
ولــد الحاج الــمجاهـد العلامة “سيدي عــبد الحفيظ مولاي البودخيلي البوتشيشي القادري” رحمه الله سنة 1921م بمسيفة بعرش جبالة، من أصول شريفة حسنية، من والدين كريمين، فوالده كان عالما يسمى الشيخ “عبد القادر البودخيلي البوتشيش الحسني”، كان عالما كبيرا وهو دفين مقبرة “لالة مغنية” حاليا، عاش من العمر مائة سنة وهو شقيق الشيخ “بومدين البوتشيشي” مؤسس الطريقة القادرية البوتشيشية بالمغرب الأقصى والجزائر.
قرأ القرآن على يد والده بقرية مسيفة، وقد حفظه دون سن البلوغ وقرأ على خمسة عشر ختمة بطريقة المغاربة على اللوح برواية ورش عن نافع وكان معه الشيخ محمد صوفي المسيردي شيخ الطريقة القادرية البوتشيشية بمسيردة. شــدّ عالمنا رحمه الله الرحال في سن الخامسة عشر متوجها إلى وهران تحديدا إلى وادي تليلات، ارتحل بعـدها إلى فاس طلبا للعلم بجامع القرويين لمدة ثلاث سنوات، حيث التقى بعلماء الكتانيين الشرفاء وتلقى العلم على يد علماء فاس، وقد كانت للشيخ عبد الحفيظ البودخيلي ذاكرة خارقة للعادة في الحفظ والفهم، حيث كان يحفظ كتب الفقه المالكي مع الحواشي، كتاب مختصر ورسالة الشيخ أبي زيد القيراواني في الفقه المالكي، وفي النحو كان يحفظ متن ألـفـية ابن مالك والأجرومية وفي التوحيد كجوهرة التوحيد وعلوم القوم في التصوف، ليسافر بعدها إلى تونس ليلتحق بجامع الزيتونة فدرس على يد فطاحلة العلماء هناك لمدة ست سنوات ونال فيها شهادة البكالوريا من الدرجة الأولى، كما درس مع الراحل محفوظ نحناح رحمه الله، فكان تلميذ العلامة الفقيه الطاهر بن عاشور التونسي وأجازه بإجازة خطية في العلوم الشرعــية كما أجازه شيخه العلامة بن عاشور، وهو من العشرة الأوائل ممن تحصلوا على شهادات عليا غداة الإستقلال الوطني. لقد شارك المجاهد الشيخ عــبد الحفيظ البودخيلي أثناء ثورة التحرير الجزائرية فجمعه الجهاد بالرئيس الراحل المجاهد السيد أحمد بن بلة رحمه الله وقد أصيب الشيخ في رجليه إصابة خطيرة ليتم معالجته بتونس من طرف كل من الدكتور محمد الصغير النقاش والدكتور تيجاني هدام، فكان أوّل لقاء بين المجاهدين الثلاثة لتبدأ معه صداقة متينة. رحل الشيخ عـبد الحفيظ البودخيلي للعراق ودرس ببغداد لمدة أربع سنوات، حيث تلقى العلم على يد فطاحلة علماء العراق منهم العلماء الكيلانيين فتخرج منها بشهادة جامعية، سافر بعدها لأداء فريضة الحج ثم عاد لدمشق ونزل ضيفا على الشيخ محمد الهاشمي التلمساني الدمشقي شيخ الطريقة الهاشمية الدرقاوية بالشام وفرح به أشد الفرح والتقى بعلماء الشام هناك.
عاد الشيخ عبد الحفيظ بودخيلي إلى الجزائر محملا بمكتبة علمية في حافظته وبشهادة ليسانس في الأدب العربي وأخرى في الشريعة الإسلامية من جامعة بغداد، أين طلب منه الرئيس الجزائري هواري بومدين بأن يكون وزيرا للشؤون الدينية أو وزيرا معه في رئاسته فرفض وطلب منه أن يجعله إماما للمسجد الكبير بتلمسان فكان له ذلك، ومن هـنا بدأ بنشر رسالة علمه الغزير، أين تتلمذ على يده الكثير من الطلبة. اختار أقدس مهنة، ليمضي 23 سنة في مهنة التدريس في كل من ثانوية “مليحة حميدو” و”ابن زرجب”، فتخرج على يده كثير من الإطارات الجزائرية ممن زاولون مهام عليا ووزارية في الحكومة الجزائرية. كان الشيخ “عبد الحفيظ البودخيلي” فقيها مالكيا، وكان يفتي على مذهب “الإمام مالك” رحمه الله، ويفتي على مذهب الإمام “أبي حنيفة النعمان” في المذهب الحنفي وكان متضلعا في المذهبين أيما تضلع، وكان بيته رحمه الله محجة للزوار من العلماء والأئمة الخطباء والطلبة والمحبين للشيخ.
دخل الشيخ “عبدالحفيظ البودخيلي” مستشفى تلمسان، وأجريت له عملية جراحية دخل على إثرها غيبوبة، وبقي رحمه الله في المستشفى لمدة إحدى عشر يوما، إلى أن توفي يوم الإثنين 30 جانـفي 2012، عن عمر ناهز 91 سنة، مخلفا وراءه سيرة زكية عطرة ومسيرة نضالية حافلة بالعلم والمعرفــة.
ع. أمــيـر