
المنصات دون كود .. تشهد السنوات الأخيرة انتشارا واسعا لما يعرف بالمنصات دون كود. وهي بيئة تقنية تتيح إنشاء تطبيقات أو مواقع إلكترونية دون الحاجة إلى معرفة لغات البرمجة المعقدة. وقد شكل هذا التوجه قفزة نوعية في عالم الرقمنة. إذ سمح لشرائح واسعة من الأفراد بالدخول إلى مجال كان حكرا على المبرمجين والمتخصصين. وبذلك تحول الحلم إلى واقع حيث بات بإمكان أصحاب الأفكار والمشاريع تصميم حلول رقمية بأنفسهم دون المرور عبر خطوات برمجية طويلة.
تقوم فكرة هذه المنصات على توفير أدوات بصرية سهلة الاستعمال. إذ يعتمد المستخدم على السحب والإفلات وربط المكونات ببعضها. مما يجعله قادرا على بناء تطبيقات متكاملة في وقت وجيز.
وتظهر أهميتها في تمكين المؤسسات الناشئة والشركات الصغيرة .وحتى الأفراد من تحويل أفكارهم إلى منتجات رقمية قابلة للاستخدام. وهو ما يختصر الزمن ويقلل التكاليف ويمنح مرونة في التعديل والتطوير.
لقد أصبح الإقبال على هذه المنصات جزء من موجة عالمية نحو تبسيط التكنولوجيا. فهي لا تقتصر على قطاع واحد وإنما تتوسع في مجالات التجارة والتعليم والصحة والخدمات المالية. مما يعكس قدرتها على تغيير وجه الاقتصاد الرقمي.
كما أن المؤسسات الكبرى بدأت بدورها في اعتمادها لتسريع عمليات الابتكار الداخلي. وإطلاق خدمات جديدة دون انتظار أشهر من البرمجة التقليدية.
المنصات دون كود .. فوائد متعددة وتحديات قائمة
تقدم المنصات دون كود مزايا بارزة للمستخدمين. فهي أولا تقلل من الفجوة الرقمية وتمنح غير المختصين فرصة حقيقية لولوج عالم تطوير البرمجيات. وثانيا توفر مرونة عالية حيث يمكن لصاحب المشروع أن يجرب أكثر من نسخة من فكرته بسرعة كبيرة. كما تسمح بتقليل الاعتماد على فرق تقنية ضخمة. وهو ما يوفر النفقات خصوصا لدى المؤسسات الناشئة. إلى جانب أنها تمنح المؤسسات الكبرى سرعة أكبر في التكيف مع تغيرات السوق.
غير أن هذه المنصات تواجه في الوقت ذاته تحديات واضحة. فالمستخدم رغم قدرته على بناء تطبيقات دون كود قد يجد نفسه مقيدا عندما يرغب في إضافة وظائف معقدة تتجاوز إمكانيات المنصة.
كما أن مسألة الأمان تظل محورا حساسا. إذ إن التطبيقات المبنية بهذه الأدوات قد لا تتمتع دائما بمستوى الحماية المطلوب. وهو ما يثير تساؤلات لدى المؤسسات التي تتعامل مع بيانات حساسة مثل المصارف أو الهيئات الصحية.
التحدي الاخر يتمثل في اعتماد المستخدمين بشكل شبه كامل على المنصة نفسها، فإذا توقفت الخدمة أو حدث خلل في بنيتها التحتية، فإن المشروع المبني عليها يتعرض مباشرة للخطر، كما أن التخصيص في كثير من الأحيان يبقى محدودا بالمكونات التي توفرها الشركة المطورة للمنصة، وهو ما قد لا يلبي كل الاحتياجات، ومع ذلك فإن المزايا العديدة تجعل الكثير من المؤسسات تغامر بتبنيها وتوظيفها في مشاريعها.
مستقبل واعد وتوجه عالمي
يرى خبراء التقنية أن المنصات دون كود ستواصل توسعها في السنوات المقبلة، إذ يتوقع أن تصبح جزء أساسيا من استراتيجيات التحول الرقمي في المؤسسات، فالعالم يتجه نحو السرعة والبساطة والتكلفة المنخفضة، وهذه المنصات تقدم توليفة تجمع بين كل هذه العناصر، مما يجعلها مرشحة للانتشار في الأسواق الصاعدة مثل الدول الإفريقية والعربية حيث الحاجة ماسة إلى حلول تقنية رخيصة وسريعة.
كما أن المؤسسات التعليمية بدأت في إدخال هذه المنصات ضمن مناهجها لتدريب الطلبة على أساسيات التفكير الرقمي، وهو ما يفتح المجال أمام جيل جديد يملك القدرة على تحويل الأفكار إلى منتجات دون أن يكون خبيرا في البرمجة، ويعزز ذلك فرص الابتكار المحلي خصوصا في البلدان التي تفتقر إلى عدد كاف من المبرمجين المحترفين، وهو ما يجعل من هذه المنصات أداة ديمقراطية لفتح أبواب التقنية أمام الجميع.
ومع تطور الذكاء الاصطناعي، فإن المنصات دون كود قد تصبح أكثر ذكاء مستقبلا، إذ ستتمكن من اقتراح حلول تلقائية للمستخدمين وتصميم مكونات معقدة بمجرد وصف الفكرة كتابيا، وهذا يعني أن المسافة بين الفكرة والتنفيذ ستصبح أقصر من أي وقت مضى، الأمر الذي قد يحدث تحولا في طريقة بناء المشاريع الرقمية على مستوى العالم، ومع أن التحديات المتعلقة بالأمان والاعتمادية ستظل قائمة فإن التوجه نحو هذه الأدوات يبدو حتميا لأنها تمثل المستقبل الطبيعي للتقنية المبسطة.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله