تكنولوجيا

الطب الدقيق بالذكاء الاصطناعي..روبوت بحجم حبة رمل يفتح آفاقًا جديدة

الطب الدقيق بالذكاء الاصطناعي .. نجح فريق من العلماء في الصين في ابتكار روبوت طبي متناهي الصغر لا يتجاوز حجمه حبة رمل، ويتميز هذا الجهاز المصغر بقدرته على الجمع بين وظيفتي الاستشعار والتوجيه في آن واحد، وهو ما يعد خطوة نوعية في مجال تطوير الأدوات الطبية الذكية، حيث يمنح الأطباء إمكانية تحديد جرعات الأدوية بدقة عالية إلى جانب المراقبة الداخلية المستمرة للوظائف الفسيولوجية داخل الجسم، ويمثل هذا الإنجاز بابا مفتوحا أمام ثورة علاجية قد تغير الكثير من الممارسات الطبية التقليدية.


 

الطب الدقيق بالذكاء الاصطناعي .. قدرات الروبوت الدقيق

الروبوت الجديد الذي جاء ثمرة تعاون بحثي بين جامعة “هواتشونج” للعلوم والتكنولوجيا في مقاطعة هوبي والجامعة الصينية في هونغ كونغ، يتميز بكونه مغناطيسا ويعمل في الوقت ذاته بالموجات فوق الصوتية، وقد صُمم بقطر لا يتجاوز 1.3 ملم مع وزن خفيف للغاية لا يتعدى 4.6 مليغرام، وهو ما يمنحه القدرة على الحركة داخل الأنسجة الدقيقة والتعامل مع البيئات المعقدة داخل الجسم.

وقد ذكرت التقارير العلمية أن هذا الابتكار قادر على رصد متغيرات بيئية مهمة، مثل القوة والاهتزاز واللزوجة ودرجة الحرارة، مما يتيح للباحثين والأطباء متابعة المؤشرات الحيوية في الزمن الحقيقي وبدقة غير مسبوقة.

وتكمن أهمية هذه الخصائص في كونها تفتح مجالا لتتبع التغيرات الميكروسكوبية التي تحدث في الجسم، حيث تسمح بدراسة أدق التفاصيل في البيئات الداخلية التي لم يكن من الممكن الوصول إليها بسهولة سابقا، وبذلك يصبح هذا الروبوت بمثابة أداة ذكية يمكن الاعتماد عليها في توفير بيانات دقيقة تسهم في فهم كيفية تطور بعض الحالات المرضية، وهو ما قد يساعد على التدخل المبكر ومنع المضاعفات قبل حدوثها.

 

استخدامات عملية واختبارات ناجحة

لم يتوقف الابتكار عند مرحلة التصميم النظري، بل أثبتت التجارب العملية قدرته على أداء مهام ملموسة، فقد أوضح الباحثون أن الروبوت استطاع عبر آلياته الدقيقة أن يتعامل مع أجسام صغيرة جدًا مثل بيض سمك السلمون، حيث تم إثبات هذه القدرات من خلال تجارب مخبرية على نماذج حيوانية، كما نجح الروبوت في تحويل المؤثرات البيئية المختلفة إلى إشارات فوق صوتية يمكن متابعتها عن بعد، وهو ما يجعله أداة لا تقتصر على الرصد فحسب بل تمتد إلى تقديم بيانات تحليلية دقيقة تساعد الأطباء في التشخيص والمعالجة.

ومن بين الإنجازات اللافتة أيضًا، قدرة نسخة مطورة من الروبوت على العمل كمقياس حرارة داخلي، حيث نجحت في رصد تغيرات درجة الحرارة في نموذج لخنزير خلال الاختبارات المخبرية، بينما أظهرت نسخة أخرى على شكل كبسولة قدرتها على توصيل جرعات محددة من السوائل داخل معدة أرنب حي، وتمت متابعة مستوى الجرعة بدقة مع مرور الوقت، وهو ما يعكس إمكانيات واسعة في مجال إيصال الأدوية بشكل مباشر إلى المكان المستهدف داخل الجسم دون الحاجة إلى تدخلات جراحية معقدة.

وتكشف هذه النتائج أن التقنية الجديدة لا تمثل مجرد تجربة مخبرية معزولة، بل هي خطوة ملموسة نحو بناء جيل جديد من الأدوات الطبية التي يمكن استخدامها في الممارسة اليومية للأطباء، حيث تمنحهم دقة أكبر في متابعة الحالات المرضية ومرونة أعلى في توصيل العلاجات، مما يرفع من مستوى الأمان ويقلل من المخاطر المرتبطة بالطرق التقليدية.

 

آفاق مستقبلية واستخدامات واعدة

يمثل نجاح هذا الروبوت بداية مرحلة جديدة في مجال الطب الدقيق، إذ يفتح الباب أمام إمكانية تطوير أجهزة أصغر حجما وأكثر كفاءة، يمكنها أن تؤدي أدوارا متعددة في جسم الإنسان، ويؤكد الباحثون أن هذه التقنية تمهد الطريق لتطبيقات عملية واسعة النطاق، خصوصًا في مجال التشخيص المبكر للأمراض العصبية والعضوية، وكذلك في متابعة حالات مرضية مزمنة تحتاج إلى مراقبة دقيقة على مدار الوقت، وبفضل هذه الخصائص يمكن للروبوت أن يصبح أداة فعالة في إدارة الأمراض، وتحسين نوعية حياة المرضى.

كما أن إمكانية التحكم بالروبوت لاسلكيًا تمنح الأطباء القدرة على متابعة وظائفه وتعديل أدائه دون الحاجة إلى إجراءات إضافية، وهو ما يسهم في تقليل التدخل الجراحي والاعتماد أكثر على الأدوات الذكية المصغرة، ولا يقتصر الأمر على مراقبة الحالة الصحية فحسب، بل يمتد إلى تطوير طرق علاجية أكثر دقة وفاعلية من خلال إيصال الجرعات المناسبة مباشرة إلى الأعضاء المصابة دون أن يتأثر باقي الجسم، وهو ما يعد ثورة حقيقية في أسلوب العلاج التقليدي.

إن الطريق أمام هذه التقنية لا يزال طويلا لكن ما تحقق حتى الآن يمثل إنجازا علميًا بارزا يؤكد أن الروبوتات الدقيقة ستصبح جزء أساسيا من مستقبل الرعاية الصحية، حيث ستتطور لتصبح أدوات موثوقة تسهم في تحسين التشخيص والعلاج مع تقليل المخاطر، ومن المؤكد أن نجاح الفريق الصيني في دمج وظائف الاستشعار والتوجيه في جهاز لا يتجاوز حجم حبة الرمل سيكون مرجعًا مهمًا لتطوير أبحاث أخرى تسعى إلى الوصول بقدرات الطب الدقيق إلى مستويات غير مسبوقة.

بن عبد الله ياقوت زهرة القدس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى