
إنّ دور الآلة لم يعد قاصرا فقط على مساعدة الإنسان لإنجاز أعماله في وقت وجيز وبوتيرة أسرع، بل أصبح بوسعها تعلم كيفية إتمام المهام دون تعليمات بشرية صريحة. يعود هذا الفضل للتطور الهائل في تقنيات وبرماجيات الذكاء الأصطناعي واستخدامها في قطاعات عديدة، كالبحث والأمن والصحة والبيئة والتعليم والثقافة والتجارة وغيرها.
لقد قد حذّر باحثون وقادة في قطاع التكنولوجيا من مخاطر جسيمة على المجتمع والإنسانية لأنظمة الذكاء الإصطناعي داعين إلى وقف تطويرها لمدة 6 أشهر إلى حين أعتماد أنظمة حماية منها، ترافق هذا مع توقعات بأن يحل الذكاء الإصطناعي مستقبلا محل قرابة 300 مليون وظيفة. إنّ ثورة الذكاء الإصطناعي بعض النماذج لاستخدام تطبيقاته العديدة، كما في روبوتات توصيل الطلبات وخدمة وخدمة الدردشة الآلية، ليس هذا فحسب فقد بات بإمكان الذكاء الإصطناعي كتابة المقالات ونظم الشعر ورسم اللووحات الفنية يصعبُ تمييزها عن الإبداع البشري. وأبضا الهواجس المرتبطة باستخدام تطبيقات الذكاء الإصطناعي وتأثرها على القوة العاملة البشرية وما يمثل استخدام بعضها من تهديد أقيم الخصوصية والإستقلالية الفردية.
الألة والإنسان
لكن ما هي الآفاق المستقبلية لتقنيات الذكاء الإصطناعي والتحديات التي تواجهها وكيف يمكن حماية البشر من تغوّلها، وإمكانية التحكم فيه وتطويعه مما يُحقق النتائج المفيدة؟ إنها حقبة تلو الأخرى وعبر التاريخ تمضي التكنولوجيا قًدما سواء كانت المجتمعات جاهزة ام لا، وفي بعض الأحيان يكون من الأفضل الاحتفاظ بالقوى العاملة البشرية للحفاظ على مصادر دخل الناس. ومنذ اللحظة التاريخية مع كل تطور تكنولوجي، مثلما هناك وظائف تنقرض هناك في المقابل وظائف جديدة، وعليه فإن تفوق الآلة على الإنسان شيء مستحيل لأنها أصلا من صنع الإنسان وأي تطوير عليها سيكون كبعا من طرف الإنسان، هذا التطور اذي سيبقى يجب علينا العمل على كيفية استخدامه للبقاء أيضا في السوق. الذكاء والسرعة، الدقة والجودة، أربع صفات إقتنصتها الثورة الصناعية الرابعة من الإنسان واعطتها للألة في حقبة أصبحت الآلة فيها في كثير من الأحيان الفاعل لا المفعول به، تزحف بذكاء نحو فرص العمل فتستولي عليها وتثير المخاوف لدى أصحابها، وكل ذلك لم يكن في الحسبان عندما عرف العالم الثورة الصناعية الأولى في منتصف القرن الثامن عشر.
الثورات الصناعية الأربع
في البداية ومع الثورة الصناعية الأولى 1750 كان التحول من العمالة اليدوية إلى استخدام الآلة في التصنيع، فتم اختراع محرك البخار الني أحدث نقلة كبيرة إنعكست على لتوسع في إنشاء المصانع على سبيل المثال, ثم جاءت الثورة الصناعية الثانية 1870 والتي تميزت باكتشاف السكك الحديدية واختراع التلغراف واكتشاف الكهرباء، وهي الإبتكارات التي تظافرت معا مانحة الصناعة نطاقا واسعا للنمو والتطور والكبيرين. ثم الثورة الصناعية الثالثة 1969 والتي تعرف أيضا بالثورة الرقمية، بدأ عصر الكمبيوتر والأتمتة حيث استعملت التقنيات الرقمية على نطاق كبير وهي التقنيات التي أظهرت قدرتها على الإستيلاء على قدر من قوة عقولنا بالإضافة إلى مهاراتنا اليدوية، لذى إنّ ما يجعل الثورة الصناعية الرابعة 2011 مختلفة بحق هي قدرتها على دمج كل هذا معا، حيث أدمجت العمل اليدوي والقدرة العملي والذكاء الإصطناعي وربط الأنظمة الفيزيائية والبيولوجية والبرمجيات تحت سقف واحد.
الألات الذكية
الذكاء الإصطناعي هي تقنية تعمد على عمل الحواسيب والتي تتطور بسرعة كبيرة، ويعمل على حل المشكلات الكبيرة بسرعة هائلة في أجهزة الكمبيوتر للتعرف على الأنماط المختلفة للسلوك وتحديد المشكلات والتنبؤ بردود الأفعال، والتعرف على سلسلة من البيانات تتكرر بطريقة يمكن العرف عليها، الأمر الذي يجعله قادرا على محاكاة الذكاء البشري. كما أن الأتمتة والروبوت الإصطناعي تساعد على تسريع خطوط العمل واتخاذ بعض القرارات التي كان يتطلب وجود الإنسان لاتخاذها، مما يساعد على رفع الإنتاج أو خفض كلفته لدى الشركات. وعليه نماذج عديدة عكست ما تحملة الثورة الصناعية الرابعة من تقدم للألات الذكية لتعزيز مكانتها بعد أن إحتلت وظائف كانت دوما حكرا على البشر، فصارت تلعب الموسيقى وترسم اللوحات، تنظف المنازل وتؤمنها، وتقدّمت أيضا في الوظائف الخطيرة وحلت محلّ الإنسان في المطارات والمستشفيات والمطاعم والمقاهي وحتى في الملاعب، ورغم ذلك لم تشفع الآلة، بل تقدمت النشرات وتحدثت في المؤتمرات وردت على الإستفسارات، وما خفي كان أعظم.
روبوتات التوصيل.. نموذج
في ابريطانيا وتحديدا في مدينة (ميلتون كينز) مال العاصمة البريطانية (لندن)، نعزّ السكان عل مشهد روبوتات التوصيلات الذكية تجوب شوارع المدينة، حيث تدير شركة (شتارت شيب) حيث تدسر حول 200 روبوتات آلي يقومون بتوصيل الأطعمة الساخنة والطرود والمواد البقالة إلى سكان المدينة الصغيرة، هذه الربوتات مزودة بـأجهزة إستشعار مع 12 كاميرا مع بطاريات يمكنها من السير 4 أميال في الساعة ما يعادل سرعة المشي لدى البشر. وفي الشهر الأول لتفعيل التوصيل عبر الروبوتات في مقاطعة (كمبورن) في مدينة (كامبريدج) والتي حلت بها الروبوتات في عام 2022 ساهم في ذلك بتوفير ما يقدر بـ 7798 ميلا من رحلات السيارات وتقليل انبعاثات أوكسيد الكربون بمقدار 1.670 كلغ. روبوتات التوصيل إستحسنها كثيرا السكان وأحبوها لأنها تساعد كثيرا الأشخاص الكبار في السن والذين لديهم مشاكل صحية والذيم يقطنون لوحدهم في البيت، بحيث كانت أسرع لأن الطلب يأتي لبيت واحد فقط، وهذا ما يخالفه أصحاب التوصيلات بالدراجات الهوائية الطين يقولون بأنهم بإمكانهم القيادة بسرعة عالية بينما تعجز الربوتات عن ذلك، ويضيف البعض قائلا أنه من المؤسف جدا والمحزن أن يشعروا كبشر بأنّ أعمالهم آخذة في التناقص أمام منافسة الروبوتات بإمكانيات فائقة، إذا لم تكن تلك الروبوتات موجودة بالتأكيد سيقوم البشر بتلك الأعمال، ما يعني تأمين مصدر دخل لهم. إن الربوتات لا تقوم بالعمل من تلقاء نفسها بل تُسيّر من طرف البشر، ومع تطرو الحياة أصبح الناس يبحثون عن حلول أكثر حداثة وروبوتات التوصيل مثال لذلك، وعليه لا يستبعد أن تأخذ هذه الروبوتات وظائف العاملين في التوصيل.
بقلم: أحــمــد الــشــامــي