
منذ أشهر، تتصدر غزة العناوين، ليس فقط تحت وابل القصف، بل أيضا تحت وطأة كارثة الجوع الجماعي التي تُنذر بانهيار إنساني شامل، في ظل حصار خانق شلّ كل مقومات الحياة، والعالم يشيح بنظره، ويصم أذنيه عن نداءات أكثر من 2.2 مليون إنسان محاصرين داخل شريط ضيق، لا يتجاوز 365 كلم مربع.
تقارير المنظمات الأممية، وعلى رأسها برنامج الأغذية العالمي (WFP) ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، ترسم صورة قاتمة: أكثر من 70 بالمائة من سكان غزة يعانون من انعدام حاد للأمن الغذائي، ونحو 500 ألف طفل مهددون بسوء تغذية خطير. ومع شحّ الوقود والكهرباء، بات إنتاج وتخزين الغذاء شبه مستحيل، فيما أُغلقت عشرات المخابز والمستشفيات.
رغم فداحة الوضع، ظلت التحركات العربية محصورة في مبادرات إنسانية متفرقة، الجزائر كانت من أوائل الدول التي أرسلت قوافل مساعدات عبر الهلال الأحمر، مدعومة بمواقف رسمية من البرلمان الجزائري، بينما قامت الأردن بإرسال مساعدات طبية محدودة عبر معبر كرم أبو سالم. في تونس، قاد المجتمع المدني حملات شعبية واسعة لجمع التبرعات، لكنها واجهت صعوبات في إدخال المساعدات بسبب القيود الإسرائيلية الصارمة. ورغم أن هذه التحركات تعبّر عن تضامن عربي حقيقي، إلا أن أثرها على الأرض يبقى محدودًا في ظل غياب موقف سياسي عربي موحّد يُجبر الاحتلال على رفع الحصار.
أما الموقف الدولي، فكان في أغلبه صامتًا أو منحازًا. الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا، واصلت دعمها السياسي والعسكري لإسرائيل، رغم توثيق منظمات حقوقية دولية لاستخدام التجويع كسلاح حرب، وهو ما يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية. وعلى الرغم من النداءات المتكررة التي أطلقتها الأونروا ومنظمة الصحة العالمية وغيرها، فإن معابر غزة ما زالت مغلقة أمام أغلب قوافل الإغاثة، بل وتعرض بعضها للقصف المتعمّد كما حدث في إبريل 2025.
في ظل ما تعيشه غزة من حصار خانق ومجاعة مدمّرة، لا يكفي التعاطف وحده، ولا تُجدي نفعًا بيانات التنديد المكررة. لقد آن الأوان ليتحوّل التضامن العربي والدولي إلى فعل مؤسسي منظم، وإلى ضغط حقيقي ومتصاعد في كل المحافل الدولية. يجب أن يُكسر الحصار لا بالخطابات، بل بإرادة سياسية وشعبية تقف إلى جانب إنسانية تُذبح على مرأى من العالم. غزة لا تحتاج فقط إلى خبز ودواء، بل إلى كرامة تُصان، وعدالة تُستعاد، وصوت لا يخاف أن يعلو في وجه الظلم.
ع. العربي