
أصبح العالم في الوقت الراهن لعبة دبلوماسية إستراتيجية في عالم اقتصادي محض حديث متقدم عدواني ومسالم ما دامت المصالح تتقاطع وتتنافر في مسألة توفير الأمن الطاقوي، فإلى جانب البترول الذي عرف في الآونة الأخيرة مدا وجزرا في الأسعار، والغاز الطبيعي الذي أصبح عاملا رئيسيا في تكتل التحالفات وتوطيد العلاقات بين الاتحاد الأوربي والجزائر وكذا روسيا والجزائر لتحقيق الأمن الغازي تارة وضمان الأرباح بالتحكم في الإنتاج تارة أخرى، (خاصة ما حدث خلال النزاع الروسي – الأوكراني)، والطاقة الكهربائية هي أيضا منبع أو وسيلة لوليد الطاقة رغم أنها أقل فعالية من الطاقة النووية إلى تشكيل خطرا أمنيا على العالم وخاصة ببؤر التوتر بالشرق الأوسط وآسيا.
لا تقل أهمية لمدى ارتباط حياتنا الاجتماعية والاقتصادية بوجدها وتوفيرها المستمر والدائم فمن نور المصابيح بالبيوت إلى إنارة الطرق العمومية ومن آلات الطبخ إلى وسائل الإنتاج المشغلة بالكهرباء حاجة مستمرة وتزايد للطلب دفع بالدول إلى البحث في تدعيم إنتاجها للكهرباء استيرادها في بعض الأحيان ولما لا استغلال طاقات متجددة تغطي العجز الطاقوي وتحترم البيئة والطبيعة. فماذا عن طموح الجزائر في مجال استغلال الطاقات المتجددة باعتبار إمكانياتها الطبيعية والمناخية المعتبرة بالإضافة إلى كون هذه الطاقات المتجددة سندا للاقتصاد والتنمية المستدامة في التحضير لما بعد البترول الذي لا بد أن ينفذ في مستقبل متوسط المدى، كما يقره العلماء ومراقبي سوق الطاقة. الجزائر كغيرها من الدول تبحث عن وسائل لتلبية الحاجة إلى الطاقة وتفادي العجز خاصة في إنتاج الطاقة الكهربائية مستقبلا فحسب لجنة ضبط الكهرباء والغاز بالجزائر تم رسم برنامج إرشادي يهدف إلى تقييم حاجة الجزائر في وسائل إنتاج الكهرباء طبقا للمادة رقم 08 من قانون رقم 02-01 للـ 5 فيفري 2006 هذا البرنامج الإرشادي تم تسطيره خلال 12 شهرا أي سنة كاملة ابتداء من تاريخ تشكيل لجنة الضبط الـ 24 من جانفي 2004 هذا بموافقة كل من لجنة برمجة الاستثمارات في قطاع الكهرباء وتوزيع الغاز في الـ 7 جانفي 2006. وموافقة وزارة الطاقة والمناجم يسير أيضا إلى ضرورة توفير طاقة إضافية بقدر 400 مقا واط ابتداء من سنة 2008 فيما تنص معايير الأمن خلال الفترة الممتدة من 2008 إلى 15 ماو حجم الطاقة الإضافية التي يجب توفيرها سنويا يقدر بـ 1100 مغاواط. هذه المعطيات والأرقام تدل جليا على ضرورة الاتقان إلى مناهج وطرق استغلال عقلانية تتماشى مع التطور التكنولوجي الحديث، إذ يمكن استغلال الطاقة الكهربائية بأشكال مختلفة محطات توليد الطاقة بمحركات مائية، محركات هوائية وأيضا من خلال نظام استغلال للطاقة الشمسية لتوليد الطاقة الكهربائية كما جاء في فكرة مشروع من اقتراح السيد عبد اللي علي مسؤول قسم الدراسات التقنية لمجموعة “جي أم إي” لصناعة وتركيب وتوزيع مولدات الطاقة الكهربائية المتمركزة بولاية الشلف (سابقا)، وهذا المشروع عملي واقتصادي من شأنه تسهيل عملية إنتاج الطاقة الكهربائية من خلال استغلال الطاقة الشمسية المتوفرة عبر كامل التراب الوطني، ومن جهة أخرى يشكل إطارا وركيزة للتطور الاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي أيضا خاصة بالمناطق الريفية المعزولة. هذا المشروع الذي لا يزال قيد الدراسة في انتظار القبول والتجسيد سيوفر الإنارة ويزود بالتدفئة والطاقة للمدارس والمنازل المعزولة. كما أن الجانب العملي والتطبيقي لاستعمال هذه الطاقة المتجددة له عمق تربوي وعلمي في نفس الوقت. من خلال احتكاك المجتمع الريفي بهذا النوع من التكنولوجيات الإيكولوجية ويشق طريقا لنقل التكنولوجيات العالية ومن الدول المتقدمة إلى بلادنا بل وسيفتح المجال إلى الأدمغة الجزائرية التي لم ترحل بعد إلى الآفاق الغربية لتجسيد طموح الوطنيين وكل من يشغل باله بمستقبل الأجيال القادمة.
ألية جديدة في المحافظة على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة
لم يعد الانتقال الطاقوي أمرًا اختياريًّا بالنسبة للجزائر، فالمتغيرات الداخلية المتعلقة بتراجع الاحتياطي الوطني من النفط والغاز وزيادة الطلب المحلي على الطاقة، فضلا عن المتغيرات الخارجية لاسيما التحول العالمي باتجاه الطاقات المتجددة باتت تضغط على صناع القرار في الجزائر للاستجابة لهذه المتغيرات. و ابتداءا من سنة 2011 اعتمدت الجزائر استراتيجية تمتد الى غاية 2030 تقوم على استغلال وتثمين الطاقات المتجددة كطاقة الرياح والطاقة الشمسية ، وهذا لتهيئة جزائر الى الغد ، وايضا تحسبا لنفاد الطاقات التقليدية وتقليل التبعية حيال هذا النوع من الطاقة مع تخصيص هذه الاخيرة للاستعمالات الضرورية، وكذا الالتزام بالمقررات الدولية في مجال الحفاظ على البيئة وفق برنامج الامم المتحدة للبيئة بهدف تحقيق رؤية الامم المتحدة لعام2030. وبالتالي اصبحت الطاقات المتجددة بديلا حقيقيا ومكملا للطاقة الأحفورية، ومن اهم المصادر الطاقوية المستقبلية لأنها تحافظ على الاصول البيئية.
تنفيذ 15 محطة طاقة شمسية في 11 ولاية
للتذكير، اتخذت الجزائر خطوة مهمة لتنفيذ إستراتيجيتها الرامية لإنتاج 15 ألف ميغاواط من الطاقة الشمسية بحلول 2035، وخفض الاعتماد على المحروقات في توليد الكهرباء. وفي هذا الإطار، أطلقت شركة الكهرباء والغاز “سونلغاز” عبر شركتها الفرعية “سونلغاز-الطاقات المتجدّدة”، مناقصة وطنية ودولية لتنفيذ مشروع إنجاز 15 محطة طاقة شمسية موزعة على 11 ولاية، بقدرة إنتاج تتراوح بين 80 و220 ميغاواط بطاقة إجمالية تبلغ 2000 ميغاواط. يأتي إعلان شركة سونلغاز بعد عدة تأجيلات استمرت أكثر من عام لإطلاق مشروع الطاقة الشمسية في الجزائر والذي كان يطلق عليه “سولار 1000″، والذي كانت تعتزم تنفيذه شركة شمس التابعة لوزارة الانتقال الطاقي قبل دمجها في وزارة البيئة. حيث شدد سونلغاز على أن إطلاق المشروع عبر شركتها الفرعية “سونلغاز-الطاقات المتجددة” سيسمح بتجسيد برنامج تحول الطاقة في الجزائر والدخول في عهد جديد للطاقات النظيفة والمستدامة. حيث تركز إستراتيجية تطوير الطاقة المتجددة في الجزائر على تثمين الموارد الدائمة مثل الطاقة الشمسية، واستغلالها في تنويع مصادر الطاقة. كما سيسمح تحول الطاقة في الجزائر بالتخلص تدريجيًا من الاعتماد على الموارد التقليدية والحفاظ على الموارد الأحفورية وتنميتها. وتُعد المناقصة بداية لتنفيذ برنامج تطوير الطاقات المتجددة الذي تصل قدرته الإجمالية إلى 15 ألف ميغاواط بحلول عام 2035. كما يسمح تنفيذ هذه المحطات بظهور نسيج للشركات الناشئة التي سيجري إشراكها في إنجاز المشروع.
سولار 1000
يذكر أيضأ أن مشروع سولار 1000 عرف العديد من العقبات، خلال العام الماضي؛ ما أدى في النهاية إلى توقف المشروع، في ظل تحديات مادية، وغياب الجهة المشرفة على تنفيذ المشروع. وكان من المقرر أن تفصل حكومة الجزائر في صفقات مشروع سولار 1000، قبل نهاية 2022، إلا أن المشروع توقّف بسبب غياب الوزارة الوصية على المشروع، وهل هي وزارة الطاقة والمناجم، أم وزارة البيئة والطاقات المتجددة؟ خاصة بعد إلغاء وزارة الانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة، ودمجها في البيئة، وفق معلومات اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة. وكان مشروع سولار 1000 يتضمن تأسيس مجموعة من الشركات، تتولى تنفيذ محطات شمسية كهروضوئية بقدرة إجمالية 1000 ميغاواط، تُوزع على 5 ولايات مختلفة داخل الدولة؛ إذ تكون حصة كل ولاية بين 50 و300 ميغاواط. وحُدِّدَت الولايات الـ5 التي ستشهد محطات المشروع، وهي ورقلة وبشار والوادي وتقرت والأغواط؛ إذ قسّم المشروع إجمالي إنتاج كل محافظة على النحو التالي: إنتاج 50 ميغاواط في ولاية بشار، إنتاج 100 ميغاواط في ولاية ورقلة، إنتاج 250 ميغاواط في ولاية توقرت، إنتاج 300 ميغاواط في ولاية الأغواطـ، إنتاج 300 ميغاواط في ولاية الوادي. وكان من المقرر أن تبدأ الجزائر إنتاج الكمية الأولى من الكهرباء المولدة بالطاقة الشمسية خلال شهر جانفي 2023، من ولاية بشار، إلا أن تعطيل فتح أظرف المشروع واختيار الصفقات أفشل خطط الدولة لبدء أول مشروعات الطاقة الشمسية في الجزائر.
مشروع الطاقة الشمسية في الجزائر يستقطب 140 شركة
تواصل كبريات الشركات العالمية منافستها على إنشاء محطات الطاقة الشمسية في الجزائر بقدرة إنتاجية تبلغ 2000 ميغاواط، والتي تأتي ضمن البرنامج الوطني المتعلق بالطاقات المتجددة. حيث تمت عملية فتح الأظرف المغلقة، بإشراف وزارة الطاقة والمناجم، الإثنين 24 جويلية الجاري، لإنجاز المحطات الشمسية، والتي أطلقها مجمع سونلغاز، بهدف إنجاز 15 محطة للطاقة الشمسية الكهروضوئية، تتراوح قدرتها بين 80 و220 ميغاواط، موزعة على 12 ولاية. واعتبر وزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب، أن مشروع محطات الطاقة الشمسية في الجزائر يُعَد أول مرحلة لتجسيد البرنامج الطموح لتطوير الطاقات المتجددة في البلاد، والذي يتمثل في إنجاز 15 غيغاواط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية بحلول عام 2035. وعليه تم فتح 90 ظرفًا، يمثل كل منها عطاء شركة من الشركات المتنافسة للحصول على مشروع إنتاج 2000 ميغاواط من الكهرباء، والتي من المقرر إنتاجها من محطات الطاقة الشمسية في الجزائر. يُشار إلى أن 140 شركة مرشحة كانت قد سحبت الملفات الخاصة بصفقة بناء محطات الطاقة الشمسية الجديدة؛ من بينها نحو 34 شركة جزائرية، ونحو 106 شركات أجنبية من 20 دولة حول العالم، وفق المعلومات التي اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة. ويأتي ذلك في إطار الإسهام في برنامج التنمية المحلية، بتوفير الطاقة اللازمة للمنازل والأنشطة الاقتصادية؛ إذ تُعَد الطاقة الشمسية في الجزائر محركًا للتنمية وإيجاد فرص عمل وقيمة مضافة للاقتصاد، بالتزامن مع التكيف والاستجابة للطلب المحلي المتزايد على الطاقة. وقال وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب، إنّ خطة عمل الحكومة، منحت الأولوية لحلول الطاقة المستدامة ذات البصمة الكربونية المنخفضة، لتعزيز جميع الإمكانات، ولاسيما في مجال الطاقة والمناجم، لخلق فرص اقتصادية وثروات جديدة وكذلك توفير فرص عمل إضافية وأضاف:” في هذا السياق، ونظرًا إلى القدرات الهائلة التي تتمتع بها الطاقة الشمسية في الجزائر، وُضع برنامج إنجاز 15 غيغاواط من الطاقات المتجددة، الذي ستنجزه شركة سونلغاز في 40 ولاية، بما يسمح للجزائر بأن تصبح موردًا موثوقًا للكهرباء للبلدان المجاورة بكفاءة عالية، كما هي اليوم مورد آمن وموثوق للغاز”. في السياق نفسه، أشار الوزير إلى أهمية المشروع للاستجابة للطلب المحلي على الطاقة، ضمن مخطط وضعته بلاده في 2012، بإنجاز 22 محطة لتوليد الكهرباء في مختلف مناطق الجزائر، تُنتج إجمالًا 511 ميغاواط. ولفت إلى أن الجزائر تمتلك حاليًا وفرة في إنتاج الطاقة الكهربائية؛ إذ تُنتج 25 ألف ميغاواط، تسمح لها بتغطية الطلب المحلي، رغم أنّه أشار إلى ذروة استهلاك الكهرباء القياسية المسجلة الأحد 23 جويلية الجاري، والتي بلغت 18 ألفًا و687 ميغاواط؛ إذ يجعل ارتفاع درجات الحرارة من الصعب توفير الطاقة في كل دول العالم.
أحمد الشامي