روبرتاج

“تيارت”، عاصمة الفروسية، تاريخ مجيد وحاضر يستدعي التجديد

كانت أول عاصمة في المغرب الإسلامي

تحمل  ولاية تيارت الرقم 14 بين الولايات الجزائرية، حيث تعد من أهم ولاية في الهضاب العليا الغربية نتيجة لموقعها الاستراتيجي، حيث تربط بين الساحل والصحراء ومساحتها تمتد عبر الهضاب العليا والسهوب، فهي تفصل بين الأطلس التلي والأطلس الصحراوي، وتتوسط 8 ولايات غليزان، تيسمسيلت شمالا، الأغواط، البيض جنوبا،  معسكر وسعيدة غربا والجلفة والمدية من الشرق. أقرب نقطة بها إلى البحر الأبيض المتوسط تبعد حوالي 180كم عبر ولاية مستغانم، وتبعد عن وهران بمسافة 220 كم تقريباً، وعن الجزائر بـ280 كم.

وتعد ولاية تيارت ولاية مليونية، إذ يفوق عدد سكانها  مليون نسمة، ومساحتها 20.050.50 كيلومتر مربع.

تيارت موطأ قدم الانسان القديم وأول العواصم في تاريخ  المغرب العربي

تمتد “تيارت” في عمق التاريخ، فيوجد بها أول موطأ قدم الانسان البدائي بموقع كولمناطة التاريخي ببلدية “سيدي الحسني، حاليا 15 كلم شمال شرق مدينة تيارت، يضم موقعين يعود أحدهما لفترة ما قبل التاريخ، ويمتد سنوات طويلة قبل الوقت الحاضر والأخر روماني، يوجد بهذا الموقع الذي صنف سنة 1952 كموقع أثري وطني، ترسبات طينية ورملية تمتد على مسافة 30 مترا. وهي إحدى المواقع  الأثرية المصنفة وطنيا

حيث سمحت عملية التنقيب والحفر بالعثور على عظام بشرية وحيوانية وأدوات وعتاد وأثاث جنائزية، يحاول الفريق الباحث من خلالها معرفة العادات الاجتماعية والثقافية والحالة الصحية وأصول الأجيال التي مرت بها الموقع. ويذكر التاريخ، أنه في سنة 761م، أسس الإمام “عبد الرحمان بن رستم”، القيروان دولة “تيهرت”، فكانت أول عاصمة إسلامية بتاقدمت التي تبعد عن عاصمة الولاية بحوالي 10 كلم، واشتهرت بحركة التجارة والعلم والثقافة، ومنبعا للعلوم في مجال الرياضيات، اللغة. وعرفت تطورا وازدهار منقطعة النظير وعدلا في الحكم ورفاه السكان، إلى أن وقعت تحت حكم الفاطميين في عام 908م، ثم دولة قبيلة زنانة التابعة للموحدين.

ولم تكن آخر مرة تعتلي فيها تيارت مقام العاصمة لدولة إسلامية، لكنها حازت على لقب “الدولة الجزائرية الحديثة”، لمؤسسها “الأمير عبد القادر الجزائري”، الذي حذا حذوة “ابن رستم”، وأقام عاصمة له بتاقدمت على أثارها الأولى.

“تيارت” تراث تتحدث به المعالم والألسن

 نالت “تيارت” لقب العاصمة وبغداد المغرب، لما كان لها من المؤهلات الجغرافية والتاريخية والثقافية والعلمية على مر التاريخ، أمام تراث هذه المنطقة من فترات ما قبل التاريخ والرومان والإسلام، وامتدت إلى العصر الحديث وكل ذلك مدون من خلال معالم أثرية وتاريخية، فشهدت “كولمناطة”، آثار ماقبل التاريخ وجداريات “ماليغشية” بمشرع الصفا إلى “كاف بوبكر” بالدحموني، إلى أهرامات لجدار فريدة من نوعها، والتي كان للاهتمام بها، أن يجعل ذات صيت يضاهي أهرامات الجيزة المصرية، حيث يبلغ عندها 13 هرما، متمركزا على مرتفعات متقابلة وشاهد على العلم والثقافة. ونذكر قاعة بني سلامة ومغارات ابن خلدون وصولا إلى “جاك بارك” .ومكتبة المعصومة، التي كانت إحدى مكونات عاصمة تاقدمت في الدولة الرستمية، ودينيا عرفت  بالمسجد العتيق يقع المسجد في قلب مدينة تيارت، تأسس عام 1870م، يُجسد الطراز العربي الحديث، والذي شاركت في بنائه مختلف القبائل والأعراش التي كانت تضغط على فرنسا، والتي كانت تخشى مواجهتها، وكل هذا ومنح تيارت مكانة سياحية، عززتها تربية الخيل وعلاقة سكان المنطقة بالخيل ومركز تربية الخيول، الذي حمل اسم “شاوشاوة”، ثم مؤخرا اسم المجاهد “قائد أحمد”، والذي نعرج عليه لاحقا. وكل شبر من تيارت له تاريخ وإرث وتراث مادي أو غير مادي، فاقترن الفروسية المتأصلة بتيارت بالشعر البدوي والفانتازيا وصناعة السروج، وكما أن تيارت لن تكتمل صفحتها إلا بذكر نسيج البرنوس والقشابية من وبر أو صوف يحتمي بها رجال تيارت من برد الشتاء القاسي قساوة تضاريسها. ولا تخرج من تيارت، قبل أن تستضيفك عائلاتها خاصة بجنوب الولاية، وتجلس على زربية من نسيج حرائرها، تجد زربية جبل عمرو بالسوقر، وامتداها الجغرافي كما تتفرد قصر الشلالة بزربيتها الزاهية الألوان، والتي يتوسط “القصر”، الذي يعرف عن عراقة المنطقة فتحكي صفحات من التاريخ المجيد .

تيارت معقل الخيل  ومهد الفروسية والشعر البدوي والملحون

لا تذكر “تيارت”، إلا وترسم  في الأذهان صورة الخيول البربرية والعربية الأصيلة، فخصوبة أراضيها جعلتها مكانا مناسبا لتربية الخيول العربية الأصيلة والبربرية، وقد سارع الفرنسيون عند احتلالهم للجزائر إلى تأسيس حظيرة «شاوشاوة»، سنة 1877، التي ما زالت تعمل لتطوير سلالات الخيول المختلفة وحمايتها من الانقراض.

وقد صنفت السلطات الجزائرية حظيرة “شاوشاوة” ضمن المواقع الأثرية الوطنية عام 1995، وقد كان لهذه الحظيرة دور بارز في حماية وتطوير السلالات المختلفة، من الخيول العربية والبربرية، وتضم حوالي 300 حصانا، بينها الخيول العربية الأصلية والبربرية. وتمتد الحظيرة على مساحة بحدود 876 هكتارا، تمارس فيها مختلف أنواع الأنشطة الفلاحية، وتصنع بذلك طبيعة رائعة تجلب إليها الأنظار من داخل وخارجه الوطن.

كانت أول طبعة “للصالون الوطني الفرس” سنة 1987، ويهدف إلى الترويج لثقافة الفروسية، وهو ينظم على مستوى حظيرة “شاوشاوة” ومركز “الأمير عبد القادر” للفروسية والديوان الوطني لتربية الخيول والجمال، ويتم بالموازاة تنظيم عدة نشاطات، مثل مسابقات لصناعة السروج والحدادة، وسهرات فنية تقدم فيها أغاني من التراث مثل الأغنية البدوية. وهذا ما يدعم الميدان السياحي بها، تلك العـادات والتقاليد والحرف والصناعات التقليدية المرتبطة بالذاكرة الجماعيـــة المحلية للفروسية، التي لها مكانة خاصة في قلوب سكان المنطقة توارثوها عبر الأجيال، لتصنع لوحات فنية وتعطرها روائح البارود.

تيارت رقم واحد في مجال المحاصيل الكبرى 

تتوفر ولاية تيارت على مساحة إجمالية للأراضي الفلاحية، تقدر بـ1.608.152 هكتار، منها  707.622 هكتار صالحة، بما فيها 35.000 هكتار مسقية. ويتواجد أغلبها بمحيط سد الدحموني، وبالمناطق التي تتوفر بما المياه الجوفية، مثل الرشايقة، التي يطلق عليها متيجة تيارت، حيث تتصدر ترتيب الولايات المنتجة الحبوب بما يزيد عن 3.6 مليون قنطار، وسجلت في سنة 2013 إنتاج مضاعف، بلغ أكثر من 6 ملايين، فيما الحبوب الجافة بلغت خلال الموسم السابق 57.800 قنطار، والأعلاف 856.974 قنطار، تجمع عبر 38 جمع، حيث تبلغ سعة التخزين أكثر 2.4 مليون قنطار، عبر 3 تعاونيات الحبوب والخضر الطاقة بكل من تيارت، وفرندة ومهدية، وبلغ إنتاج الخضروات 7.959.334 قنطار، بما فيها 1.469.312 قنطار بطاطس، و2.060.000 قنطار بصل، وبلغ إنتاج الفواكه 310.700  قنطار، والزيتون 47.600 قنطار، والكروم 31.800 قنطار، وتعرف تيارت بتربية الحيوانات، خاصة الأغنام التي تجاوزت 2.3 مليون رأس، بما فيها 1.677.000 خروف، و49.230 رأس أبقار و194.876 رأس ماعز، وبلغ عدد رؤوس الجمال 190 رأسا. وتحصي ولاية تيارت إنتاج 5.778.025 وحدة دجاج لحم، و325000 وحدة ديك رومي، خاصة بإنتاج اللحم، وبلغ إنتاج الدجاج البيوض 100.000 وحدة، دعمت الأسواق بـ350.439 قنطار من اللحوم الحمراء و109.368 قنطار من اللحوم البيضاء، كما بلغ إنتاج الحليب أكثر 11 مليون لتر سنويا، وبلغ إنتاج 10.5 مليون وحدة. وطبعا فإن توفر المقومات والإمكانيات لتكون قطب فلاحي كان لابد أن يدعم بهياكل علمية، تبحث وتطور بحوث وتطبقها على أرض الواقع، حيث تمتلك ولاية تيارت عددا من  الهيئات والمعاهد التقنية، التي أنشئت في جميع أنحائها الزراعية، وهي المعهد التقني للمحاصيل الكبرى والمركز الوطني للتصديق ومراقبة البذور والنباتات والمركز الوطني للتلقيح الصناعي والتحسين الجيني والمعهد التقني للحظائر ومخبر تحسين بذور البطاطس والمعهد التقني لزراعة أشجار الفواكه والكروم والمعهد الوطني لأراضي الري والصرف والمفوضية السامية لتنمية السهوب .

أزمة مياه تفاقمت خلال السنوات الأخيرة وتيارت تنتظر مياه البحر

تعاني ولاية تيارت نقصا في المياه الموجهة للشرب، خصوصا بالبلديات الشمالية بما فيها عاصمة الولاية، حيث تعتمد في للشرب على سد بخدة، الذي تقرب سعته 40 مليون متر مكعب، وبلغت نسبة امتلائه خلال الأيام الأخيرة 1.8 مليون متر مكعب، ما تسبب في أزمة في توزيع المياه، التي أصبحت لا تصل الحنفيات إلا مرة في الأسبوع، وهناك أحياء وبلديات لا تزرها منذ مدة طويلة، رغم أن تيارت تتوفر على سدين آخرين، هما سد الدحموني بسعة 45 مليون متر مكعب، الموجه للسقي الفلاحي، والذي بلغ درجة متقدمة من الجفاف، وسد بوقرة بسعة تصل 35 مليون متر مكعب تستغله ولاية تيسمسيلت لتوفير مياه الشرب.

وتتوفر تيارت على 19 حاجز مائي بسعة السدود 12.012.000 متر مكعب، وتم حفر 257 بئرا وإنجاز  144 وحدة، إلا أنها لا توفر الكميات الكافية من مياه الشرب والاستعمال المنزلي، مما أدى إلى ردود أفعال إثر الأزمة الأخيرة المطالبة ببعث مشروع ربط تيارت بمحطة المقطع لتحلية مياه البحر، لتغطية احتياجات الولاية من المياه الوجهة للشرب، والاستعمال المنزلي والصناعي حيث أن مشروع مصفاة تحرير البترول في سيد العابد متوقف على مشروع إيصال مياه البحر المحلاة إلى تيارت عبر غليزان

الصناعة والمناجم

الصناعة: 

تمتلك ولاية تيارت العديد من المزايا، من حيث الثروات وتنوع الموارد، وبنية تحتية أساسية هامة (مطار، شبكة طرقات، والسكة الحديدية التي هي في طور الانجاز…)، وديناميكية تمكنها من التطلع لأن تصبح محور صناعة وطنية هامة، بالإضافة إلى الموقع الاستراتيجي الهام.

وتتوفر ولاية تيارت على  العقار الصناعي  الذي يشكل ركيزة أساسية لتطوير الاستثمار، عبر كل من المنطقة الصناعية “زعرورة” الجديدة، بمساحة 328 هكتار، والمنطقة الصناعية “عين بوشقيف” بمساحة 319 هكتار، والمناطق الصناعية القديمة (زعرورة)، بمساحة 318 هكتار، ومناطق النشاط منها بقصر الشلالة بمساحة 22.30 هكتار، والسوقر بمساحة 18 هكتار، بمدريسة بمساحة 12 هكتار، بفرندة بمساحة 40 هكتار، وبمهدية بمساحة 10.36 هكتار .

وتم انشاء مناطق مصغرة بالرحوية، مساحتها 38 هكتار، بمشرع الصفا مساحتها 15 هكتار، وتخمارت مساحتها 30 هكتار، عين الذهب مساحتها 7.4 هكتار، ومدروسة مساحتها 8.9 هكتار وقصر الشلالة مساحتها 40 هكتار  .

تيارت ولاية معزولة  تطمح  لازدواجية الطرقات، وبعث نشاط المطار الدولي

يعد الطريق الوطني رقم 23، الذي يربط تيارت بوهران عبر غيلزان، والطريق 40، الذي يربط تيارت بالعاصمة عبر تيسمسيلت و90 الذي يربط تيارت بغليزان وشلف وتيارت بالبيض، شرايين حياة اقتصادية وتجارية بالنسبة لولاية تيارت، رفع مطلب ازدواجيتهما مرارا للحد من الحوادث وتسهيل التنقل، كما ن المطار الدولي “عبد الحفيظ بوصوف، ورغم أنه من أحسن المطارات الدولية بالجزائر، إلا أنه لا يزال مجمد النشاط منذ سنوات عديدة، فيما لا تزال السكة الحديدية (سعيدة – تيارت )، على مسافة 153 كلم، التي دخلت الخدمة شهر جانفي الماضي، فيما لا يزال خط (غليزان – تيارت – تسمسيلت) على طول  183 كلم، ولم تنتهي به الأشغال بعد.

وتبقى تيارت رغم كل الإمكانيات، ورغم الماضي المجيد، بعيدة كل البعد عن طموحات سكانها واستغلال إمكانياتها، التي قد تحولها إلى ولاية رائدة في مجالات عدة خاصة الفلاحة والصناعة والسياحة والثقافة، فمؤهلات لا يستهان بها التخطيط ورؤية استشرافية صائبة، سترقي ولاية تيارت إلى مصاف الولاية القطب

جمال غزالي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى