حوار

رئيس جمعية “إيثار”، “رفيق بوريش” في حوار لـ”البديل”:

"المنصات الرقمية داعم قوي للنشاط التطوعي"

يشهد العالم التطوع تطورا، بعدما انتقل من التطوع الكلاسيكي إلى ما أصبح يعرف لدى البعض بالتطوع الرقمي، هذا الأخير الذي أصبحت عدة منصات رقمية تقدم خدمات مجانية عبره، بما يساهم في توفير معلومات ومعطيات يحتاج إليها الأفراد والمؤسسات.


وللحديث بشكل موسع عن مجال التطوع، التقت جريدة “البديل” بأحد الأشخاص الناشطين في هذا المجال ما يقارب 30 سنة، على هامش تنظيمه لاستراحة مع “الساحر” بمشاركة شركة “صام إيفنتس”، لفائدة أطفال العائلات المحتاجة، بإحدى قاعات العرض الخاصة، ويتعلق الأمر بـ”رفيق بوريش” رئيس جمعية “إيثار”، فكان هذا الحوار:

  • ما هو تعريفكم للتطوع الرقمي؟

يمكن اعتبار بعضا من المحتوى المقدم عبر الفضاء الرقمي “تطوعا”، لأنه يقدم خدمات مجانية للمتابع، فالتطبيقات الرقمية تساهم في الترويج والتسويق للأفكار والخدمات، لأننا نعيش في عصر الاتصال، تدار فيه العلاقات عن طريق الاتصال وحسن استخدامه.

لكن هناك ملاحظة، فالتطوع لا يقتصر على تقديم المساعدة للأشخاص فقط، بل يشمل كل فعل نقدمه بكل طواعية وبدون مقابل، كأن نساعد على حماية حيوان أو ننظف محيط أو نغرس أشجار أو نسَيِج حديقة أو نميط الأذى عن الطريق…، كلها أعمال تطوعية تحقق الفائدة للصالح العام.

  • ما سبب الإقبال على التطوع الرقمي؟   

يشهد هذا النوع من التطوع إقبالا من طرف الأفراد، لأنه يقدم خدمات مجانية، كما أنه يجذب المتابع بأسلوب الطرح أو المحتوى المقدم، فهو يسوق لصورة حية عن الخدمة أو المنتوج. فقديما كان الناس يعتمدون على الإعلام الكلاسيكي واليوم يعتمدون على الإعلام الرقمي، وفي هذا السياق قد تستعمل هذه الطريقة لأهداف نبيلة أو سلبية، لأن الغوص في عالم التكنولوجيا الرقمية يحتاج إلى حذر شديد.

  • بعد 29 سنة من النشاط في مجال التطوع، هل انخرطت جمعية “إيثار” في عالم التطوع الرقمي؟

أكيد كجمعية “إيثار” وكأفراد ننخرط ونساير التطورات الحاصلة في المجتمع وفي مجال الاتصال، من أجل تنفيذ أهدافنا وتحقيق النتائج المرجوة من برامجنا التطوعية. لاسيما وأن جمعية “إيثار”، قد أنشئت حديثا في 2022، بعدما بدأت في توسيع نشاطاتي التطوعية كشخص طبيعي، لأنها تحتاج إلى إطار قانوني لتنفيذها، على غرار مشروع “البنك الغذائي” الذي مازال لم ير النور بعد، وهو يتعلق بتوفير المواد الغذائية لفائدة العائلات المحتاجة على أن يتم ذلك وفق برنامج تسيير مضبوط.

وفي هذا الإطار، أقوم بنشر صور وفيديوهات النشاطات التي أشرفت على إنجازها بتموين ودعم من أصدقائي وأناس محسنين في وقت سابق، على مختلف المنصات الرقمية حتى يراها الآخرون، ويقتنع هؤلاء بما نقوم به لفائدة العائلات المحتاجة ونزلاء المراكز التابعة لمديرية النشاط الاجتماعي.

  • ما الهدف من هذه الخطوة؟

تهدف جمعية “إيثار” من خلال تواجدها عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية، إلى التعريف بنشاطاتها التطوعية قصد كسب مصداقية لدى جمهور العالم الرقمي وثقته، خاصة وأن الكثير من الأشخاص والمؤسسات يرغبون في التبرع وتقديم المساعدة، لكنهم يجهلون السبيل إلى ذلك.

وفي سياق موازي، فإننا نراهن كجمعية على خلق جو من التنافس لدى الناشطين في مجال التطوع، وتحفيز الافراد على ولوج هذا العالم المليء بالإنسانية عن طريق اكتساب مهارات جديدة تعزز تواجدهم في المجتمع.

  • ما هو سر استمرار نشاطكم التطوعي لـ 29 سنة دون ملل أو فشل؟

لا يوجد سر، كل ما في الأمر أنني تربيت على مبدأ تقديم المساعدة واقتسام ما أملك مع غيري، فقد كانت والدتي تقدم خدماتها المجانية كمشرفة اجتماعية بإحدى المؤسسات الوطنية، لنزيلات مركز البنات المسعفات التابع لمديرية النشاط الاجتماعي بولاية وهران، وكثيرا ما تصطحبني وأنا صغير في هذه الأعمال الخيرية، كما أنها كانت تحضرهن إلى بيتنا خلال المناسبات كالأعياد والعطل، ومن حينها انطلقت في نشاطي الفردي وبمساعدة من بعض الاصدقاء، فتطور المجال واتسع أمامنا، لنقدم المساعدات إلى المحتاجين من عائلات وأفراد، والتي مازلنا نقدم لها الإعانات إلى اليوم.

وما ساهم في توسيع نشاطاتنا، هو التسهيلات التي وجدتها من طرف السيد “محند فضالة”، بصفته مدير النشاط الاجتماعي لولاية وهران آنذاك، حيث تمكنا من القيام بعدة إنجازات لفائدة نزلاء تلك المراكز، على غرار فتح قاعة لتكوين الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في مجال الحلاقة، حيث يتلقون إرشادات ونصائح حول كيفية تعقيم معدات الحلاقة، تنظيف الأمشاط، طي وتوضيب المناشف، وتكون لهم كمكسب شخصي، يسمح لهم بالالتحاق بقاعات الحلاقة كمهنيين عند كبرهم ومغادرتهم المركز نحو الحياة العادية.

كما طبقنا نفس الفكرة على مراكز البنات المسعفات، من خلال إنشاء قاعات حلاقة مجهزة بكل اللوازم الحديثة، الخياطة والطبخ لكن بإشراف مختصين من التكوين المهني، حتى تحصل الفتيات على شهادات تكوين معترف بها، تسمح لهن بمزاولة مهن عند مغادرتهن تلك المراكز، ويسهل اندماجهن في المجتمع بالاعتماد على أنفسهن في تحمل مسؤولية إعالتهن، وتتحولن إلى فاعلات في المجتمع تقدمن قيمة مضافة عوض الاتكال على الغير.

وفيما يخص تلك المراكز، فلم نتكفل بنزلائها فقط، بل تجاوزنا ذلك إلى ترميم وتهيئة عديد الفضاءات، على غرار إنجاز حمام بمركز الفتيات المسعفات بمسرغين، ونفس الإنجاز بدار المسنين ـ رجال-، ناهيك عن إنشاء مسبح وتهيئة مساحة تقدر بـ 250 متر بع مربع إلى فضاء لعب بمركز الطفولة المسعفة لأقل من 7 سنوات، تهيئة المراقد، إنشاء مكتبات للمطالعة، تجديد شبكات التسخين والكهرباء والكثير من العمليات المهمة التي ساهم في تنفيذها محسنين وأصحاب المال.

  • ألا تجدون صعوبة في الحصول على الإعانات؟

يجب ألا ننسى أننا في مجتمع مسلم، والإسلام حثنا على التكافل والتضامن، وهو ما يتجسد يوميا في كل مكان من طرف معظم شعبنا، ويظهر ذلك بكثرة في المناسبات، خاصة ما تعلق بالمناسبات الدينية، إلى جانب المساعدات التي تقدمها مؤسسات وهيئات رسمية تابعة للدولة.

مما سبق، يتجلى لنا أن الفرد الجزائري مجبور على تقديم المساعدة، في كل المواضع والمواقع، متى استدعت الضرورة لذلك، وهي الصفة التي سهلت لنا الوصول إلى المحسنين من أشخاص طبيعيين ومؤسسات، إلى جانب الثقة التي تحظى بها جمعية “إيثار” لدى المحسنين نظير نشاطاتها الملموسة في الواقع، والتزامها بالوعود والبرامج التي تقترحها للتنفيذ. ورغم ما قدمناه فإننا مازلنا ننتظر الفرصة المواتية لتنفيذ الكثير من الإنجازات لهاته الفئات الهشة التي تحتاج إلى رعاية خاصة لإعادة إدماجها في المجتمع بصفة عادية. ومن بين المشاريع التي نحضر لتنفيذها هي إنشاء فريق مسرحي من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، بإشراف أحد الفنانين المسرحيين، قصد منحهم الفرصة للتنفيس عن بعضهم والخروج من الروتين اليومي ومساعدتهم على الفضفضة والشعور باندماجهم في المجتمع.

كما نحضر موادا غذائية وألبسة لتوضيبها ومنحها للعائلات المحرومة وأبنائها، إضافة إلى اللوازم الطبية، على غرار الكراسي المتحركة والأفرشة الطبية والأدوية، وتوزيع الأفرشة على الأشخاص المشردين، التي تعتبر نشاطا متواصلا على طول أيام السنة.

  • ما هي انعكاسات الفعل التطوعي على فاعله والمجتمع؟

كل النشاطات التطوعية التي قمنا بها، خلقت لدينا ارتباطا بهذه الفئات الهشة، حيث أصبحوا جزء من اهتماماتنا اليومية، نفرح لفرحتهم ونتقاسم نفس الشعور بالسعادة، واطلاع المحسنين على مصير مساعداتهم يجعلهم يشجعوننا ويدعموننا أكثر للقيام بنشاطات أكثر أهمية.

فالفعل التطوعي يساهم في تكوين الشخصية، حيث يتعلم الفرد أن يكون مسارعا لتقديم يد المساعدة لمن يحتاجها، الاستماع للمجتمع وأفراده، يولد نوعا من التضامن والأخوة بين الأفراد، في الوقت الذي يشعر الأشخاص الذين يتلقون المساعدة بوجود سند يدعمهم وأنهم يحتلون مكانتهم بالمجتمع، هذه التصرفات والمشاعر تساهم بطريقة غير مباشرة في تقوية الجبهة الداخلية وتعزز ترابط أفراد المجتمع.

  • ما هي آليات غرس ثقافة التطوع لدى الأفراد؟

العمل التطوعي هو ثقافة وسلوك حضاري يجب أن يكبر عليه الأطفال في كل عائلة، ويتم صقله في المؤسسات التربوية والجمعيات والتنظيمات وحتى المؤسسات والشركات يمكنها أن تخصص دورات تكوينية لفائدة منتسبيها، لما للعمل التطوعي من فوائد مهمة تعود على الفرد بالفائدة وتجعله إنسانا إيجابيا في حياته اليومية (مهنيا، أسريا ومجتمعيا).

حيث يتربى الأطفال على المساعدة والتضامن، نفس الأمر بالنسبة لأفراد الأسرة، وحتى في المؤسسات تكون للعامل قيمة مضافة، كما يفتح المجال أمامه ليقدم مقترحات وأفكار من شأنها دعم المؤسسة بما يعود عليها بالفائدة.

  • كلمة أخيرة

كلمتي الأخيرة وقبل أن أشكركم على التفاتتكم الطيبة، أود أن أوجه نصيحة لتوضيح بعض المظاهر السلبية التي أصبحت تسيء للعمل التطوعي وتعتبر غير قانونية، يجب تجنبها مثل ظاهرة جمع الأموال من طرف أشخاص في وسائل النقل باستعمال قصص وروايات حول أشخاص مرضى لاستعطاف الناس…، كما أدعو إلى دورات تكوينية يؤطرها أهل الاختصاص في مجال التطوع، لأن هذا الأخير من الصفات الحميدة ومن صفات المجتمعات الراقية.

حاورته: ميمي قلان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى