تكنولوجيا

“ديب سيك” تعيد تشكيل سباق الذكاء الاصطناعي بتكلفة غير مسبوقة

أعلنت شركة “ديب سيك” الصينية عن نجاحها في تدريب نموذجها الجديد المسمى R1 بتكلفة لم تتجاوز 294 ألف دولار فقط، وهو رقم أثار موجة من الدهشة والجدل في الأوساط التقنية والاقتصادية، خاصة إذا ما تمت مقارنته بالمبالغ الضخمة التي أنفقتها الشركات الأمريكية على تدريب نماذجها، حيث تصل هذه الأرقام عادة إلى مئات الملايين من الدولارات.


 

وقد وضع هذا الإعلان الصين في قلب المنافسة العالمية، وأثار أسئلة جادة حول مستقبل الهيمنة الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ لم يعد السباق يعتمد فقط على وفرة المال، بل أصبح مرهونا أيضا بالقدرة على ابتكار طرق أكثر كفاءة وفعالية في استخدام الموارد المتاحة، وقد تم الكشف عن هذه التفاصيل في مقالة علمية محكمة نشرتها مجلة علمية عالمية، حيث اعتبر ذلك أول تقدير رسمي للتكاليف تكشف عنه الشركة التي يوجد مقرها في مدينة هانغتشو الصينية، مما عزز مكانتها كمنافس حقيقي لشركات وادي السيليكون المعروفة بتفوقها في هذا الميدان.

 

ديب سيك .. معالجات محلية ومقارنة مع عمالقة القطاع

وبحسب ما ورد في المقالة العلمية، فقد اعتمد فريق ديب سيك على استخدام 512 معالجًا من نوع إنفيديا H800 لتدريب نموذج R1 ، وقد بلغت التكلفة الإجمالية لهذه العملية 294 ألف دولار فقط، وهو ما يشكل قفزة نوعية في تقليل النفقات المرتبطة بتطوير النماذج المعقدة، إذ كشفت المقالة أن النسخة الأولى من الدراسة التي نشرت في شهر يناير لم تتضمن هذه التفاصيل الدقيقة، الأمر الذي يزيد من أهمية الكشف الجديد.

في المقابل، كان الرئيس التنفيذي لشركة أمريكية بارزة قد صرح قبل سنوات أن تدريب ما أسماه بالنماذج التأسيسية كلف شركته أكثر من 100 مليون دولار دون أن يذكر أرقامًا مفصلة، مما يوضح الفجوة الكبيرة بين التكلفة التي تحملتها “ديب سيك”، وتلك التي أنفقتها الشركات الأمريكية الكبر. كما أثار هذا الإنجاز نقاشًا واسعًا حول كيفية تمكن فريق صيني من تحقيق نتائج مماثلة بتكلفة أقل بكثير وذلك رغم القيود المفروضة على تصدير أحدث الرقاقات إلى الصين.

 

جدل واسع حول مصادر الرقاقات والتوجهات المستقبلية

أشارت المقالة نفسها إلى أن معالجات H800 صممت خصيصًا للسوق الصينية، بعد أن منعت الولايات المتحدة في خريف عام 2022 تصدير رقاقات H100 و A100 إلى الصين.

وقد ذكرت تقارير إعلامية، أن “ديب سيك” تمتلك كميات كبيرة من رقاقات H100 رغم دخول قرار الحظر حيز التنفيذ، بينما أكدت شركة إنفيديا أن ديب سيك استخدمت فقط معالجات H800 التي حصلت عليها بشكل قانوني، وفي وثيقة معلومات مرفقة مع المقالة العلمية أقرت “ديب سيك” للمرة الأولى بامتلاكها رقاقات A100 واستعمالها خلال المراحل التمهيدية لتطوير نموذجها الجديد، لكنها أوضحت أن المرحلة الحاسمة من التدريب اعتمدت بشكل كامل على 512 معالجًا من نوع H800 لمدة 80 ساعة، وهو ما يعكس قدرة مهندسيها على ابتكار طرق أكثر مرونة في استغلال العتاد المتاح.

وبذلك، تمكنت الشركة من الوصول إلى نتائج متقدمة دون الحاجة إلى استثمارات مالية ضخمة، ويعتبر هذا المسار المختلف الذي تبنته “ديب سيك”إشارة إلى إمكانية فتح الباب أمام شركات ناشئة أخرى في الصين، وحتى في الأسواق النامية لدخول سباق تطوير النماذج اللغوية الكبيرة بموارد محدودة، غير أن هذا التوجه لم يخل من التحذيرات، حيث أشار محللون إلى أن التركيز على خفض التكاليف قد يؤدي إلى إغفال جوانب أساسية مثل جودة النماذج وموثوقيتها، مؤكدين أن معيار التنافس الحقيقي لن يقاس بحجم الأموال المصروفة فقط بل بمدى كفاءة هذه النماذج وقدرتها على التصرف بأمان في بيئات مختلفة.

وفي ظل هذه المعطيات، يرى خبراء أن إنجاز “ديب سيك” سيضاعف من التوترات بين الولايات المتحدة والصين، خاصة مع استمرار واشنطن في فرض قيود صارمة على تصدير أحدث التقنيات، بينما تعمل الشركات الصينية على ابتكار حلول بديلة أقل تكلفة لتجاوز هذه العقبات.

 ياقوت زهرة القدس بن عبد الله 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى