
رقاقات الذكاء الاصطناعي … في ظل التقدم المتسارع في تقنيات الذكاء الاصطناعي. يتزايد القلق العالمي من الأعباء الهائلة التي يفرضها هذا المجال على استهلاك الكهرباء. فقد أظهرت التقديرات أن الطلب على الطاقة المرتبط بتشغيل النماذج المتطورة سيرتفع بنسبة تفوق 50 في المائة سنويا حتى عام 2030. وهو ما يضع البنية التحتية للطاقة تحت ضغط غير مسبوق. ويثير تساؤلات حول مدى استدامة هذا التوسع التقني في ظل التحديات البيئية والاقتصادية.
يستهلك تشغيل النماذج الكبيرة عشرات الآلاف من الرقائق عالية الأداء. فعلى سبيل المثال تحتاج الرقاقة الواحدة من النوع الأكثر استخداماً حالياً إلى ما يقارب 800 واط عند التشغيل الكامل.
وعند جمع هذا الاستهلاك على نطاق واسع يصل الطلب إلى عشرات الميغاواط . وهي كمية تكفي لتغذية مدينة صغيرة، ما يجعل البحث عن بدائل أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة ضرورة وليست ترفاً.
رقاقات الذكاء الاصطناعي … تصميم جديد موفر للطاقة
أمام هذه المعطيات. اتجهت شركات التكنولوجيا إلى إعادة النظر في الأساس الهندسي للرقائق . وبدأت بتطوير شرائح إلكترونية مصممة خصيصاً لمهام الذكاء الاصطناعي بدل الاعتماد على تصميمات متعددة الأغراض.
ويتميز هذا النهج بدمج وحدات الذاكرة داخل الرقاقة نفسها، الأمر الذي يقلل من عمليات نقل البيانات إلى الذاكرة الخارجية. وهي من أكثر العمليات استهلاكاً للطاقة وإبطاءً للأداء.
كما ظهرت توجهات نحو تصنيع رقائق تؤدي وظيفة واحدة فقط، مثل إنتاج الإجابات من النماذج. مما يمنحها سرعة أكبر واستهلاكاً أقل للكهرباء مقارنة بالرقائق التقليدية. وهذا التخصص يزيل الكثير من الأجزاء غير الضرورية التي تهدر الطاقة. ويجعل الشريحة أكثر ملاءمة لمتطلبات المستقبل الرقمي.
التخلص من الاحتكار وخفض الفاتورة الطاقية
تشهد السوق حالياً تنافساً محتدماً بين الشركات الناشئة والعملاقة على إنتاج رقاقات متخصصة تعرف باسم “الاستدلال”. وهي شرائح موجهة حصرياً لمعالجة البيانات بسرعة وإصدار ردود فورية للنماذج الذكية.
وهذا النهج يهدف إلى الحد من الاعتماد على الشركات المهيمنة في المجال. إضافة إلى خفض التكاليف الكبيرة المترتبة على شراء الرقائق العامة مرتفعة الثمن.
ويرى محللون أن هذه الموجة من الابتكار قد تعيد رسم خريطة المنافسة في صناعة الرقائق. إذ إن الرهان لم يعد فقط على قوة الأداء بل أيضاً على كفاءة استهلاك الطاقة. فالشركات التي ستنجح في تحقيق التوازن بين السرعة والاقتصاد الطاقي ستتفوق في السباق نحو المستقبل.
أثر بيئي واقتصادي بعيد المدى
يشير خبراء الطاقة والاتصالات إلى أن الرقائق الجديدة منخفضة الاستهلاك يمكن أن تخفف الحاجة إلى التوسع المفرط في شبكات الكهرباء. مما ينعكس إيجاباً على الجوانب البيئية والمالية.
كما أن انتشار هذه الشرائح سيسمح باستخدام الذكاء الاصطناعي في أجهزة يومية مثل الهواتف والكاميرات دون الاعتماد على مراكز بيانات ضخمة. وهو ما قد يفتح الباب لابتكارات لم تكن ممكنة من قبل.
لكن هذه الرؤية الطموحة لا تخلو من التحديات، فالرقائق المتخصصة لا تزال في مرحلة التطوير والمنافسة عليها شرسة. كما أن نجاحها يتطلب دعماً وتشجيعاً من الحكومات لتسريع تبنيها.
ورغم ذلك فإن التوجه نحو الهندسة المخصصة يبدو الطريق الأوفر حظاً لترويض العطش الطاقي للذكاء الاصطناعي، وضمان استمرارية هذه الثورة التقنية دون أن تتحول إلى عبء على كوكب الأرض.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله