بكل صراحة

الـرّجـوع إلــى الأصل فـضـيـلـة

بــكــل صــراحــة

كتب الشيخ البشير الإبراهيمي يوما في جريدة البصائر في سنوات الأربعينيات من القرن الماضي، مقالا مطولا عن الاستدمار الفرنسي ومشروعه التوسعي من المحيط إلى الخليج، ولكن ما لفت انتباهي، تلك القراءة الاستشرافية للشيخ الجليل الراحل عن المستدمر، سواء كانت فرنسا أو أمريكا، وكيف يتبادلان الأدوار فيما بينهما تحت حجج تجعل الرأي العالمي يظن أنهما في خلاف كامل ومنافسة شديدة، ولكنهما في تكامل قوي وتفاهم مبني على المصالح التوسعية الإستدمارية المشتركة فيما بينهما. ولعل أهم نقطة استوقفتني هي ما قاله حول الدور الاستدماري لأمريكا وما عرف لاحقا في نهاية القرن الماضي بعلم المستقبليات أو الإستشراف، حيث قال:” إن أمريكا يدها على إيران ورجلها في السودان وعينها على وهران”. وهنا بيت القصيد ومربط الفرس، بعد تقسيم السودان أصبحت الجزائر أول دولة في إفريقيا من حيث المساحة والصهاينة لن يقبلوا بدولة عربية مهما كانت مساحتها مثل الجزائر. ولعل الربيع العربي من المنظور الغربي، الضياع والدمار والخراب العربي في أرض الواقع قد تنبأ به الشيخ البشير الإبراهيمي منذ عقود خلت، قبل أن يكتب فوكوياما كتابه الشهير “نهاية  العالم” الذي وُصف بعبقري زمانه و”عرّاف” القرن العشرين، وقبل أن نكتشف خريطة الطريق الاستدمارية لأمريكا وحلفائها بسنوات طويلة من منطلق “الشرق الأوسط الكبير” الذي تم تصميمه وحياكته حسب مقاس هذه الدول الإستدمارية الكبرى تحت أعين “عرّاب” السياسة الخارجية الأمريكية “هنري كيسنجر” واللوبي الصهيوني، لكن كل العيب فينا نحن، لأننا أهملنا تاريخنا وسيرة علمائنا الأجلاء وقادتنا الزعماء ورُحنا نبحثُ عن البدائل عند غيرنا، وتحديدا عند من لا يُحبّ لنا الخير ولو كان يُظهر لنا ظاهريا المحبّة والرخاء، فضيّعنا الكثير من الوقت والجُهد والمال والموارد البشربة، فماذا كان يضرُُّنا لو عدنا إلى أصولنا؟.. أليس الرجوع إلى الأصل فضيلة؟ الجزائر الجديدة هي المصالحة مع الذّات الجزائرية بكل دلالاتها وأبعادها وعُمقها، في كل مناحي الحياة والمجالات والقطاعات، ولكن رأسمالها الحقيقي هو “المواطن الجزائريّ وليس البترول أو الغاز، فلا يمكن بناء هذه الجزائر التي جعلها رئيس الجمهورية نُصب عينيه إلا بسواعد أبنائها وبناتها، وما الرافد الخرى إلا تحصيل حاصل، ولن يكون ذلك إلا بالتشبث الكامل بالقيم النوفمبرية وترسيخها في أذهاننا جيلا بعد جيل، لأنّ “الجزائر الجديدة” هي الرّجوع إلى أصلنا وقيمنا ومُّكونات هُويتنا، قولا وعملا وليس خطابا وشعارا، ونحن نستقبل العام الجديد نسأل الله ان يكون فاتحة خير تنضاف إلى وطننا وشعبنا، ونفتح صفحات جديدة من التطور والنماء والإزدهار، وأن نضع اليد في اليد من أجل الغد الرائع، لأننا لا نملك سوى وطنا واحدا ولا نقول إلا “تحيا الجزائر”.

بقلم: رامــي الــحــاج

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى