
المحتوى بالذكاء الاصطناعي .. في خطوة لافتة تبرز مدى جدية الصين في تنظيم التكنولوجيا الحديثة. سارعت كبرى منصات التواصل الاجتماعي في البلاد . إلى تطبيق قانون جديد يفرض تصنيفًا واضحًا وصريحًا للمحتوى الذي تنتجه تقنيات الذكاء الاصطناعي. حيث أعلنت منصات معروفة من بينها “وي شات” و”دوين” عن تدابير جديدة تهدف إلى وضع علامات تحدد بدقة أن المحتوى ناتج عن أنظمة ذكية. وذلك في إطار توجه وطني شامل يسعى إلى تطهير الفضاء الرقمي من التضليل والمحتويات المُلفقة.
المحتوى بالذكاء الاصطناعي .. ويأتي هذا التوجه في وقت يتصاعد فيه القلق من الاستخدامات المفرطة لتقنيات الذكاء الاصطناعي. خاصة في مجالات النشر الإعلامي والترفيه والتسويق. إذ بات بالإمكان إنتاج صور ونصوص ومقاطع فيديو يصعب تمييزها عن المحتوى البشري.
وهو ما فتح الباب أمام التزييف وخداع الجمهور. الأمر الذي دفع السلطات الصينية إلى إصدار قانون يُلزم بوضع إشارات مرئية وخفية تُفصح عن أصل المحتوى ومصدره.
وقد أقرّ هذا القانون قبل أشهر، إلا أن تفعيله العملي بدأ مع بداية الأسبوع الجاري. وتضمن اشتراطات واضحة تلزم الشركات التقنية بوضع علامات رقمية ترافق المحتوى. سواء في صيغته المكتوبة أو المصورة أو المسموعة.
في حين تتركّز العلامات الخفية ضمن البيانات التقنية المرفقة مع كل ملف. مما يتيح تتبعه والكشف عن مصدره بسهولة في حال حصول تلاعب أو تزييف.
المحتوى بالذكاء الاصطناعي .. حملة وطنية لتصفية المحتوى الرقمي
تأتي هذه الخطوات في إطار مبادرة وطنية كبرى أطلقتها السلطات تحت اسم يترجم إلى “الوضوح والإشراق”. وهي حملة سنوية تهدف إلى تنظيف الفضاء الإلكتروني من المحتويات المخادعة والمضللة.
وقد أوكلت مهمة الإشراف على هذه المبادرة إلى الهيئة العليا للرقابة على الإنترنت. بالتعاون مع عدد من الجهات الحكومية ذات العلاقة مثل وزارة الصناعة ووزارة الأمن العام والهيئة الوطنية للبث.
وتظهر هذه الحملة مدى حرص بكين على السيطرة على تدفق المعلومات عبر الشبكة الرقمية. خصوصًا مع تصاعد مخاوف الخبراء من استغلال الذكاء الاصطناعي في نشر معلومات مزيفة. سواء في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. حيث سبق أن تم تداول مقاطع صوتية وصور معدلة تم استخدامها لأغراض تضليلية. وهو ما أثار القلق العام وفرض واقعًا جديدًا يتطلب تدابير أكثر صرامة.
وأوضحت منصة “وي شات”، إحدى أبرز وسائل التواصل في الصين، أن المستخدمين ملزمون بالإفصاح طواعية عن كل المحتوى الذي تم إنشاؤه باستخدام أدوات ذكية. كما شددت على أنها تحظر أي محاولة لإزالة أو تعديل العلامات التعريفية التي تضاف تلقائيًا من قِبل النظام، سواء كانت علامات ظاهرة للمستخدم أو إشارات رقمية مخفية داخل الملف. وذلك بهدف ضمان الشفافية والمصداقية.
وأكدت المنصة في بيان نشر حديثًا أنها لن تتسامح مع أي استخدام مسيء لهذه التقنيات. لاسيما إذا كان الهدف منها إنتاج معلومات كاذبة أو محتوى يخالف القوانين أو يحرّض على نشاطات غير قانونية. في حين طالبت المستخدمين بتحكيم العقل وعدم الوثوق المطلق بما يعرض عليهم. خاصة في ظل التداخل بين المحتوى الحقيقي والمزيف.
من جهتها، أعلنت منصة “دوين”. التي تعد النسخة المحلية لأحد التطبيقات المشهورة عالميًا.عن بدء تنفيذ سياسة مشابهة، حيث أوضحت أنها تشجّع المبدعين على تضمين علامات مرئية في كل محتوى ينتج باستخدام أدوات ذكية. وأشارت إلى أنها تعمل أيضًا على تعقب مصادر الملفات من خلال تحليل البيانات الرقمية المُرفقة بكل منشور.
رقابة ذكية تحاول فرض الشفافية
لم تقتصر الاستجابة على المنصات الكبرى فقط. بل شملت أيضًا مواقع تدوين مصغرة ومنتديات رقمية مختلفة.حيث سارعت العديد منها إلى تبني إجراءات تسهم في التحقق من محتوى المستخدمين. كما أطلقت بعض المنصات خيارات جديدة تسمح بالإبلاغ عن المحتويات التي يشتبه بأنها صادرة عن أدوات اصطناعية دون توضيح صريح من الناشر.
وقد أعلن في هذا السياق أن بعض المواقع بدأت بإدراج خانات تتيح للمستخدمين الإشارة إلى أن المحتوى يعتمد على الذكاء الاصطناعي أو لم يتم تصنيفه بعد. فيما شددت إدارة موقع تدويني شهير على أنها تحتفظ بحقها الكامل في تصنيف المحتوى بمعرفات صريحة أو خفية إذا لم يقم المستخدم بذلك. وذلك في إطار الالتزام بالقانون الجديد الذي يُعد من أشد القوانين في العالم في هذا الشأن.
وتعتبر هذه الخطوة جزءًا من توجه أوسع تبنته الهيئة المسؤولة عن حماية المستهلك في الصين. والتي أعلنت أن أحد أهدافها لهذا العام هو مراقبة دقيقة للمحتوى الناتج عن الأدوات الذكية. مع فرض تصنيف إلزامي وتغليظ العقوبات على كل من يستخدم هذه التقنيات لتضليل الجمهور أو التأثير على الرأي العام. عبر ما يعرف بالجهات المأجورة للتعليق أو التسويق الخفي.
وقد أكد مسؤولون أن الحملة ستشمل أيضًا ضبط ما ينشر عبر مقاطع الفيديو القصيرة والمنصات التي تعتمد على المؤثرين الرقميين. حيث سيتم التدقيق في الإعلانات والمحتويات الترويجية التي قد تكون مبنية على معلومات غير دقيقة أو مضللة. كما ستمنح أولوية لحماية المستخدمين القاصرين من التعرّض لمحتوى مزيف أو محفوف بالمخاطر.
الرقابة على المحتوى بالذكاء الاصطناعي..
وفي هذا الإطار، أعلنت بعض المنصات أنها بصدد تطوير أدوات تقنية جديدة تعتمد بدورها على الذكاء الاصطناعي. لكنها تعمل بالعكس، أي أنها مخصصة لاكتشاف وتحديد المحتوى المولّد عن طريق الأنظمة الذكية. وذلك لتسهيل عملية المراقبة والتصنيف وتفادي الاعتماد الكلي على التبليغات اليدوية أو الفحص البشري.
تؤكد هذه الإجراءات المتسارعة أن الصين تتعامل بجدية بالغة مع التحديات التي فرضها تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي. حيث تسعى إلى فرض توازن دقيق بين تشجيع الابتكار والحفاظ على أمن المعلومات وصدقها. وهو ما يتطلب تنظيمًا دقيقًا وشفافًا يضمن حق المستخدم في المعرفة دون أن يكون عُرضة للخداع أو الاستغلال.
ولا شك أن تجربة الصين في هذا المجال ستكون موضع اهتمام عالمي. خصوصًا في ظل غياب تشريعات مماثلة في العديد من الدول، ما يجعل البيئة الرقمية هناك أكثر انفتاحًا على المخاطر. ومن هنا تأتي أهمية بناء منظومات قانونية وتقنية تواكب سرعة التطور وتحمي في الوقت ذاته القيم الأخلاقية والمجتمعية.
ياقوت زهرة القدس بن عبدالله