الثـقــافــة

“نحن في حاجة إلى مشروع نهضوي مجتمعي شامل”

الشاعر الجزائري عبد القادر مكاريا، لـ"الـبـديـل":

غالبا يصعب تحديد البداية، ودائما تكون البدايات صعبة. لكن – حتما- لا بد من بداية، فلنبدأ من البداية، من الأنا… من الذات، فالذات كانت دوما المنهل الاول لكل تجارب الحياة. وهي دوما المحور الذي ندور حوله انطلاقا منه ورجوعا اليه. وكل انجاز بشري منبعه الذات.

هكذا أنت حين تجد نفسك عاريا من غبارك وطقوسك وبهائك اما الشاعر عبد القادر مكاريا من الجزائر، تتيه كل اللغات في حضرته لأنه أصلا يستنجد بمفردات كل العرب، وقبل ان أحاوره، كنت أدرك مسبقا باني أبحث عن محارة في أعماق البحر، مجازفة كان لا بد منها، لكن الأجمل حين تدعه يتحدث عفويا وكأنه يؤرخ لمراحل الكتابة عنده، لكن من زاوية لا يراها سواه، ومن هنا تضطر لتركه يروي تفاصيل الحكاية..مشهدا، مشهدا.

 هل صحيح أن مبدعينا على كثرتهم لا كسالى، لا يقرؤون؟

القراءة فعل فردي، والقراءة مفهوم متشعب ومطاطي، وعلينا الاتفاق أولا على المقصود منها في السؤال؟ إذا كنت تقصد فعل القراءة فكلنا بلا استثناء نقرأ، أما القراءة المطالعة فأمر آخر، وإنا لا أصدّق أنّ أيّ مبدع يمكنه الابداع دون قراءة. المطالعة المستمرة هي زاد الكاتب في درب الكتابة. أحيانا نواجه تهمة أننا لا نقرأ بعضنا وهذا أمر تطرّقنا إليه سابقا بتعبير مغاير، وهو أصلا إتهام باطل، نحن نقرأ بعضنا في الظلام والصمت مع الأسف. لأنّ قراءة المبدع عامة غير قراءة المتلقي العادي، فالمبدع عليه أن يكون قارئا منتجا، بهذا المفهوم للقراءة مبدعونا فعلا لا يقرؤون مع الأسف. وعند الحديث عن المبدع في أي أمر، علينا أن لا ننسى أنه يعيش في مجتمع، ولا يمكنه أن يسبح عكس التيار دوما. فمجتمع يقرأ ينتج مبدعا يقرأ والعكس صحيح. القراءة غذاء، والإنسان لا يمكنه العيش دون غذاء، لكن لكل إنسان برنامج غذائي حسب طاقته وقدرته وإمكاناته. مبدعونا يقرؤون أكيد، لكن الأحكام الجاهزة عدو ساحق للجميع. ولنتفق أنّ المجتمعات المتخلفة منذ الأزل تحارب مبدعيها بكل الطرق وأسهلها الاشاعة .

 الفضاء الثقافي في أمس الحاجة الى مشروع ثقافي بديل، ما تصوركم لهذا المشروع؟

أولا نحن في حاجة إلى مشروع نهضوي مجتمعي شامل، يتكفّل به علماء اجتماع بعيدا عن أي وصاية.  ثانيا كلّ مشروع ثقافي مهيمن كان، لا ينبثق من جذور ثقافة الأمة العامة ومآله الفشل، والحديث عن المشاريع الثقافية يعيدني إلى التاريخ، إلى مشروع الثورات الثلاث والذي تبنته الدولة في سبعينيات القرن الماضي. الدولة يمكنها أن تضع مشروعا اقتصاديا – مثلا – وتسهر على تطبيقه فينجح، كما يمكنها أن تضع مشاريع قطاعات أخرى، لكن الثقافة أمر آخر، لأنها العماد الذي يساعد على نجاح تلك المشاريع القطاعية الأخرى، أهم مشروع ثقافي يمكن أن تتبناه الدولة هو أن ترفع يدها عن الثقافة وتُغلق وزارة الثقافة، إلا فيما يخصّ توفير الإمكانات في البداية. لأن الثقافة بعدها قد يكون بإمكانها تمويل نفسها. ومادامت الدولة هي من تضع المشاريع الثقافية فالثقافة ستبقى كرنافال. وتبقى إشكالية تبعية الثقافي للسياسي تتمدّد، ويبقى السياسي يتنمّر. نحن لسنا بحاجة إلى مشروع ثقافي جديد، لأننا نملك مشروعنا الثقافي أصلا منذ زمن، إنه أحد مبادئ ومقومات بيان أول نوفبمر العظيم. وقد تمّت الاشارة إليه في كل وثائق وأرشيف الثورة المجيدة بدء من مؤتمر الصومام. المشروع الثقافي الذي لا يتبنّى مقومات الأمة وتاريخها القديم والحديث ويحاول القفز على المسلمات المجتمعية للأمة، فاشل. علينا أن نرمي الأدب والثقافة شعرا وغيره إلى الشارع ونتركها تتخمّر وتتفاعل مع هموم وطموحات العامة. وحينها نرى التّناغم الذي يصبو إليه كل مشرع للمشاريع الثقافية .

 بحكم تجربتك الأدبية، كيف ترى ابداعات الشباب؟ وما النصيحة التي يمكنك تقديمها لهم .

لا أحب الاحتكام إلى تجربتي، ولا أحب أولئك الذين ينشرون ريشهم كذكر الطاووس، ويروحون يمطروننا بوابل من الخطب الرنانة المشبعة بلغة الخشب، يسدون النصائح ويكيلون الاتهامات والانتقادات وكأنهم أوصياء على الأدب والشعر، بل كأنهم مُلاّك مفاتيح مملكة لا يدخلها إلا من تبرّك بهم ومسح خدّه ببردتهم. عالم الشعر، عالم جميل وواسع وله ألف باب ونافذة، من دخله عارٍ فهو آمن ومن دخله سكران كذلك، لا نصيحة تُقدم للشاعر إلا أن يؤمن ويدرك انه شاعر. في مملكة الشعر الاحتكام للنص وليس للسن أو الجنس. وليس بها شاعر شاب وشاعر هرم. بها نص جيد فقط. ما دمنا ننظر للأسماء قبل جمالية النص. وللسن قبل طغيان النص وللجنس قبل فتنة النص نبقى نعاني من داء الاعتراف من عدمه الذي ذكرته آنفا. النص الجميل لا يولد بالأقدمية. أنا لا أنصح أحدا، وإن كان ولابد، فأنا أنصح نفسي، وأعمل على تجميل نصي. الشعراء الشباب – بالمفهوم السائد والذي لا أؤمن به جلهم أصدقائي، أحبهم، أقرأ لهم، تفتنني نصوصهم أحيانا وأتمنى أن أكون أحدهم في بعضها. الأولى أن نبحث عن النص الشاب لا صاحبه، والنص الشاب يبقى شابا إلى الابد.

أجرى الحوار: رامـي الـحـاج

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى