الجهوي‎محطات

مسجد سيدي الحلوي…تحفة معمارية من الدولة الزيانية

تلمسان

يعتبر مسجد “سيدي الحلوي” من المساجد ذات التاريخ الكبير في ولاية تلمسان، إذ يعود تاريخه إلى آلاف السنيين ولا يزال شاهد على حضارة عريقة مرت بعاصمة الزيانيين.

وتحمل هذه المنارة الإسلامية مميزات العمارة المرينية، بتناسقها التام، ويتخذ شكل مستطيل أكثر طولا منه عرضا، ويشبه في ذلك مسجد حسان بالرباط حيث تصل فيه النسبة إلى (1،31) وجامع قرطبة الذي تصل فيه النسبة إلى (1،40)، ويحيط بالبوابة الكبيرة للمدخل الرئيسي إفريز من الزليج، مكوّن من أشكال نجمية ذات ثمان رؤوس، يعلوها شريط لزخارف هندسية فوقها، كتب عليها تاريخ البناء واسم مؤسس المعلم، توجت الواجهة بسقيفة تحملها 13 حاملة إفريز، ترتكز بدورها على شريط ابيغرافي كتب بالخط الكوفي، ويغطى السقيفة سطح من القرميد الأخضر، يتخذ هذا الباب شكل بناء متقدم مستوحى من أبواب مسجد تينمل، وهي ميزة نادرة لا نجدها في أي مسجد آخر سابق في الجزائر أو المغرب، يفتح الباب في محور المحراب، ويؤدي إلى صحن مربع تحيط به أروقة تضم قاعة الصلاة المكونة من خمس بلاطات متوازية مع جدار القبلة وترتكز على ركائز وأعمدة، وعلى غرار مسجد “تينمل” تتوقف صفوف الأقواس قبل بلوغ الأسكوب المحاذي لجدار القبلة، ما يعطي عند التقائه بالبلاط المحوري تصميما على شكل(T). عرف هذا التصميم بمسجد “أبي دولف” بسامراء في العراق وبجامع القيروان، حيث تستند أقواس البلاطات على أعمدة رخامية وبفضل تصميمه ومكونات واجهاته يشبه مسجد “سيدي أبو مدين العباد” قرب تلمسان (1338)، أما محراب المسجد ففيه كوة سداسية الأضلاع تغطيها قبة مثمنة ذات مقرنصات، يستوحي عناصره من المحارب الموحدية لتينمل والكتبية بمراكش، فالقبة ذات المقرنصات التي أصلها من إيران سبق استعمالها في المغرب بمسجد “تنمل”، الذي بناه “عبد المومن بن علي”، أما التيجان التي تعلو أعمدة المحراب، فتذكر بتلك الموجودة بمدينة الزهراء وبمسجد القرويين في فاس، التي تستوحي بدورها عناصرها من التاج المركب للفترة العتيقة. وتتوفر أكتاف العقود على زخرف مشكل من شريط منقوش بعناصر نباتية، نجد لها مثيلا بجامع القيروان وقصر الحمراء بغرناطة، ويحتمل أن تكون هذه التيجان والأعمدة الجميلة قد جلبت من قصر المنصورة، الذي لم يكتمل بناؤه إذ تمنح السقوف التقليدية المصنوعة من خشب الأرز زخارف هندسية متشابكة مكونة من نجميات ومثمنات ومعينات ومربعات، تذكر بتلك الموجودة بالمدرسة المرينية المعاصرة لها بالبوعنانية في فاس، وبناية طاير دي لمورو بطليطلة، وهو نوع من السقوف ورثه المرينيون عن الموحدين، الذين كانوا سباقين لاستعماله خاصة بمسجد الكتبية في مراكش.

وترتفع الصومعة في الزاوية الشمالية الغربية للمسجد وهي تشبه صومعة سيدي أبو مدين وتتخذ البناية شكلا مربع الزوايا وتنقسم إلى جزأين، البرج الرئيسي والمنور المزين بشبكة من المعينات، وتوجد بهذا اللوح ثقوب محاطة بقويسات ذات أركان هندسية، تجعلنا نتذكر ونحن نتأمل في هذه الصومعة مآذن بني عبد، أما الزخرف المصنوع من الزليج المستوحى من الصوامع الموحدية للكتبية والقصبة بمراكش فيميز الفن المريني الذي يتجسد في صومعتي البوعنانية والجامع الكبير في فاس.

ع. أمــيـر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى