الثـقــافــة

سيرة مجاهد في قلب ذاكرة الوطن

"طيبي محمد" المدعو"بن بلة" صفحة مضيئة في تاريخ الجزائر

في زمنٍ كانت فيه الأرض تنزف، وكانت الحرية حلماً ومطلبا منشودا، برز رجال حفروا أسماءهم في ذاكرة الوطن بدمائهم وتضحياتهم، لا بطلب المجد، بل بدافع الواجب، من بين هؤلاء يسطع اسم المجاهد “طيبي محمد ولد لخضر” المدعو” بن بلة “، رجلٌ لم يكن عادياً في زمنٍ استثنائي. من أعالي جبال تانوت إلى سجون الاحتلال، ومن ساحات القتال إلى جبهات الدفاع عن الوطن، خطّ هذا البطل سيرته بحروف من نار وعزيمة من حديد.

 

إنه واحد من أولئك الذين اختاروا الكفاح وتحملوا الألم في سبيل أن نعيش في وطنٍ حر.لم يكن مجرد مقاتل، بل كان رمزاللشجاعة، وحلقة حية في سلسلة مجد ثورة أنجبت استقلالا. مسيرته ليست فقط تاريخا نرويه، بل رسالة نُورثها للأجيال.

وُلد المجاهد “طيبي محد” ولد “لخضر” سنة 1931، وكان أبا لـ 3 أبناء و5 بنات، التحق بصفوف جيش التحرير الوطني سنة 1957 في جبل تانوت، التابع للناحية الثانية بالمنطقة الـ8 من الولاية الـ5، في فترة تولي الشهيد “بن مصطفى طاهر”، المعروف بلقب “الهواري”، قيادة القطاع الثالث.مع تطور العمليات، انتقل إلى جبل مكثر، حيث شارك في عدة معارك بطولية، من أبرزها معركة جبل عيسى سنة 1958، التي استمرت على مدى 3 أيام، وقد خاض غمارها ضمن كتيبتين الثالثة بقيادة الشهيد “علاف علي”، والرابعة تحت قيادة الشهيد “عبد القادر المغربي”.

كما شارك في الهجوم الذي شنه المجاهدون على الثكنة العسكرية الفرنسية بمدينة العين الصفراء، وكان من بين المهام الحساسة التي أوكلت إليه نقل الأسلحة بين المناطق. وفي عام 1959، كُلّف بمرافقة المجاهد “محجوب عمر”، القادم من الولاية الرابعة رفقة زوجته المجاهدة “مليكة”، نحو القاعدة العسكرية للمجاهدين بالمغرب، وكان برفقة المجاهد “سي يحيى” من ولاية جيجل، الذي كان يشغل رتبة محافظ سياسي.

خلال تنفيذ هذه المهمة، تعرضوا لكمين من طرف الجيش الفرنسي في منطقة “الحمية”، ما أدى إلى اشتباك مسلح خفيف، استشهد على إثره المجاهد “سي يحيى” متأثرا بإصابته، فيما أُصيب “طيبي محمد” وألقي عليه القبض وهو جريح، أما المجاهد “محجوب عمر” وزوجته، فقد تمكنا من النجاة والفرار بأعجوبة.

نُقل “طيبي محمد” إلى مدينة المشرية، حيث تعرض للتعذيب والاستجواب، ثم أُودع سجن بحمام بوحجر من يناير 1959 حتى 18 أفريل 1962. شاركه الزنزانة عدد من المجاهدين، من بينهم (محمد دموش، شريط محمد والعيد سايح).

بعد الاستقلال، واصل المجاهد “طيبي محمد” مسيرته في خدمة الوطن، حيث شغل مناصب عدة، أبرزها مسؤول قسمة بمدينة المشرية بين عامي 1991 و1997، كما تولى منصب أمين مكلف بالتاريخ في المكتب الولائي لمنظمة المجاهدين، وأسندت إليه مهمة الدفاع الذاتي خلال العشرية السوداء.

توفي المجاهد “طيبي محمد” ولد “لخضر” في 27 جانفي 2023، تاركاً وراءه سيرة نضالية حافلة بالتضحية والإخلاص للوطن.

 ابراهيم سلامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى