تكنولوجيا

السباق يشتعل.. ميتا تقود ثورة الهواتف الذكية

في خضم سباق محموم نحو المستقبل التقني، تواصل شركة “ميتا” العمل بسرية وتخطيط دقيق لتغيير مفهوم الهواتف الذكية التقليدية، مركزة جهودها على تطوير تقنيات ترتكز على الواقع المعزز والنظارات الذكية، وذلك في ظل قناعة راسخة لدى رئيسها التنفيذي “مارك زوكربيرغ” بأن هذه الأجهزة ستحلّ مستقبلاً محل الهواتف المحمولة التي نعرفها اليوم.

 

 استقطاب العقول وبناء قاعدة ذكاء صناعي قوية

خلال الأشهر الأخيرة، ظهرت تقارير عدة تشير إلى أن “ميتا” تبذل جهودًا كبيرة لاستقطاب أفضل الكفاءات في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال عروض عمل مغرية، حيث قامت مؤخرًا بضم مسؤول تنفيذي بارز في قسم الذكاء الاصطناعي بشركة “أبل” المنافسة، كما أنها تستثمر مبالغ طائلة في الاستحواذ على شركات ناشئة متخصصة في الذكاء الاصطناعي.

تأتي هذه التحركات في إطار رؤية شاملة تسعى من خلالها “ميتا” إلى ربط تقنيات الذكاء الاصطناعي بالواقع المعزز، وبناء نظام متكامل يساعد في تطوير أجهزة ذكية قادرة على فهم السياقات المحيطة والتفاعل مع المستخدم بطريقة طبيعية وسلسة، ومن بين أبرز الشركات التي استحوذت عليها مؤخرًا شركة ناشئة متخصصة في إنتاج الأصوات الطبيعية للأنظمة الذكية مما يعزز قدرتها على محاكاة المحادثة البشرية.

هذا التوجه لا يبدو بعيدًا عن اهتمامات “ميتا” السابقة، إذ إن الشركة كانت وما تزال مهووسة بفكرة العوالم الافتراضية، وقد ضخت منذ سنوات مليارات الدولارات في هذا المجال، من خلال وحدات مثل “ميتا كويست” التي تُعد من أشهر نظارات الواقع المعزز والتي جاءت ثمرة لصفقة استحواذها على شركة “أوكولوس” عام 2014.

 

من كويست إلى أوريون “ميتا” تُراهن على تجربة غامرة جديدة

رغم أن نظارات “ميتا كويست 3” لا تحقق أرباحًا ضخمة في الوقت الحالي، إلا أنها تمكّنت من فرض نفسها كلاعب رئيسي في سوق الواقع المعزز، بفضل قوتها التقنية وسعرها المناسب وتوفرها على محتوى متنوع يغري المستخدمين بخوض تجارب رقمية تتخطى حدود الترفيه، وتستهدف أيضًا التعليم والعمل والتواصل الاجتماعي.

ولا يقتصر رهان الشركة على هذه الفئة من النظارات، بل إنها تعمل أيضًا على تطوير سلسلة جديدة من الأجهزة الذكية بالتعاون مع علامات تجارية شهيرة في عالم الموضة، على غرار شراكتها مع “راي بان” التي أسفرت عن إنتاج نظارات ذكية نالت استحسانًا واسعًا فاق التوقعات عند إطلاقها.

ومن المرتقب أن تطرح “ميتا” قريبًا نسخة استهلاكية من نظارات تحمل اسم “أوريون”، وهي نسخة أكثر تطورًا وخصوصية تستند على الذكاء الاصطناعي لفهم البيئة المحيطة بالمستخدم، مما يجعلها قادرة على تنفيذ أوامر شفهية بذكاء وفهم سياقي عالي الدقة، في خطوة ترمي إلى تقليص الاعتماد على شاشات الهواتف الذكية ومفاتيح اللمس التقليدية.

 

 رهان على المستقبل ومنافسة مفتوحة مع الكبار

الرهان الكبير الذي تخوضه “ميتا” اليوم يتجاوز حدود التقنية، فهو رهان على كسب الصدارة في سوق المستقبل، سوق لا مكان فيه للأجهزة التقليدية، بل يتطلب حلولاً ذكية ترافق الإنسان وتندمج في حياته اليومية بسلاسة، وهذا ما تسعى الشركة لتحقيقه عبر تعزيز تقنيات الواقع الممتد وتمكين الذكاء الاصطناعي من العمل في بيئة مرئية تفاعلية.

ورغم أن “ميتا” قد تكون تأخرت في دخولها سوق الهواتف الذكية التقليدية مقارنة بشركات مثل “أبل” و”سامسونغ”، إلا أنها اليوم تبدو مصممة على تجاوز هذه المرحلة والانطلاق نحو آفاق جديدة من خلال بناء منظومة قوية تعتمد على النظارات الذكية المدعومة بذكاء اصطناعي متقدم، حيث تشير كل تحركاتها إلى رغبتها في فرض اسمها بقوة في مجال لا يزال في بداياته.

المنافسة في هذا المجال مفتوحة، وكل من “سامسونغ” و”أبل” يملكان خططًا طموحة بدورهما، لكن “ميتا” تتبنى مقاربة مختلفة تقوم على الجمع بين الاستثمار في البنية التقنية واستقطاب العقول النابغة وتوسيع محفظتها من الشركات الناشئة، وهي بذلك تضع أسسًا استراتيجية لنمو طويل الأمد يجعلها في موقع الريادة عند انفجار سوق الواقع المعزز مستقبلاً.

في النهاية، يبدو أن “ميتا” لا تسعى فقط لتقديم جهاز جديد، بل لتغيير الطريقة التي نتفاعل بها مع العالم الرقمي من حولنا، وهي تدرك أن الذكاء الاصطناعي سيكون المفتاح الحقيقي لتحقيق هذه القفزة النوعية في مجال التقنية.

ياقوت زهرة القدس بن عبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى