
التشفير التفاضلي .. في عصر الرقمنة و التواصل الإلكتروني، أصبحت البيانات الشخصية والمعلومات الحساسة هدفًا مستمرًا للاختراقات والهجمات الرقمية، ومع تزايد الاعتماد على الإنترنت والتطبيقات الذكية، برزت أهمية استخدام تقنيات متقدمة لحماية الخصوصية، وأحد أبرز هذه الأساليب هو التشفير التفاضلي، الذي يقدم مستوى متقدم من الأمان للبيانات.
يعتبر التشفير التفاضلي وسيلة لضمان أن أي تعديل صغير على البيانات الأصلية، لن يكشف معلومات حساسة عند تحليل النسخ المشفرة، أي أنه يحافظ على سرية البيانات حتى عند مشاركة أجزاء منها أو استخدامها في تحليل إحصائي، مثل الدراسات العلمية أو تطبيقات الذكاء الاصطناعي، دون المخاطرة بكشف هوية الأشخاص أو المعلومات الخاصة. وتستند هذه التقنية إلى فكرة أساسية مفادها أن النتائج التي تنتج عن معالجة البيانات المشفرة يجب أن تكون متشابهة إلى حد كبير سواء أُدخلت البيانات الأصلية أو بعد تعديل طفيف عليها، ما يمنع المتطفلين من الاستدلال على المعلومات الأصلية.
تستخدم الحكومات والمؤسسات الكبيرة التشفير التفاضلي في مجالات عدة، من بينها الصحة الرقمية، حيث يمكن للباحثين تحليل بيانات المرضى لفهم انتشار الأمراض أو تقييم فعالية العلاجات دون الوصول إلى هوية المرضى، وفي المالية، تسمح هذه التقنية للبنوك بتحليل المعاملات والتعرف على الأنماط الاحتيالية دون انتهاك الخصوصية. كما تستخدم شركات التقنية الكبيرة هذه الأسلوب عند تصميم تطبيقات الذكاء الاصطناعي لضمان أن النماذج تتعلم من البيانات دون الكشف عن أي معلومة حساسة عن المستخدمين.
ومن أهم مزايا التشفير التفاضلي أنه يوفر توازنًا نادرًا بين حماية البيانات وإمكانية الاستفادة منها، إذ يمكن للباحثين والمحللين الحصول على رؤى دقيقة دون الحاجة للوصول المباشر إلى المعلومات الأصلية، كما يحد من مخاطر تسريب البيانات في حالة تعرض الأنظمة للاختراق، ما يجعلها أداة مهمة في حماية الأسرار التجارية والشخصية على حد سواء.
ومع ذلك، لا يخلو التشفير التفاضلي من تحديات تقنية، فتنفيذ هذه الطريقة يتطلب خبرة في تحليل البيانات والمعادلات الرياضية لضمان أن عملية التشفير لا تؤثر على دقة النتائج، كما يحتاج إلى موارد حاسوبية كبيرة خاصة عند التعامل مع كميات ضخمة من البيانات، وهو ما يجعل تطبيقها محدودًا على نطاق واسع حتى الآن. ومع ذلك، تشهد السنوات الأخيرة تطويرًا مستمرًا للبرمجيات والأدوات التي تسهّل تبني هذه التقنية في المؤسسات الكبيرة، ما يفتح آفاقًا جديدة للحفاظ على الخصوصية الرقمية.
في ضوء تزايد الهجمات الإلكترونية وتسريب البيانات الشخصية على مستوى العالم، يبرز التشفير التفاضلي كحل فعّال ومبتكر يضمن حماية المعلومات مع الحفاظ على إمكانية تحليلها واستخدامها في البحث العلمي والخدمات الرقمية، وهو ما يجعله أحد أهم الأساليب المستقبلية لضمان الأمان الرقمي، ويؤكد ضرورة الاستثمار في التقنيات الحديثة لحماية البيانات الشخصية والمجتمعية من التهديدات المتزايدة في العالم الرقمي.
بن عبد الله ياقوت زهرة القدس



