
واصل الوهرانيون احتفالات الذكرى الـ 36 لعيدي الاستقلال والشباب بتنظيم عديد التظاهرات المتزامنة مع الذكرى، على غرار “أيام وهران الأدبية”، التي برمجت نشاطات ثقافية مهمة تناولت دور المرأة في الثورة المجيدة، من خلال جلسات ولقاءات في فضاءات عديدة زاوجت بين القاعات المغلقة والحدائق العامة،
الفعاليات التي انطلقت يوم 02 جويلية وتستمر إلى اليوم الإثنين 07 جويلية، جاءت تكريما للأب الروحي لهذه الأيام الأدبية، المفكر والباحث وناشر الثقافة الشعبية، الراحل “حاج ملياني”، سمحت بخلق ديناميكية ثقافية مهمة، صنعها الحضور من منشطي فعالياتها والمدعوين من الجمهور العام، الذي أبان عن وجود نقاش أدبي وثقافي بناء يحمل مختلف التوجهات والآراء، والذي كان محوره “المرأة والأدب والفنون في الجزائر”، مع التركيز على دورها خلال الثورة التحريرية المجيدة ودورها في تناقل التراث والإبداع، إلى جانب تنظيم ورشات للكتابة، النقاش والحار وعرض تجارب أدبية نسوية.
حيث كان الافتتاح بمقر ديوان بلدية وهران، بالتنسيق مع القسم الثقافي لمدينة وهران، توبع بجلسة بيع بالتوقيع لمؤلفات “جميلة رحال” و”رابح سبع” التي عرفت نقاشا مهما بإدارة “محمد عبو”.
المرأة تعبر عن تفكيرها بالقلم بمعهد “سارفينتس“
ومتابعة لنشاطات “الأيام الأدبية”، احتضن معهد “سارفينتس” ورشتين للكتابة، حيث تم منح المرأة الحاضرة فرصة حمل القلم وتدوين ما يدور في خلدها.
لتقوم النسوة بقراءة ما كتبت وفتح باب النقاش، في محاولة لمعرفة طريقة تفكيرها وما يشغلها في الوقت الحالي، والعودة إلى الأيام الخوالي، ومحاولة استرجاع ذاكرة المرأة في الماضي، وكيف كانت تفكر وترى الأمور، على غرار أيام الثورة التحريرية، من خلال استذكار مواقفها ونشاطها وما يتم تداوله عنها، على غرار ورشة “المرأة والجسد”، تحت إشراف “ليليا بلال”، التي عاشت مشاركاتها مساحة زمنية هادئة، سمحت لهن بترجمة أفكارهن في سطور، ناقشتها فيما بينها، مثل الشابة “حدة” التي تناولت موضوع الأبراج الفلكية وأهميتها في الثقافة الإنسانية لاسيما النسوية، وقد كانت بطريقة ذكية، شدت انتباه الحاضرات.
إضافة إلى مؤسسة المقهى الأدبي “أولمبياد الآداب الجميلة” باللغة الفرنسية، وورشة عمل “الكتابة الإبداعية” تحت إشراف “لولا لوبيز مونديجار”، باللغة الإسبانية، والتي كان لحضورها تميز، كشف عن عمق العلاقة بين النساء وسرعة التفاعل، ونجاح التواصل من خلال الأحاديث المتبادلة وأساليب الإقناع المعتمدة.
كما عرفت الفترة المسائية نقاشات مفتوحة ثرية، تبعا للمحاضرات التي عادت بالذاكرة إلى ماضي المرأة ونشاطاتها الثقافية في حياتها اليومية والمناسبات، على غرار “المرأة والفنون الشعبية” لـ “نبيلة موساوي”، وكذا “المرأة في الحكايات والأمثال الشعبية في الجزائر”، لـ “جميلة حميتو”، التي أبدعت في تناول الأمثال الشعبية، التي أبانت عن دور المرأة في الحياة الأسرية والمجتمع ومكانتها بالنسبة للرجل، في الوقت الذي عرفت محاضرة “هوارية ستي” اهتماما خاصا بتناولها لـ “استيلاء المداحات والشيخات على الملحون في الجزائر”، ما فتح باب النقاش ترديد بعض المقاطع، في وقت أكدت معظم الحاضرات أنه رغم بعض الحواجز التي كانت تعترض المداحات والشيخات والإبقاء عليها في فضاءات مغلقة، إلا أنه إلى اليوم ورغم تطورها والانفتاح عليها، فقد بقيت تعرف رغبة النسوة وشغفهن بالرقص على أنغامها دون التركيز على كلماتها وما يقصد بها، فهي بمثابة العلاج النفسي للمرأة، تخفف من تعب نفسيتها بالرقص.
كما تم تناول ندوة حوارية بعنوان “هل يمكن الحديث عن أدب نسائي؟”، أدارها كل من “لولا لوبيز مونديجار” و”خوان مانويل سيد مونوز”، والتي عرفت نقاشا حادا بين مؤيد ومعارض للفكرة، لأن كل مؤلف رجل كان أو امرأة يتناول المرأة أو الفكر النسائي من زاويته الخاصة.
“كسكس الاستقلال” يزين مائدة الأيام الأدبية
ولأن الأسرة الجزائرية معروفة بتحضيرها لطبق”الكسكسي” لغداء يوم الجمعة، فقد اختارت جمعية “فرد” ممثلة في “فاطمة بوفنيق” تنظيم مأدبة غداء بمقرها بميرامار، يوم الجمعة، طبقها الرئيسي الكسكس الذي أطلقت عليه عنوان “كسكس الاستقلال”، حضرته أنامل جزائرية بمرق الدجاج، مصحوبا باللبن.
الغداء الذي جاء بعد زيارة لقبر الراحل “حاج ملياني” بمقبرة “عين البيضاء”، عرف جلسة أدبية حميمية نشطتها “مليكة قورصو”، رغم أنها مازالت تعاني من آثار العملية الجراحية التي خضعت لها منذ أيام، إلا أن أهمية الموضوع، جعلها تتحدى آلام المرض وتشارك في التذكير بالآلام والمعاناة التي قاستها المرأة الجزائرية خلال الثورة التحريرية، من خلال تناولها للقاءات التي جمعتها ببعض المجاهدات وتوثيقها لشهادتهن، تحت عنوان “المجاهدات، في مواجهة تجربتهن الخاصة، تكتبن قصة حرب التحرير الوطني: “جميلة عمران منّي”، “زهور زراري” و”لويزا إيغيلهريز”.
حيث تطرقت إلى قصصهن المؤثرة جدا ومعاناتهن، إلى جانب مجاهدات أخريات وشهيدات فضلن دعم شقيقهن الرجل جنبا إلى جنب، ليس فقط التطبيب والإطعام، بل تعدت ذلك إلى حمل السلاح في وجه الاستعمار الفرنسي الغاشم، ناهيك عن استغلال النسوة فرصة تناولهن للشاي المصحوب بالحلويات لاستعادة ذاكرتهن، وهن شابات ببيوت أسرهن قبل زواجهن، وكيف تغيرت أساليب الحياة وطرق التربية بين ماضيهن مع أمهاتهن واليوم مع أولادهن.
من جهته، نشط المؤلف “أحمد صايفي بن زيان” نقاشا متبوعا ببيع بالتوقيع لكتابه “المرأة في كتابة الرواية والنشر”.
“متحف زبانة” يصدح بالقصائد الشعرية وحديقة الورود بخميستي تروي قصصا تراثية
وفي سياق استمرار “الأيام الأدبية”، التي خلقت نشاطا ثقافيا متنوعا ومتنقلا بين الهياكل الثقافية والحقوقية، احتضن “متحف زبانة” محاضرة قيمة نشطها كل من “محمد عبو ونادية بن حاج سليمان” بإدارة “رابح سبع”، تلتها جلسة بيع بالتوقيع.
وتواصلت الجلسة بحضور مميز للشاعرة “لميس سعيدي”، التي قدمت من الجزائر العاصمة، خصيصا لتشارك وتقاسم لحظات التذكر والذاكرة التاريخية للمرأة الجزائرية بالباهية وهران، بإلقائها لقصائد شعرية حول المسار الشعري لامرأة، “ابتسام شاشو” موضوع “من أنا، ريمبالدي إلى الملحون الجزائري، ثم إلى علم الاجتماع اللغوي، ليفتح النقاش أمام الحضور.
بينما انتقل النشاط مساء إلى الفضاء المفتوح، عبر تنظيم قعدة في الطبيعة بـ “حديقة الورود”، بـ “شارع خميستي” بوسط المدينة، حيث كان للأطفال والنساء فرصة ذهبية استمتعوا بجلسة حكواتية رائعة صنعتها “جميلة حتو” بطريقتها المتميزة في الإلقاء، مع منح قلم وورقة للحاضرين من أجل التعبير عما يدور في مخيلتهم، زينتها “لميس سعيدي” بقصيدة رائعة حول حرف “الثاء” في اللغة العربية ودوره ومقامه المتفرد، بينما أعادت “هوارية ستي” ذاكرة الحضور إلى أغنية “اصحاب البارود والكارابيلا”، وحقيقة كتابتها وتاريخها الذي كان يقصد صاحبها دعوة الجزائريين لحمل السلاح ضد الاستعمار الفرنسي من أجل استقلال الجزائر.
يشار إلى أنها كانت أمسية مميزة، جعلت جمهور الحديقة يشارك في الجلسة التي طبعتها صور المجاهدات التي أحاطت بالمكان تروي تاريخا صنعته المرأة الجزائرية “الفحلة” إلى جانب الرجل، الذي لازمها وإلى اليوم في تخطي الصعاب وتحقيق النجاح والتغلب على المحن، على غرار أولئك الذين التزموا بمشاركتها إحياء الأيام الأدبية، على غرار (سي يوسف، مليك شقلالية، حسان، محمد عبو وأحمد صايفي بن زيان) وغيرهم، الذين أثروا النقاشات وعززوا من أهمية وجود المرأة ودورها الريادي في مختلف المجالات لاسيما بناء وتحصين المجتمع.
يوم دراسي حول “بيبلوغرافيا الرواية النسوية الجزائرية” بالكراسك
وقد اختارت “الأيام الأدبية” اختتام طبعتها الرابعة بتنظيم يوم دراسي موسوم بـ “بيبلوغرافيا الرواية النسوية الجزائرية”، احتضنه مركز البحث في العلوم الانثروبولجيا والاجتماعية “الكراسك”.
حيث ينشط اليوم الاثنين، تحت إشراف الدكتورة “فوزية بوغنجور”، رئيسة المشروع: راهن الرواية النسوية الجزائرية، عرض نتائج إحصائية للنقاش، و”سعاد زركوك” حول السياق الاجتماعي للروائيات الجزائريات، نتائج أولية لبحث ميداني.
يذكر أن هذه الدورة الرابعة للأيام الأدبية تم إهداؤها إلى “فضيلة مرتبك” (1936-14 ماي 2025)، التي تعتبر من رائدات الكتابة، وقد أثرت المكتبة الجزائرية بأعمالها حول وضع المرأة والحرية وحفظ التراث، “جوهر أمحيس أوكل” (1928-5 جوان 2025)، التي كرست حياتها هي الأخرى للتدريس والنقد الأدبي وحفظ التراث الجزائري، وكذا “سامية زناتي وسعاد إينال”، اللتان رحلتا مؤخرا، تاركتين مشاريع واعدة لم تنجز بعد، وأخيرا “فاطمة ملياني”، التي يدين لها المجتمع الجزائري لاسيما الوهراني منه بإلهام ابنها المفكر الثقافي الراحل “حاج ملياني”.
ميمي قلان