المجتمع

الصفات الوراثية وقانون الجينات البشرية

أسرار وألغاز عالم التوائم

هل الناس هم نتائج جيناتهم (الموروثات)؟…وهل شخصية الإنسان مرتبطة بالصفات المنقولة بالوراثة؟ وهل للتأثيرات الطبيعية والمكتسبة بالتنشئة لها علاقة بالجينات؟ وأين نظرية (داروين) من حقيقة العلم المتطور خاصة بعد لغز قانون الجينات البشرية؟

التجارب المعمقة والدراسات الجادة الخاصة تلك المتعلقة بعالم التوائم، أكدت بأن الجينات لا تتحكم في الخصائص البدنية الفيزيائية مثل لون العين والطول فحسب، بل لها تأثير كبير على سلوك الإنسان وطبيعته، وهذا ما ذهب إليه أحد علماء النفس من مركز الدراسات المتقدمة في العلوم السلوكية في جامعة (ستانفورد) الدكتور (هابر ليدرمان) حين قال: إن المؤشر يميل إلى جانب علماء الأحياء ويبتعد عن جانب خبراء البيئة، فهل معنى هذا أننا اليوم بحكم خصائصنا وصفاتنا نتاج سمات جينية نقلت إلينا عبر الأجيال؟…سؤال آخر يفرض نفسه بإلحاح شديد وهو: هل يمكن أن تبطل البرامج الاجتماعية والطرق التي نربي بها أطفالنا مفعول الوراثة؟ عالم الأحياء المجهرية من المعهد التكنولوجي في (ماساتسوسش) الدكتور (دفيد بالتيمور) يؤكد قائلا: لن يكون بالإمكان افتراض المساواة إذا كان بإمكانك أن تثبت بسهولة الاختلافات الموجودة بين الناس على المستوى الجيني.

الباحثون….وحرب النظريات

مركز مينيسوتا بالولايات المتحدة الأمريكية المختص في أبحاث التبني والتوائم، أجرى منذ 1979 المئات من التجارب والدراسات على التوائم، بحيث تمكن من استخلاص جديد واستنتاج علمي مفاده أن عنصر تحديد صفات الإنسان “آ.دي.آن” في خلالا الجسم له تأثيرات في المجتمع، وهو الذي يقرر الطريقة التي يفكرون بها ويتصرفون على ضوئها أولئك التوائم، ليضيف العالم دافيد بالتيمور، بأنه من الصعب أن نفهم كيف لا يصدق الناس بالتأثير القوي للجينات على سلوكيات الإنسان، بل إن الدراسات المعمقة ذهبت إلى إثبات أن الجينات نفسها تفسر الأعراض الأخرى مثل الخوف المتنوع الأسباب وحالات الاكتئاب والإدمان على المخدرات والكحول. كما أن هناك بعض علماء الأحياء من يشاطرون النظيرة القائلة بأن الجينات البيئية تعمل كجزئين من نظام واحد، وفي بعض الأحيان يكمل كل واحد منهما الآخر وأحيانا أخرى يعمل كل واحد منهما على نحو مستقل عن الآخر، بمعنى آخر أيضا أن الإنسان قبل ولادته يكون معدا بشخصية جاهزة قد تكون حتمية بيولوجية مثل الذكاء والنزاعات العدوانية، وهذا ما توصل إليه الباحثان الأمريكيان في جامعة جنوب كاليفورنيا عالم النفس سارتوف مدنيك وأيضا جيمس ويلسون البحث في علم الجريمة من جامعة هارفارد مثل هذه النتائج أثارت جدلا كبيرا، ولقيت سخطا لدى بعض الباحثين لكن الباحث مدنيك، رد عليهم قائلا: إن بعض الناس بنوا حياتهم العلمية على أساس الافتراض القائل بأن الصفات المورثة لا تلعب دورا رئيسيا في تحديد السلوك البشري، وهؤلاء لا يستطيعون الفصل بين الحقيقة العلمية والعقيدة السياسية.

دراسات وأبحاث حول التوائم

في المقابل لم يقف أصحاب نظرية التنشئة مكتوفي الأيدي أمام علمية الجينات وأهميتها، ومن بين هؤلاء عالم النفس السوفياتي إيفان بافلوف صاحب عبارة الفعل المشروط، والعالم النفساني الأمريكي بي سكيز وحذروا من مخاطر الاستسلام للمصائر الجينية لدرجة أن واحدا من هؤلاء عالم الأحياء رون هوبارد قال معلقا على ذلك بأن من يؤمن بأهمية الجينات، إنما يصور الناس وكأنهم يتكيفون بيولوجيا لكي يعيشوا في مجتمعات تسودها التنافسية والطبقية، وتسيطر فيها مجموعة صغيرة ومتفوقة من الرجال على كل شيء آخر، كما أضاف من جهته البروفيسور كريستوفر فرجنكس بأن هذه الفلسفة المتمسة بالتبسيط والخطورة تتجاهل حقيقة أن للجريمة والفقر مسببات اجتماعية.

من خلال الأبحاث والدراسات التي قام بها علماء على عدد معين من التوائم توصلوا إلى نتائج جد مذهلة ومن بينها النماذج الثلاثة الفريدة من نوعها:

النموذج الأول: شخصية محددة رسمتها التربية

جين نلسون وجون جاردينز هما توأمان قد انفصلا في صغرهما وتم تبنيهما من قبل أخ وأخته وهما متشابهان في الكثير من الصفات والتصرفات لدرجة يصعب التفريق بينهما، وفي ذلك تقول جين لا أستطيع أن أجد أي اختلاف بيننا، إننا نبدو وكأننا شخصا واحدا في كل شيء، لكن الاختلاف الوحيد بينهما الذي حيّر الباحثون هو ميولهما الموسيقية على البيانو يوميا، بينما والدة جين بالتبني التي كانت مدرسة بيانو تركت الحرية لها، ومن هنا اتضح الاختلاف في أسلوب التربية وصارا للتوأمان جين وجون شخصية محددة رسمتها التربية.

النموذج الثاني: رغم الفراق تشابه في المواصفات

في سنة 1977 افترق التوأمان الذكران دوين وبول ودام فراقهما 69 سنة، وهي الفترة اليت سجلت في كتاب جينس للأرقام القياسية، وبعدها التقيا ليجدا نفسهما مختلفان في شكلهما وحياتهما الخاصة، بحيث أن دوين خريج الجامعة صار أمين مكتبة قبل إحالته على التقاعد، وبعدها أصبح عازفا ماهرا على آلة الأوج وهوايته المفضلة جمع التماثيل الزجاجية مازال أعزب ومصابا بداء السكري، ولا يمارس أي نوع من الرياضة بينما بول صار مسؤولا في شركة صناعية قبل التقاعد ودون إتمام دراسته الجامعية، متزوج وأب وجد ومازال نشيطا ورياضيا ويمارس هواية صناعة القوارير الخشبية، ورغم هذا الاختلاف بينهما هناك صفات تجمعهما بحيث أنهما متساويان في الطول ويمشيان بسرعة وبنفس الخطوات، ويضعان اليد اليمنى على البطن أثناء الجلوس ويلعبان بالنقود المعدنية ولحظة غضبهما ولهما ميزاجا حادا، ومن برامجهما التلفزيونية المفضلة هي النشرات الإخبارية وأشياء أخرى كذلك.

بقلم: هـشـام رمـزي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى