
يبرز تقرير حديث لوكالة الطاقة الدولية تحولا لافتا في موازين الاقتصاد العالمي، إذ يكشف أن حجم الأموال الموجهة هذا العام إلى مراكز البيانات بلغ نحو 580 مليار دولار، وهو مستوى يتجاوز الاستثمارات المخصصة للبحث عن مصادر نفط جديدة بـ40 مليار دولار الأمر، الذي يعكس الوزن الاقتصادي المتصاعد للمشروعات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
وقد أثار هذا التقرير نقاشا واسعا في برنامج صوتي متخصص، تناول فيه المشاركون مستقبل الطاقة المتجددة ودورها في دعم الطفرة التي تشهدها البنية التحتية الرقمية التي أصبحت تنافس قطاعات الطاقة التقليدية.
طاقة هائلة مطلوبة وشمس تتقدم كخيار عملي
تجمع التقديرات على أن التوسع الكبير في إنشاء مراكز البيانات سيؤدي إلى ارتفاع غير مسبوق في استهلاك الكهرباء، مما قد يزيد الأعباء على الشبكات في عدد من الدول.
إلا أن بعض الخبراء يبدون قدرا من التفاؤل، إذ تشير المعلقة التقنية “كيرستنكوروسيك”، إلى أن الطاقة الشمسية أصبحت الطريق الأسهل والأقل تكلفة أمام الشركات التي ترغب في تشغيل منشآتها بعيدا عن الإجراءات المعقدة التي تفرضها القوانين التقليدية للطاقة.وترى “كوروسيك” أن هذا المسار يتيح فرصا لنمو شركات ناشئة تعمل على ابتكار حلول للطاقة النظيفة أو تطوير مراكز بيانات تعتمد على كفاءة أعلى، وهو ما يجعل التحول نحو الطاقة المتجددة خطوة قابلة للتنفيذ لا مجرد شعار بيئي.
ومع ذلك يظل التساؤل مطروحا حول قدرة هذه الحلول على تلبية الزيادة الحادة في استهلاك الكهرباء الناتجة عن الانتشار السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي.
استثمارات ضخمة وضغط متصاعد على البنية الكهربائية
تشير النقاشات التقنية إلى أن السباق نحو بناء مراكز بيانات تواكب الطفرة الحالية أصبح مليئا بأرقام غير مسبوقة، إذ تعهدت إحدى الشركات الرائدة بصرف تريليون و400 مليار دولار خلال الأعوام القادمة لتوسيع قدراتها في ما يتعلق بمراكز البيانات، كما رصدت شركة أخرى 600 مليار دولار في الاتجاه ذاته بينما أعلنت شركة ثالثة عن مشروع بقيمة 50 مليار دولار.
وتطرح هذه البيانات أسئلة حول مدى قدرة الشركات على المضي في هذه المشاريع الضخمة دون دعم حكومي، خاصة بعد الجدل الذي أثارته المطالب المتعلقة بتوسيع الحوافز الضريبية ضمن أحد القوانين المرتبطة بالصناعات التقنية.ويوضح التقرير أن نصف الطلب المتوقع على الكهرباء سيتركز في الولايات المتحدة فيما تتقاسم الصين وأوروبا الحصة المتبقية، ويُلاحظ أن غالبية المراكز تُشيَّد في محيط المدن الكبرى مما يزيد صعوبة ربطها بالشبكات الكهربائية.
ومن التجارب اللافتة مشروع “ريدوودإنرجي”، الذي يستند إلى إعادة استخدام بطاريات سيارات كهربائية قديمة لإنشاء شبكات صغيرة توفر الطاقة لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، مما يخفف الضغط على الشبكات الكبرى ويضمن إمدادات مستقرة في أوقات الذروة.
مراكز البيانات تغيّر شكل المدن والطاقة ترسم مستقبل القطاع
يتوقع الخبراء أن يؤدي التوسع الحاصل في تشييد مراكز البيانات إلى تغييرات عمرانية واسعة خلال السنوات المقبلة، إذ يمكن أن تتبدل بنية المدن وضواحيها نتيجة هذا النشاط المكثف حتى وإن لم تُبنَ المراكز داخل المناطق السكنية مباشرة.كما قد يواجه القطاع تحديات تتعلق بقدرة الشركات على مواكبة وتيرة البناء الكبيرة، وهو ما قد يؤدي إلى تبعات اقتصادية وعمرانية أوسع.
ويبدو واضحا أن مستقبل الذكاء الاصطناعي لن يُحدده التطور البرمجي وحده بل ستحدد مساره أيضا، قدرة شبكات الكهرباء على تلبية الطلب المرتفع، إضافة إلى اعتماد أكبر على مصادر الطاقة المتجددة وفي مقدمتها الطاقة الشمسية التي تظهر اليوم كخيار قادر على خفض التكاليف وتخفيف الضغط ودعم استدامة القطاع.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله



