
يشهد العالم تحوّلًا نوعيًا في استخدام الذكاء الاصطناعي داخل مؤسسات الأعمال. لم يعد يقتصر على إنتاج المحتوى أو الإجابة عن الأسئلة. بل انتقل إلى مرحلة أكثر نضجًا تقوم على تشغيل أنظمة قادرة على اتخاذ القرارات. وتنفيذ المهام بقدرات شبه ذاتية. هذه الأنظمة. التي يُشار إليها بـ “وكلاء الذكاء الاصطناعي”. تمثل جيلًا جديدًا من الأتمتة الذكية التي ستغيّر شكل الشركات خلال عام 2026، سواء في طريقة عملها أو في طبيعة الوظائف داخلها.
تعتمد هذه الوكلاء على فهم السياق، وتحديد الأولويات، وتنسيق المهام. والقيام بعمليات معقدة كانت تتطلب في السابق فرقًا كاملة من الموظفين.
وبذلك يصبح دور الإنسان أقرب إلى الإشراف واتخاذ القرارات الاستراتيجية. بينما تسند الأعمال الروتينية والتحليلية إلى وكلاء ذكيين يعملون دون توقف.
ثورة في إدارة الجماهير… خدمة العميل على مدار الساعة
أهم نقطة تحول تقودها هذه الوكلاء هي إعادة تعريف العلاقة بين الشركات والعملاء.
فبعد أن كانت روبوتات الدردشة مقتصرة على الردود البسيطة. أصبحت الوكلاء اليوم قادرة على إدارة مسار العميل من بدايته إلى نهايته: استقبال الاستفسار، تحديد المشكلة، تقديم الحل، وتنفيذ الإجراءات المطلوبة دون تدخل بشري.
هذا التطور لا يحسن التجربة فقط، بل يغير توازن العمل الداخلي عبر تخفيف العبء. عن فرق الدعم وإتاحة وقت أكبر للتركيز على الحالات الحساسة.
كما يمكّن الشركات من تقديم خدمات مستمرة طوال اليوم.بتكلفة أقل ودقة أعلى، وبقدرة على التعامل مع آلاف الطلبات في الوقت نفسه.
هذا التحول يعكس اتجاهًا عالميًا نحو “خدمة ذاتية ذكية”، تصبح فيها آليات الدعم الأكثر تعقيدا جزء من منظومة تشغيل آلية كاملة.
إدارة الأعمال بلا روتين… المستشار الرقمي يحلّ محل المهام المتكررة
تُعد إدارة العلاقات مع العملاء، وتنظيم البيانات، وجدولة الاجتماعات، ومتابعة ملفات المبيعات من أكثر المهام التي تستهلك وقتًا داخل المؤسسات.
مع ظهور وكلاء الذكاء الاصطناعي، تنتقل هذه المهام إلى أنظمة قادرة على المراقبة المستمرة، وتحديث السجلات تلقائيًا، وتحليل احتمالات الشراء، واختيار أفضل توقيت للتواصل، وحتى ترتيب أولويات فرق المبيعات يوميًا.
الأمر لم يعد مجرد تنظيم داخلي، بل تطور نحو “إدارة تلقائية” تقلل الهدر وتزيد قيمة الوقت المنتج. كما تساهم هذه الوكلاء في تحسين الامتثال للأنظمة عبر رصد الأخطاء وتصحيحها فورًا، ما يحدّ من المخاطر القانونية، ويمنح الشركات قدرة أكبر على مواكبة اللوائح المتغيرة.
توظيف أسرع… وسوق أكثر شفافية ودقة
لم يَعُد التوظيف عملا يدويا يعتمد على فرز عشرات السير الذاتية وانتظار الردود. تتولى الوكلاء الآن مرحلة التصفية الأولية بالكامل: كتابة إعلانات الوظائف، نشرها، تلخيص الطلبات، إعداد قوائم مختصرة، وإجراء اختبارات أولية، بل والتواصل مع المرشحين وترتيب المقابلات.
بهذه الطريقة، يتحول دور أقسام الموارد البشرية من تنفيذ الإجراءات إلى تقييم المهارات الإنسانية، مثل الشخصية والتواصل والانسجام مع ثقافة المؤسسة. ومع تطور الوكلاء، تصبح عملية التوظيف أسرع وأكثر دقة، وتقل الأخطاء الناتجة عن التحيز أو الضغط البشري.
كما تمتد قدرات الوكلاء إلى مراقبة حركة السوق وتغيرات توجهات المستهلكين، وتحويل ذلك إلى تقارير جاهزة، تساعد الشركات على اتخاذ قرارات مبنية على تحليل لحظي لا يمكن للإنسان القيام به بنفس السرعة أو الدقة.
ستشهد سنة 2026 مرحلة جديدة في عالم الأعمال، حيث تتقدم وكلاء الذكاء الاصطناعي لتصبح جزء أساسيا من البنية التشغيلية للمؤسسات. التأثير لن يقتصر على تحسين الإنتاجية فحسب، بل سيغير طريقة التفكير في تنظيم العمل، وتوزيع الأدوار، وتقييم الأداء، واتخاذ القرار.
ومع دخول هذه الوكلاء إلى مراكز القرار اليومي، ستصبح الشركات الأكثر قدرة على تكييف هذه الأدوات هي الأكثر قدرة على المنافسة في عالم يتحرك بوتيرة متسارعة نحو التشغيل الذكي الكامل.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله



