
تمثل السيدة “مساهل حليمة” نموذجًا ملهمًا للشباب الجزائري، الطامح إلى دخول عالم الاقتصاد والإنتاج الصناعي، من خلال مشروعها الرائد في مجال التصنيع شبه الصيدلاني. فقد استطاعت أن تجعل من مبادرتها منصة عملية لدمج الطلبة والعمال في حلقات الإنتاج، وخلق جيل جديد مُكوَّن على مهارات التصنيع داخل الوطن.
ويقوم مشروعها، المعروف باسم “القايدة حليمة ديزاد”، على تطوير تركيبات كيميائية جديدة ومتطورة داخل جامعة العلوم والتكنولوجيا “محمد بوضياف”، مع توجيه هذه المنتوجات نحو الاستعمال في المستشفيات، ما يمنح مشروعها طابعًا وطنيا عمليا يمس القطاع الصحي مباشرة.
هذا التوجه، جعل من تجربتها أول مشروع وطني لتطوير مواد شبه صيدلانية بتركيبات مبتكرة تستعمل لأول مرة في الجزائر، وهو إنجاز يعكس قدرة الشباب الجزائري على اقتحام مجالات حساسة ودقيقة، مثل الصناعة شبه الصيدلانية، اعتمادا على البحث العلمي والتكوين الأكاديمي المتخصص. كما أن مشروعها لا يقوم فقط على الابتكار التقني، بل يتجاوز ذلك، نحو تكوين الطلبة ميدانيًا وتعليمهم طرق وأساليب التصنيع، وهو ما يجعل من مبادرتها حلقة وصل بين التعليم العالي ومجال الإنتاج، في تجربة عملية قلّ نظيرها.
مسار علمي ومهني راسخ يبني مشروعا رائدا
تملك السيدة “مساهل حليمة” خلفية علمية قوية، مكنت مشروعها من الانطلاق على أسس متينة؛ فهي متحصلة على 3 شهادات بكالوريا علمية بدرجات ممتازة، إضافة إلى شهادات عليا في الكيمياء من جامعة العلوم والتكنولوجيا “محمد بوضياف” بوهران، كما تابعت تكوينا عاليا آخر في مجال الصيدلة كمحضّرة صيدلانية.
عملت مساهل لمدة 7 سنوات في قطاع الصحة بوهران، داخل الصيدلية المركزية، ما منحها خبرة ميدانية واسعة في التعامل مع المستحضرات الصيدلانية ومتطلبات القطاع الصحي. ومع هذا الرصيد العلمي والمهني، توجهت نحو البحث العلمي والتحضير الكيميائي والتركيبات التقنية بهدف المساهمة في تحسين الصحة الجزائرية وتطويرها، عبر منتجات جديدة ذات جودة عالية.
ولم يقتصر نشاطها على الجانب العلمي، بل امتد ليشمل تأطير طلبة جامعيين وتكوينهم في مجال الصناعة شبه الصيدلانية، وتشجيعهم على الانخراط في هذا القطاع الحيوي. وقد تمكنت من توقيع اتفاقية تعاون وتبادل خبرات بين مديرية الصحة والسكان لولاية وهران، تحت وصاية مدير الصحة “حاج بطواف”، وبين جامعة العلوم والتكنولوجيا “محمد بوضياف” برعاية مدير الجامعة “أحمد حمو”، بهدف فتح المجال أمامها كإطار مميز يقود مشروعا، هو الأول من نوعه في الجزائر. وتأتي هذه الاتفاقية لتجعل التعاون بين الجامعة والقطاع الصحي أكثر تنظيمًا، بما يخدم الصحة العمومية والتعليم العالي معًا.
حضور سياسي فعّال ودعوات لتسهيل المبادرات الاقتصادية
حضرت السيدة “مساهل” مؤخرًا اجتماع الجمعية العامة لحزب العمال بالجزائر العاصمة، بحضور السيد “بوبغلة حميد” مسؤول التنظيم بالعاصمة، وعضوي الحزب “بن دنيا محمد الأمين” و”بختاوي حميد” من وهران. وقد طرحت خلال هذا اللقاء تساؤلات محورية حول التسهيلات الممكن تقديمها للموظفين الراغبين في الانتقال من القطاع العمومي إلى القطاع الخاص، خصوصًا لمن يمتلكون مشاريع صناعية ذات منفعة وطنية، مثل مشروعها.
كانت “مساهل حليمة” رئيسة لجمعية خيرية لمدة تجاوزت 5 سنوات، وهو مسار لم يكتفِ بمنحها خبرة في العمل التطوعي فحسب، بل شكّل لها مدرسة حقيقية في فن القيادة. فمن خلال تعاملها اليومي مع العائلات المحتاجة، وتنظيم المبادرات الإنسانية، والتنسيق مع مختلف الأطراف والمتطوعين، اكتسبت حليمة قدرة عالية على إدارة الفرق، واتخاذ القرارات تحت الضغط، وفهم احتياجات المجتمع بشكل عميق. هذا الاحتكاك المباشر مع الواقع الاجتماعي لوهران عزز من صلابتها، ورفع من وعيها، وطور حسّها القيادي ليصبح أكثر نضجًا وفاعلية، مما جعلها اليوم شخصية قادرة على قيادة أي مشروع بشغف ومسؤولية
جاء تدخلها ليعكس وعيها بالدور السياسي والتنظيمي في دعم المبادرات الاقتصادية، لا سيما تلك التي تساهم في تطوير الإنتاج المحلي ورفع مستوى الصحة الوطنية. وقد حظي موضوعها باهتمام أعضاء الحزب، الذين اتفقوا على عقد لقاءات مستقبلية لمناقشة الإمكانيات المتاحة لدعم هذا النوع من المشاريع، وتدارس السبل التي يمكن أن تُحسّن ظروف العمال، وتساهم في ازدهار الإنتاج الوطني داخل القطاع الصحي.
يمثل هذا الحضور إضافة نوعية لمسيرتها، لأنه يمنح مشروعها بعدًا مؤسساتيًا يدعم استمراريته ويُسهم في إزالة العقبات الإدارية التي تواجه الشباب أصحاب المشاريع. كما يؤكد أن مبادرتها لم تعد مشروعًا فرديًا، بل تحولت إلى قضية وطنية ترتبط بالصحة والتعليم والصناعة معًا، وتسعى إلى تعزيز التصنيع المحلي بمواد جديدة تُستعمل لأول مرة في الجزائر.
بن عبد الله ياقوت زهرة القدس



