روبرتاج

منطقة غارقة في بطن التاريخ

مدينة "تيرنيفن" أو "تيغنيف"

مدينة “تيرنيفن” أو “تيغنيف” كلمة بربرية، تعني البركتين كان يقف عندهما الزوار منذ عهد الرستميين والموحدين ويقدر تاريخها بأكثر من 500 ألف سنة، سكن فيها أول إنسان في شمال إفريقيا ما يعرف الآن بإنسان تيغنيف المتواجد في باريس.

وقد قدر عمرها حينذاك بحوالي 700 ألف سنة، وتتميز هذه الفكوك بضخامة بنائها، وهي قريبة الشبه بفك الإنسان الواقف مثل إنسان الصين، ومع ذلك لها من الصفات ما يجعلها تختلف نوعا ما عن هذه الأخيرة، مما جعلها تبرز كنوع جديد من الحفريات البشرية، واعتبرت على أنها بقايا عظام أقدم إنسان في شمال إفريقيا. وقد عثر إلى جانب هذه الفكوك على بقايا حيوانات منقرضة وأدوات حجرية.

تيغنيف إحدى بلديات ولاية معسكر شمال غرب البلاد الجزائرية، تعلو فوق مستوى سطح الماء بنحو 500 متر، وتبعد عن مقر معسكر الولاية بحوالي 20 كلم محاطة بجبال بني شقران والمناور والبرج بها حديقتان طبيعيتان كبيرتان هما العين الكبيرة والعين الصغيرة وهما من أجمل معالم المدينة، كما ثبت تجريبيا أن مياه العين المتواجد مقرها ببلدية تيغنيف تصفي الكلى من الأحجار بنسبة 100 بالمائة.

يوجد بتيغنيف قرب معسكر موقع للحضارة الأشولية وجد به العديد من العظام الحيوانية والبشرية ثلاث فكوك سفلية وعظم جداري وبعض الأسنان من طرف أرمبورغ سنة 1954 وهو الأنتلانتروب. وهي فكوك ذات حجم كبير وهو ما يشير إلى وجود بشر ضخام الجثث آنذاك. وجد بالموقع أيضاً آثار صناعة حجرية أشولينية تضم العديد من السواطير والفؤوس اليدوية.

كما بينت الاكتشافات والحفريات التي جرت بالمنطقة العثور على مرملة محاذية لمقبرة الضريح بسيدي سنوسي في مدخل المدينة، وهي عبارة عن مقبرة فيلة من النوع المنقرض الذي يطلق عليه الفيل الأطلنطي، وعاش هذا الحيوان في عصور ما قبل التاريخ، مما يدل على وجود حياة في هذه المنطقة منذ آلاف السنين. ويبقى الاكتشاف الأهم في التاريخ العالمي، وكذا الوطني هو العثور على أقدم إنسان في شمال إفريقيا وهو رجل ما قبل التاريخ أو رجل الأطلس، وقد أعلن عنه في أكتوبر 1952بعد دراسة الحفريات والأدوات المستعملة في ذاك العصر وذلك بحضور أربعين مختصا من أنحاء العالم والدكتور ليكي مدير متحف نيروبي.

الحفريات والتنقيبات الأثرية التي سمحت للباحثين بالكشف عن أول وجود للإنسان

التراث الحضاري برز بفضل الحفريات والتنقيبات الأثرية التي سمحت للباحثين بالكشف عن أول وجود للإنسان في الجزائر من خلال العودة إلى العصر الحجري القديم مليوني سنة، ويعد العصر الحجري أول وأطول مرحلة في فترة ما قبل التاريخ التي بدأت مع ظهور أول مخلوق بشري منذ حوالي مليوني سنة، بحيث قسم هذا العصر إلى ثلاث مراحل: العصري الحجري القديم الأسفل والوسيط والأعلى.

ويعتبر الباحثون أن الموقع الأثري “عين لحنش” المتمثل في بحيرة قديمة متواجدة في بلدية قلته الزرقة (ولاية سطيف)، هو المكان الذي يحتوي على أقدم القطع الأثرية التي اكتشفت في 1947 والتي تعود إلى مرحلة ما قبل التاريخ في الجزائر وشمال إفريقيا. ويعود تاريخ هذه القطع الأثرية إلى 1.8 مليون سنة أي خلال العصري الحجري القديم الأسفل، وعليه يمكن القول إن أول وجود للإنسان في الجزائر يعود إلى حوالي مليوني سنة وعلاوة على الموقع الأثري لعين لحنش، تم اكتشاف موقع تيغنيف المتواجد في بلدية تحمل نفس الاسم بولاية معسكر، بحيث سمحت الحفريات الأثرية باكتشاف بقايا حيوانات وبشر وأحجار منقوشة يعود تاريخها من 800000 إلى 400000 سنة قبل الميلاد.

رجل تيغنيف يعتبر أقدم ممثل لشعوب شمال إفريقيا

  رجل تيغنيف (رجل الأطلس) هو أقدم ممثل لشعوب شمال إفريقيا، وكان رجل الأطلس يملك مخا أصغر من رجل العصر الحالي وفكا أكثر قوة يتقوت من الجني والصيد وكان كثير التنقل بحثا عن الغذاء، وعاش وسط المغرب العربي خلال آلاف السنين قبل أن يفقد أثره منذ حوالي 250000 سنة. وحل محل رجل الأطلس رجل القرن الإفريقي الذي وصل حسب الخبراء في علم الآثار إلى شمال إفريقيا مرورا بمنطقة القرن الإفريقي ويعتبر الباحثون أن الموقع الأثري “عين لحنش” المتمثل في بحيرة قديمة متواجدة في بلدية قلته الزرقة (ولاية سطيف)، هو المكان الذي يحتوي على أقدم القطع الأثرية التي اكتشفت في 1947 والتي تعود إلى مرحلة ما قبل التاريخ في الجزائر وشمال إفريقيا.

رغم الاكتشافات لا تزال فترة ما قبل التاريخ غير معروفة

 رغم الاكتشافات، ورغم التنقيبات التي أجريت في مختلف الولايات، خاصة منطقة تيغنيف لا تزال الجزائر في فترة ما قبل التاريخ غير معروفة، وهذا راجع الى أن الاكتشافات ما زالت لم تصل إلى هدفها، مما يستدعي القيام بمشاريع بحث أخرى والتي بسببها وخاصة في منطقة تيغنيف تعتبر أغنى في هذا المجال والدليل على هذا اكتشاف عظام الحيوانات وعظام الإنسان والزواحف يرجع تاريخها إلى آلاف السنين، وقد برمجت لجنة تهتم بالآثار والتنقيب في المنطقة في كل عشر سنوات مثلا في 2013 ، ومؤخرا في ماي وجوان تحت إشراف البروفيسور سحنوني محمد ومرافقيه وبحضور اللجنة المكلفة بالولاية والجمعية المختصة في هذا المجال. لهذا يجب “إعادة النظر في تاريخ الإنسانية، وخاصة في هذه الفترة القديمة جدا”.

مشروع “موقع وإنسان تيغنيف” بمعسكر

 الموقع الأثري لتيغنيف، يتربع على مساحة تقارب 35 هكتارا مصنف ضمن التراث الثقافي الوطني، ورغم تأريخ المختصين الفرنسيين للعظام والأدوات المكتشفة بحوالي 700 ألف سنة، إلا أن باحثين جزائريين يشككون في هذا التاريخ ويرجحون أن تتجاوز البقايا الأثرية لهذا الموقع عتبة واحد مليون سنة. وقد أضحت دائرة تغنيف في السنوات الأخيرة قبلة للباحثين ولعلماء الآثار محليين وأجانب لمواصلة التنقيب في الموقع، وتدخل هذه العملية في إطار الجهد الذي يبذله المختصون والهادف إلى إعادة النظر في دراسات ما قبل التاريخ بمنهجية حديثة وعلمية متعددة التخصصات.

ويندرج هذا النشاط في برنامج المركز الوطني في بحوث ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ، وقد توصلت البعثات المتخصصة المتوالية على الموقع إلى اكتشاف هياكل عظمية بشرية وأخرى تعود لحيوانات منقرضة، ولعل أبرز هذه الفرق فرقة من الباحثين ترأسها الأستاذ سحنوني محمد وضمت 24 باحثا في مختلف التخصصات من بينهم أربعة باحثين أجانب من جنسية إسبانية، اقتصرت مهمتهم على أخذ عينات من الموقع قصد تأريخها من جديد باستعمال التقنيات الحديثة المتبعة في هذا المجال، وقد أمضت هذه الفرقة بالموقع زهاء ثلاثة أسابيع من أعمال الحفر والتنقيب والتحري، عما يختزنه الموقع الأثري من مستحاثات خلفها إنسان تغنيف الذي عاش في المنطقة في العصر الحجري القديم.

الملتقى الوطني حول “نتائج الأبحاث الأثرية في الجزائر المنظم في شهر أبريل بمعسكر

 أكد السيد والأستاذ والباحث “سحنوني محمد” أن “النتائج العلمية السابقة حول هذا الموقع كانت تقليدية جدا وغير دقيقة وكانت تؤرخ له بحوالي 700 ألف سنة”، وأن موقع تيغنيف يحظى بالعناية العلمية المطلوبة رغم أنه موقع هام جدا عالميا. فهذا الملتقى جاء لوضع النقاط على الحروف، فمنذ 2013 وضعت استراتيجية والتي أخذت بعين الاعتبار مع الجمع بين العمل الميداني والعمل المخبري، كما أعطى “أهمية كبيرة للتوثيق الأثري للموقع” والذي كان “مهملا في التنقيبات السابقة”.

أما في أبريل 2024، فقد وضعت خطة للاهتمام أكثر بهذا الموقع لما له أهمية كبرى في تاريخ الجزائر في عصور ما قبل التاريخ علم الإنسان والتاريخ، مما أدآ بفرقة البحث بالتنسيق مع جمعية رجل تغنيف الثقافية الولائية التي يرأسها السيد إسماعيل اعمر والتي تأسست في 5 جويلية 2011 ، وتجددت مرتان في 2013 وكان يرأسها السيد سعيدي عبد القادر تجددت في 3 سبتمبر 2022، من بين أهدافها حماية المناطق الأثرية والتنسيق مع الجمعيات الفاعلة خدمة للثقافة بالولاية وتاريخها والاحتفال بالمناسبات الوطنية ومرافقة الباحثين وتصنيف المواقع الأثرية، إقامة متحف لأقدم إنسان في شمال إفريقيا، الاهتمام بالمواقع الأثرية بولاية معسكر وحماية، ومن بين أهداف المهمة للجمعية استرجاع المكتشفات الأثرية إلى مكانها.

إذن الملتقى الوطني “نتائج الأبحاث الأثرية” ، سلط الضوء على نتائج أبحاث العلماء والباحثين الجزائريين من مختلف الجامعات ومراكز البحث التي هي تحت وصاية وزارة الثقافة والفنون ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، قد صرح لنا السيد “إسماعيل عمر” رئيس الجمعية:” “المشكل الكبير في آثار ما قبل التاريخ في الجزائر هو انعدام التأريخ المطلق بطريقة علمية وبالتالي تغيبت أهمية المواقع الأثرية علميا”.

إعداد: مختار سلطاني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى