
أدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، العلاقات الجزائرية-الفرنسية في أزمة جديدة بإطلاقه تصريحات استفزازية حول تاريخ الجزائر وشعبها والتطاول على مؤسسات الدولة رموزها.
وبينما استدعت الجزائر سفيرها بباريس محمد عنتر داود للتشاور احتجاجا على التدخل في شؤونها الداخلية، فقد انتفضت الطبقة السياسية ضد السيل الجارف للتصريحات العدوانية للرئيس الفرنسي الذي أعاد العلاقات الثنائية إلى نقطة الصفر من خلال النبش في ملفات حساسة وتبني مواقف مسيئة لحسابات انتخابية متصلة بالرئاسيات الفرنسية.
من جهتها ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بردود فعل قياسية مندّدة بهستيرية فرنسا الرسمية، حيث أكد الجزائريون أن تاريخ الأمة ورموزها ومؤسساتها خط أحمر.
أعربت الجزائر عن رفضها القاطع للتدخل غير المقبول في شؤونها الداخلية، عقب التصريحات غير المفندة التي نسبتها العديد من المصادر الفرنسية لرئيس الجمهورية الفرنسية.
وأوضح مصدر مطلع، أنه عقب التصريحات غير المفندة التي نسبتها العديد من المصادر الفرنسية لرئيس الجمهورية الفرنسية، تعرب الجزائر عن رفضها القاطع للتدخل غير المقبول في شؤونها الداخلية مثلما ورد في هذه التصريحات.
وأضاف نفس المصدر، أن هذه التصريحات تحمل في طياتها اعتداء غير مقبول لذاكرة 5.630.000 شهيد الذين ضحوا بالنفس والنفيس في مقاومتهم البطولية ضد الغزو الاستعماري الفرنسي وكذا في حرب التحرير الوطني المباركة، مبرزا أن جرائم فرنسا الاستعمارية في الجزائر لا تعد ولا تحصى وتستجيب لتعريفات الإبادة الجماعية ضد الانسانية.
فهذه الجرائم التي لا تسقط بالتقادم لا يجب أن تكون محل تلاعب بالوقائع وتأويلات تخفف من بشاعتها.
واعتبرت رئاسة الجمهورية ان نزعة اصحاب الحنين للجزائر الفرنسية والأوساط التي تعترف بصعوبة بالاستقلال الكامل الذي حققه الجزائريون بنضال كبير، يتم التعبير عنها من خلال محاولات غير مجدية لإخفاء فظائع ومجازر ومحارق وتدمير قرى بالمئات من شاكلة واقعة “اورادور-سور-غلان”، والقضاء على قبائل من المقاومين، وهي عمليات إبادة جماعية متسلسلة لن تنجح المناورات المفاهيمية والاختصارات السياسية في اخفائها.
من جانب اخر فان التقديرات السطحية والتقريبية و المغرضة المصرح بها بخصوص بناء الدولة الوطنية الجزائرية وكذلك تأكيد الهوية الوطنية تندرج في اطار مفهوم هيمنة مبتذل للعلاقات بين الدول ولا يمكن، في أي حال من الأحوال، أن تكون متوافقة مع تمسك الجزائر الراسخ بالمساواة السيادية للدول.
هذا التدخل المؤسف الذي يصطدم اساسا بالمبادئ التي من شأنها ان تقود تعاونا محتملا بين الجزائر و فرنسا بشان الذاكرة، قد ادى الى الترويج لنسخة تبريرية للاستعمار على حساب النظرة التي قدمها تاريخ شرعية كفاحات التحرير الوطنية، في الوقت الذي لا يمكن لأحد او لشيء ان يغفر للقوات الاستعمارية و لجرائمها، لاسيما مجازر 17 أكتوبر بباريس وهو التاريخ الذي ستحيي الجزائر والجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا ذاكرته في كرامة.
عقدة فرنسا من الجزائر
وفي اليوم الذي أعلنت فيه الخارجية الجزائرية استدعاء السفير الفرنسي في الجزائر، فرانسوا غوييت، احتجاجا على تخفيض التأشيرات الممنوحة للجزائريين إلى النصف، أكد الرئيس الفرنسي، مرة أخرى، أنه غير قادر على أن يكون استثناء من بين سابقيه في النظر لملف الذاكرة مع الجزائر، حيث اعترف ضمنيا أنه ليس بمقدوره الخروج عن العقيدة الفرنسية المتغذية من تمجيد الاستعمار، والقائمة على النكران تجاه ماضي ومستقبل الجزائر.
ونقلت صحيفة “لوموند”، في عددها أمس، ما دار بين الرئيس ماكرون، وبين أولاد وأحفاد الحركى وجنرالات منظمة الجيش السري الإرهابية بقصر الاليزيه، في 30 سبتمبر المنقضي، من كلام ظاهره “تاريخ وذاكرة”، وباطنه “حقد دفين” و”غضب من التاريخ” و”خوف من المستقبل”.
ومما صرح به ماكرون، الذي يتهيأ لعهدة ثانية بطريقة مناقضة تماما لما فعله في العهدة الأولى، أن التاريخ المدون في الجزائر عن الحقبة الاستعمارية 1830-1962، رسمي ومضلل ودعاية ضد فرنسا، ويرى أن المشكلة ليست بين بلاده والمجتمع الجزائري، وإنما مع الدولة الجزائرية القائمة على تغذية مشاعر الضغينة ضد فرنسا، ليدعو إلى تبني مقاربة فرنسية هجومية، لكتابة تاريخ الفترة الاستعمارية باللغتين العربية والأمازيغية.
تدنيس التاريخ
ولعل أخطر ما تلفظ به ماكرون، وهو ينحدر إلى مستوى سحيق من الانحراف في النقاش، بشكل جعله يشكك حتى في وجود أمة جزائرية قبل الاحتلال الفرنسي في عام 1830، وكأن الجزائر كانت أرضا مستباحة، عندما راح يتساءل “هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟ تصريح تفوح منه رائحة تدنيس التاريخ واللامسؤولية من مسؤول يرغب في استرضاء شرذمة من اليمينيين، من أجل البقاء في قصر الإيليزي، ولو على حساب قيم الجمهورية الفرنسية، ومبادئ الاحترام المتبادل بين الدول.
ماكرون لم يتوقف عند هذا الحد، بل راح يقارن بين الاحتلال الفرنسي بالوجود العثماني في الجزائر، وهي مقارنة في غير محلها، لأن مخلفات الاحتلال الفرنسي تتحدث عن نفسها “1.5 مليون شهيد جزائري في سبع سنوات فقط”، في حين أن كتب التاريخ لم تسرد للجزائر وللعالم جرائم الوجود التركي في الجزائر، والذي له ما له وعليه ما عليه.
وأضاف الرئيس الفرنسي، بأنه يعتقد الدولة الجزائرية مرهقة وأن الحراك الشعبي أضعفها، واسترسل ماكرون في قوله أنه عندما أكد أن تقليص منح التأشيرات لدول المغرب العربي، إجراء لا يقصد به الطلبة ورجال الأعمال وإنما صناع القرار الذين تعودوا الحصول على التأشيرة بسهولة، وقال إن التأشيرات وسيلة ضغط سنقوم من خلالها بإزعاج القادة.
وتتأكد عدم عفوية خرجات فرنسا الاستفزازية إزاء الجزائر مند إقدام إيمانويل ماكرون على تكريم مئات الخونة الذين خدموا فرنسا في حرب الجزائر التحريرية، وإعلانه عن مشروع قانون لتعويض “الحركى” وذويهم، وتتجه الجزائر نحو التصعيد مع فرنسا بعد جهر باريس رسميا برغبة العداء انطلاقا من قرار تقليص حصة التأشيرات الممنوحة للجزائريين دون مبررات واضحة.
تصريحات الطبقات السياسية
أثارت تصريحات رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون الأخيرة المسيئة لتاريخ الجزائر، استهجان الطبقة السياسية في البلاد، بعد أن ادعى عشية رئاسيات بلاده التي يخوضها لنيل فترة رئاسية جديدة، أن الجزائر لم تكن أمة قائمة قبل الاستعمار الفرنسي، وأنها انتقلت من الاستعمار العثماني إلى استعمار آخر.
جبهة المستقبل، قالت في بيان لها أنها تعتبر هذه التصريحات مراهقة سياسية حقيقية وتعدٍّ مع سبق الإصرار والترصد على دولة كاملة السيادة، وأضاف أما تكرار خطاب الكراهية ضد مؤسسة الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الذي لقّن إستعمار الأمس أقصى دروس البطولة والشهامة، سيلقنهم اليوم معنى أن تكون جزائريا في أرض سُقيت بدماء الشهداء، وستبقى الجزائر عصية على كل أعدائها بفضل فطنة ووعي ووحدة كل أبنائها وتمسكهم بكل مؤسساتهم الدستورية.
كما أبدى الحزب دعمه لقرار استدعاء السفير الجزائري بباريس من أجل التشاور، مؤكدا في ذات البيان أن وحدة الوطن ومؤسساته خط أحمر لا تسامح مع من يطاله.
من جهتها، أرجعت حركة البناء الوطني تصريحات ماكرون إلى ما أسمته هستيريا الانتخابات ومكنونات عدوانية في حق وطننا وتاريخ دولته وشعبه.
وعبّرت حركة البناء، رفضها التامّ للمساس بالسيادة الوطنية والتدخل في الشأن الجزائري ، واستنكارها الكبير للإستغلال السياسوي للجالية الجزائرية في الحملات الانتخابية وإهمال حقوقها والإعتداء على قيمها في خلال السنوات الأخيرة.
الجيش الفرنسي يعلن أن الجزائر أغلقت مجالها الجوي أمام طائراته
أعلن ناطق باسم هيئة الأركان العامة الفرنسية الكولونيل باسكال إياني، أن الحكومة الجزائرية حظرت على الطائرات العسكرية الفرنسية التحليق فوق أراضيها.
وتستخدم فرنسا المجال الجوي الجزائري لدخول ومغادرة منطقة الساحل حيث تنتشر قواتها في إطار عملية برخان، وأكد إياني أن ذلك لن يؤثر على العمليات أو المهام الاستخباراتية التي تقوم بها فرنسا في منطقة الساحل.
ويأتي هذا الحظر، بعد يوم من استدعاء الجزائر سفيرها لدى فرنسا للتشاور بعد ما وصفته بتعليقات غير مسؤولة منسوبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ق.ح