
القفل الاجتماعي هو حالة يواجهها كثير من الناس دون أن يشعروا بها: عندما يصبح ترك منصة تواصل اجتماعي أمرا صعبا، ليس لأنها الأفضل دائمًا، بل لأن حياتنا الرقمية أصبحت مرتبطة بها. فمع مرور السنوات، يبني المستخدم صداقات، مجموعات دردشة، صورًا وذكريات، وحتى سمعة رقمية لا يسهل نقلها إلى مكان آخر. ومع أن المستخدم قد يشعر بالانزعاج من سياسات المنصة أو طريقة إدارتها للمحتوى، إلا أن فكرة “البدء من الصفر” تبدو مرهقة، مما يدفعه للبقاء حتى لو لم يعد يشعر بالراحة. وهكذا يتحول الارتباط العادي إلى نوع من التعلق القسري، يشبه إلى حد ما امتلاك مفتاح واحد لباب واحد لا يمكن تغييره بسهولة.
كيف تصنع المنصات هذا القفل دون أن نلاحظ؟
تعتمد منصات التواصل على ما يُعرف بـ “تأثير الشبكة”، أي أن قيمتها تزداد كلما ازداد عدد المستخدمين فيها. فعندما يكون أصدقاؤك أو عائلتك أو زملاؤك في منصة معينة، يصبح من الطبيعي أن تنضم إليها أنت أيضًا، وإلا ستفوتك الكثير من الأخبار واللحظات.
ومع الوقت، تجمع المنصات بيانات ضخمة عن المستخدم: تفضيلاته، محتواه، تفاعلاته، وحتى عاداته اليومية. هذه البيانات تجعل التجربة شخصية جدًا، مما يزيد من صعوبة الانتقال إلى منصة أخرى تبدأ معها من بداية فارغة. كما تستخدم بعض الشركات أنظمة إشعارات وتصميمات مدروسة تبقينا نعود مرارا وتكرارا، فنشعر بأن المنصة ليست مجرد تطبيق، بل جزء من روتين حياتنا. وهذا ما يحوّل الوجود الرقمي إلى بيئة يصعب الخروج منها دون خسائر.
هل يمكن كسر القفل الاجتماعي؟
رغم قوة هذا القفل، إلا أن التخلص منه ممكن عندما يدرك المستخدم أن بقاءه في منصة معينة ليس قدرا محتوما. فهناك منصات حديثة تسمح بنقل المحتوى أو النسخ الاحتياطي للبيانات، وبعضها يعتمد على أنظمة مفتوحة تتيح للمستخدمين التواصل عبر أكثر من تطبيق بسهولة.
ومع ذلك، يظل الحل الحقيقي في تبني فكرة “الاختيار الواعي”: أي أن يسأل المستخدم نفسه، هل أبقى لأن المنصة تناسبني فعلًا؟ أم لأنني أخشى الخروج؟ إدراك الفرق بين الحالتين يساعد على اتخاذ قرار أكثر صحة وحرية. وفي النهاية، القفل الاجتماعي ليس قيدًا معدنيًا، بل هو تراكم من العلاقات والذكريات والراحة، وإذا تمكن المستخدم من إعادة ترتيب أولوياته، سيكتشف أن بإمكانه التحرر منه حين يشاء وبخطوات أقل صعوبة مما ظن.
بن عبد الله ياقوت زهرة القدس



