساواة ومنع التمييز، إلى جانب الشفافية والإشراف البشري،وتحمل المسؤولية، إضافة إلى الرشادة التقنية،هذه المبادئ قابلة للصمود أمام تغيرات التكنولوجيا المستقبلية حسب ذات المتحدث.

ويقول “د. كحلان”بخصوص التكيف مع الابتكارات المستقبلية أنه يكمن الحل، في اعتماد التزامات مبنية على النتائج مثل إدارة المخاطر وإثبات الجودة، وتحديث القوائم التقنية بشكل دوري، وتنظيم تقييمات مُحكمة بعد إطلاق أي نظام.

 

. أهمية التعاون الدولي: تسريع التقدم وتبادل المعرفة

يؤكد الدكتور “علي” أن التعاون مع الدول الأخرى عملية ضرورية لتقاسم المعايير، وإجراء اختبارات مشتركة، والحماية من التهديدات التقنية العابرة للحدود، كما يساهم في تسريع نمو المنظومة الوطنية دون انقطاع عن العالم.

ويختتم الدكتور”كحلان” نصائحه بدعوة صناع القرار إلىاعتماد قانون إطار قائم على المخاطر،وتمكين الهيئات الرقابية من الوسائل التقنية والبشرية،كذلك فتح البيانات العامة،وتوفير بنية حوسبة ميسّرة،دعم الشركات الناشئة بشباك موحّد.

 

وقيادة الابتكار عبر مشاريع في القطاعات الحيوية

تكشف تصريحات  الدكتور “علي كحلان” عن رؤية واضحة لما يجب أن تكون عليه المنظومة القانونية للذكاء الاصطناعي في الجزائر والعالم العربي. فالمستقبل الرقمي يحمل فرصا هائلة، لكنه يحمل أيضا مخاطر حقيقية لا يمكن مواجهتها إلا بمنظومة تشريعية مرنة، ذكية وعادلة. وفي ظل توسع استخدام الذكاء الاصطناعي عالميا، يصبح السباق اليوم ليس فقط نحو الابتكار، بل نحو تنظيم الابتكار بما يخدم الإنسان ويضمن حقوقه ويحقق التنمية المستدامة.

ياقوت زهرة القدس بن عبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى