
في عالم يواجه تحديات بيئية هائلة ويبحث عن بدائل مستدامة للطاقة، أصبح الهيدروجين الأخضر بمثابة أمل واعد لتحقيق مستقبل يعتمد على الطاقة النظيفة ومع ذلك، بقيت التكلفة العالية لهذه التقنية عائقا رئيسيا أمام تبنيها على نطاق واسع مقارنة بالهيدروجين الرمادي الذي يعتمد على الوقود الأحفوري، لكن شركة هندية ناشئة تدعى (هيجنك) وتزعم أنها توصلت إلى الحل، الذي يجعل من الهيدروجين الأخضر خيارا أكثر تنافسية من حيث السعر فهل حققت هذه الشركة بالفعل المعجزة؟
لطالما كان الهيدروجين الرمادي الخيار الأساسي للصناعات الكبرى، نظرا لتكلفته المنخفضة حيث يتم إنتاجه باستخدام الغاز الطبيعي، لكن مع تزايد الضغط البيئي العالمي يتزايد الاهتمام بالهيدروجين الأخضر الذي يتم إنتاجه باستخدام الطاقة المتجددة (مثل الشمس والرياح)، مما يجعله صديقا للبيئة بنسبة 100 بالمائة المشكلة تكمن في أن تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر كانت حتى وقت قريب أعلى بكثير من الهيدروجين الرمادي.
ومع ذلك تؤكد (هيجنك) وأنها تستطيع بالفعل تقديم الهيدروجين الأخضر بتكلفة أقل من الهيدروجين الرمادي، وهو إنجاز إن تحقق، سيحدث تحولا جذريا في قطاع الطاقة النظيفة، في مقابلة مع وكالة (بلومبرغ)، أوضح (أنشول غوبتا) الشريك المؤسس لـ (هيجنك)، وأن شركته قادرة على تقديم الهيدروجين الأخضر بأسعار تنافسية ضمن عقود طويلة الأمد تصل إلى 20 عاما مع الحفاظ على الربحية.
إلى جانب توقيع العقود طويلة الأمد، تعتمد (هيجينك) وعلى تحسين كفاءة عمليات الإنتاج باستخدام، محلل كهربائي عالي الكفاءة، وهو جهاز يستخدم في عملية التحليل الكهربائي لفصل الهيدروجين عن الماء باستخدام الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، هذا التوجه نحو الابتكار في التكنولوجيا هو ما مكن الشركة من تخفيض التكاليف التشغيلية وبالتالي تقديم الهيدروجين الأخضر بأسعار منافسة.
إضافة إلى ذلك، استفادت الشركة من ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في الهند ما جعل الهيدروجين الرمادي أكثر تكلفة مقارنة بالسنوات السابقة ووفقا لـ (غوبتا) تتراوح أسعار الهيدروجين الرمادي في السوق الهندية حاليا بين 2.7 و4 دولارات للكيلوغرام الواحد، بينما يبقى سعر الهيدروجين الأخضر الذي تقدمه الشركة طي الكتمان، مما يثير المزيد من الفضول حول قدرة الشركة على تقديم هذا العرض التنافسي.
(هيجنك) ليست مجرد شركة ناشئة تعد بالحلول، بل هي بالفعل في خضم تنفيذ مشاريع طموحة، تدير الشركة حاليا موقعين لإنتاج الهيدروجين الأخضر في الهند الأول يعتمد على مزيج من الطاقة الشمسية والرياح، حيث تبلغ قدرة الطاقة الشمسية 75 ميغاواط، فيما تبلغ قدرة طاقة الرياح 200 ميغاواط، أما الموقع الثاني الذي دخل حيز التشغيل في فبراير 2023 ، فينتج حاليا 75 طنا من الهيدروجين سنويا ويهدف إلى زيادة هذا الرقم إلى 250 طنا.
الموقع الثاني مخصص لدعم عمليات شركة (جيند الستانليس)، وهي واحدة من كبرى شركات تصنيع الصلب في الهند، حيث يستخدم الهيدروجين الأخضر في عملية معالجة الصلب، مما يشير إلى تزايد استخدام الهيدروجين الأخضر في الصناعات الثقيلة.
ولا تتوقف طموحات (هيجنك) عند هذا الحد، فهي بصدد إنشاء مشروع ثالث في ولاية (ماهاراشترا)، حيث يتوقع أن ينتج الموقع الجديد 200 طن من الهيدروجين الأخضر سنويا، ليستخدم في تصنيع الألياف البصرية، مما يعزز من استخدام الهيدروجين الأخضر في مجالات صناعية متنوعة.
يعد قطاع الطاقة في الهند من بين أهم المحركات الاقتصادية في البلاد والهيدروجين يشكل جزء أساسيا من استراتيجيتها الطموحة للحد من الاعتماد على استيراد الوقود الأحفوري وتعزيز الاستقلالية الطاقوية، ورغم أن حجم إنتاج الهيدروجين الأخضر لا يزال صغيرا، تهدف الهند إلى إنتاج 5 ملايين طن سنويا بحلول عام 2030 مع التركيز على خفض تكلفة الإنتاج لتصل إلى 1.5 دولار للكيلوغرام الواحد.
هذا التوجه الحكومي الكبير يعزز من فرص الشركات الناشئة مثل (هيجنك) والتي تستفيد من الدعم الحكومي ومن البنية التحتية المخصصة للطاقة المتجددة، مما يجعل الهند واحدة من الأسواق العالمية الرائدة في مجال الهيدروجين الأخضر.
قد يكون إعلان (هيجنك) وعن تقديم الهيدروجين الأخضر بأسعار أقل من الهيدروجين الرمادي خطوة تاريخية في مجال الطاقة النظيفة إذا تمكنت الشركة من الوفاء بوعودها، فقد نشهد تحولا كبيرا نحو اعتماد الهيدروجين الأخضر على نطاق أوسع ليس فقط في الهند بل في جميع أنحاء العالم.
لكن يبقى السؤال: هل ستحقق (هيجنك) واستدامة هذا النموذج التنافسي على المدى الطويل؟ مع التطورات التكنولوجية المستمرة والدعم الحكومي المتزايد، يبدو أن الشركة في وضع قوي لتغيير قواعد اللعبة في مجال الطاقة النظيفة، ومع ازدياد الوعي البيئي والتحديات التي تواجه الصناعات الكبرى، قد يكون هذا الحل السحري هو ما نحتاجه لتحقيق مستقبل يعتمد بشكل أكبر على مصادر الطاقة المتجددة والمستدامة.