تكنولوجيا

خبير آلي عالمي: فقاعة الروبوتات البشرية ستنهار في القريب العاجل

وجه عالم الآليات الشهير “رودنيبروكس” تحذيرا شديد اللهجة، للمستثمرين الذين يضخون الأموال الطائلة في شركات تطوير الروبوتات البشرية، مؤكدا أنهم يبددون ثرواتهم على أحلام غير قابلة للتحقق.

 

“بروكس” الذي يشغل منصب المؤسس المشارك لشركة “آيروبوت”، وأحد أبرز الباحثين في معهد “ماساتشوستس للتكنولوجيا” المعروف عالميا، أشار إلى أن الضجة المتعلقة بتطوير إنسان آلي مشابه للإنسان هي مجرد وهم كبير، سينكشف قريبا، وأكد أن الطريق لتحقيق هذا الحلم لا يزال طويلا ومعقدا، حيث إن التحديات التقنية والعلمية لا تزال هائلة وتحتاج إلى سنوات طويلة من البحث والتطوير.

وقد استند “بروكس” في تحليله إلى خبرة تمتد لعقود في مجال الروبوتات والذكاء الاصطناعي، مما يعطي تحذيره مصداقية كبيرة في الأوساط العلمية والاستثمارية على حد سواء، ورغم ذلك تواصل الشركات الناشئة والحالية جذب استثمارات بمليارات الدولارات في هذا المجال الذي وصفه “بروكس” بأنه الأكثر تضخيما في تاريخ التكنولوجيا الحديثة.

وانتقد “بروكس” بشكل خاص استراتيجية الشركات الكبرى مثل تسلا وفيغرأي أي، في محاولة تعليم الروبوتات المهارات البشرية من خلال مقاطع الفيديو فقط، ووصف هذا النهج بأنه سطحي وغير مجدي من الناحية العلمية الحقيقية، موضحاً أن محاكاة القدرات البشرية تتطلب أكثر من مجرد تحليل لبيانات بصرية، بل تحتاج إلى فهم عميق لكيفية عمل النظام الحسي والمعرفي عند الإنسان والتي لا تزال حتى الآن من أعقد الألغاز العلمية التي تواجه الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات على مستوى العالم.

كما أشار إلى أن الاعتماد على مقاطع الفيديو فقط يشبه محاولة تعليم طفل كل مهارات الحياة، من خلال مشاهدة التلفاز دون أي تفاعل حسي أو بيئي حقيقي مع العالم المحيط، مما ينتج عنه فهم ناقص ومشوه للواقع.

وأوضح “بروكس” أن التحدي الأكبر يكمن في محاكاة النظام الحسي البشري المعقد، حيث إن اليد البشرية وحدها تحتوي على ما يقارب 17 ألف مستقبل عصبي خاص باللمس، وهذا العدد الهائل من المستقبلات الحسية يجعل عملية محاكاتها تقنيا أمرا شبه مستحيل مع التقنيات الحالية، ناهيك عن دمج هذه المستقبلات مع النظام الحركي والمعرفي في تناغم دقيق كما يحدث في الكائن البشري وهذا التعقيد الهائل هو ما يجعل من المستحيل حالياً الوصول إلى روبوت يمتلك القدرات الحسية والحركية المشابهة للإنسان، حتى مع وجود تمويل بمليارات الدولارات، حيث إن بعض التحديات العلمية لا يمكن حلها بالمال فقط بل تحتاج إلى تطورات نوعية في الفهم العلمي والأدوات التقنية.

 

الروبوتات البشرية .. مخاطر هائلة وكلفة بائسة

يشير “بروكس” إلى أن الروبوتات ذات الحجم البشري تحمل مخاطر جسيمة غير محسوبة، حيث إنها تضخ طاقة هائلة للبقاء في وضعية الوقوف فقط، مما يجعلها تشكل خطرا حقيقيا عند السقوط أو حدوث أي عطل تقني مفاجئ في نظام التوازن الخاص بها.

وأضاف أن مضاعفة حجم الإنسان الآلي يؤدي إلى زيادة الطاقة الخطيرة التي يحملها بمعدل 8 مرات، مما يجعله أشبه بقنبلة موقوتة يمكن أن تسبب أضراراً جسيمة في حال حدوث أي خلل في التحكم بهذه الطاقة الهائلة وهذا يعني أن التكلفة الحقيقية لهذه الروبوتات لا تقتصر على تكاليف التطوير والتصنيع الباهظة، بل تمتد إلى تكاليف السلامة والضرورات الأمنية التي تتطلبها لتكون آمنة للاستخدام في البيئات البشرية.

ويرى الخبير العالمي أن الروبوتات العملية خلال 15 سنة القادمة، لن تكون شبيهة بالبشر إطلاقابل ستأخذ أشكالا أخرى أكثر كفاءة وأقل خطرا مثل الروبوتات المجهزة بعجلات وأذرع متعددة، وأجهزة استشعار متخصصة لكل مهمة على حدة، حيث إن هذا التوجه هو الأكثر واقعية من الناحية الهندسية والأكثر أمانا من الناحية التشغيلية، كما أنه يحقق كفاءة أعلى في الأداء وتكلفة أقل في الصيانة والتطوير، وأكد أن هذا النوع من الروبوتات المتخصصة، هو الذي سيسيطر على الأسواق التطبيقية خلال العقد المقبل، وليس النماذج البشرية التي تتصدر عناوين الأخبار حاليا.

كما أشار “بروكس” إلى دراسة مهمة أجرتها منظمة “ميتير” غير الربحية، والتي أظهرت نتائج صادمة، حيث إن المطورين استغرقوا وقتاً أطول بنسبة 19 بالمئة لإنجاز المهام عند استخدامهم لأدوات الذكاء الاصطناعي الحديثة، رغم أنهم شعروا شخصيابأن أداءهم تحسن بنسبة 20 بالمئة، وهذه المفارقة بين الشعور الشخصي والواقع العملي تدق ناقوس خطر حول الضجة المبالغ فيها حول قدرات الذكاء الاصطناعي الحالية وتأثيرها الفعلي على الإنتاجية الحقيقية، حيث إن الاعتماد على هذه التقنيات في مراحلها الحالية، قد يؤدي في الواقع إلى إبطاء العمل بدلامن تسريعه.

 

استثمارات طائلة في سراب خادع

رغم كل هذه التحذيرات العلمية الموثقة، تواصل شركات مثل “أبترونيك” و”فيغر أي أي” جذب استثمارات ضخمة تجاوزت المليارات من الدولارات، حيث جمعت شركة “أبترونيك” ما يقارب 450 مليون دولار بدعم مباشر من شركة “غوغل” العملاقة، بينما حصلت شركة “فيغر أي أي”، على أكثر من مليار دولار في جولة التمويل الأخيرة، لترتفع قيمتها السوقية إلى حوالي 39 مليار دولار بدعم من مستثمرين كبار، مثل “مايكروسوفت” وصندوق “أوبن أي أي” الاستثماري، وهذه الأرقام الفلكية تثير التساؤلات حول مدى واقعية توقعات المستثمرين في هذا القطاع، الذي لا يزال يعاني من تحديات أساسية لم تحل بعد.

ويؤكد “بروكس” أن هذه الاستثمارات الهائلة لن تترجم إلى منتجات تجارية قابلة للاستخدام الواسع في المدى المنظور، بل ستتبخر كلياعندما يدرك المستثمرون أن الوعود الكبيرة كانت مجرد أوهام لا أساس تقنيا لها، وأشار إلى أن التاريخ tecnológico حافل بمثل هذه الفقاعات التي تنشأ بسبب الضجة الإعلامية والمبالغة في التوقعات ثم تنفجر عندما تصطدم بالواقع العلمي والعملي الصعب، حيث إن تطور التقنيات الأساسية يحتاج إلى وقت طويل، ولا يمكن اختصار هذا الوقت بالتمويل فقط.

كما لفت “بروكس” الانتباه إلى أن معظم هذه الشركات تعتمد في تسويقها على عروض تقديمية معدلة ومحضرة مسبقابعناية فائقة، لا تعكس القدرات الحقيقية للروبوتات في ظروف التشغيل الطبيعية، حيث إن الفجوة بين العروض الترويجية والأداء الفعلي لا تزال شاسعة بشكل يخفي الحقيقة عن المستثمرين والعامة على حد سواء، وهذا ما يؤدي إلى تشويه perception السوق وخلق توقعات غير واقعية يدفع ثمنها المستثمرون في النهاية.

ويختم “بروكس” تحذيره بالإشارة، إلى أن المستقبل الحقيقي للروبوتات يكمن في التطبيقات المتخصصة والهادفة وليس في محاكاة الشكل البشري، حيث إن محاولة نسخ الإنسان هي عملية معقدة وغير مجدية اقتصاديا، بينما يمكن تحقيق نتائج مبهرة في مجالات أكثر تخصصا مثل الروبوتات الطبية والصناعية والخدمية التي تركز على وظيفة محددة، بدلا من محاكاة الكائن البشري في شكله وحركته المعقدة. وهذه الروبوتات المتخصصة، هي التي ستغير وجه العالم الحقيقي وليس النماذج البشرية التي تسعى إليها الشركات الناشئة حاليا.

 ياقوت زهرة القدس بن عبد الله 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى