المجتمع

الجالية الجزائرية بستراسبورغ فرنسا

للمولد النبوي الشريف نكهة خاصة

المولد النبوي الشريف للجالية الجزائرية مناسبة دينية روحية وتاريخية ثقافية, في تنافس إسلامي ثقافي مرتبط بعادات وتقاليد راسخة ضاربة في أعماق الجذور منذ القدم. فما أجمل أن نستشعر جميعا في هذه ذكرى المولد النبوي الشريف العطرة والخالدة مكارم الأخلاق، التي أصبح الكثير متمسك بها رغم الغزو الثقافي والحضاري وغيره من المعيقات. 

لقدإعتادت الجالية الجزائرية بستراسبورغ الإحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف في كل سنة دون تفريط ولا تقصير بحرص شديد أكثر من ذي قبل. مثل ما كان عليه سلفنا رحمهم الله منذ عقود خلت، وتبرز مظاهر الإحتفال بمولد سيد الخلق لدى عند كل عائلة فتجدها تستعد لإحياء هذه المناسبة التي تعتبرها دينية خالصة لا يمكن نسيانها ولا التخلي عنها. بحيث لا تأبه قط بأي صعوبات قد تعيق طقوسهم وتقاليدهم. وباتت تسترجع عاداتها وتقاليدها خلال شهر أنوار الحبيب، بكل فرح وسرور وتشبث أكثر من ذي قبل. بحيث يعتبر الكثير من أفراد الجالية الجزائرية أن عيد المولد النبوي الشريف يصنف في مرتبة العيد الثالث من حيث الأهمية بعد العيدين الفطر والأضحى.

 

حرص الجالية الجزائرية 

تحرص الجالية الجزائرية كغيرها من الجاليات الإسلامية في ستراسبورغ، على أهمية الإحتفال بالمولد النبوي وإستعادة طقوس الإحتفال وذلك كجزء من مسعاها للتعبير عن الإنتماء لدينها الإسلامي والعودة للجذور المتينة التي تربطها بسلفها، والتخفيف من الضغوطات النفسية وغيرها, التي تعيشها بأرض المهجر وتفرضها عليها ظروف الغربة رغما عنها. فمن خلال إحيائها للمولد النبوي تسعى لهروب من الروتين القاتل والتغلب على صعوبات الغربة والحفاظ على روح الأصالة الروحانية، من خلال زرع الموروث الديني الروحاني, الذي تربت ونشأت عليه بين أحضان الأهل في جو أسري محافظ ومتمسك بالعادات والتقاليد وطقوسها المتعددة، بما في ذلك إحياء كل مناسبة سواء دينية كشهر رجب و ليلة الإسراء والمعراج ورمضان وأجوائه وعيدي الفطر والأضحى وعاشوراء والمولد النبوي الشريف أو إجتماعية كالخطوبة والزواج والختان وختم القرآن وغيرهم.  وما يترتب عنهم من اللباس والأكل والتعبد والصلاة وتلاوة القرآن، وذلك لنقل وتمرير هذه القيم الإسلامية والتقاليد الأصيلة إلى الأجيال الصاعدة خاصة المولودة في خارج الوطن بستراسبورغ فرنسا والتي لم تعايش هذه العادات والتقاليد في وطن آبائها وأجدادها. وتتميز الأجواء بالإحتفال بالمولد النوبي في ستراسبورغ، بتنوع النشاطات وثراء المطابخ الجزائري، وباقي الأنواع التي تعكس صور التآخي والتعاون والتضامن بين أفراد الجالية الجزائرية والتابعة من القيم الإسلامية العربية، وتبرز ثراء وتنوع وتعدد المشارب الثقافية والحضارية من كل ربوع الوطن الجزائر في هذا البلد. 

 

عادات وتقاليد وطقوس 

(01)- تلاوة و متون، أذكار وتسابيح، مدائح وحلقات، دروس ومواعظ وجلسات روحانية.

(02)- دعوات زيارات، موائد بأطباق مختلفة الكسكسي الرشتة، الشخشوخة والطمينة.

(03)- سهرات على أضواء الشموع وأطباق الحنة. هدايا الخطوبة وختان الأطفال.

 

المدائح والأذكار

إختار غالبية الرجال الذهاب للمساجد وحضور الندوات والحلقات والدروس المحمدية ومختلف النشاطات المقامة. بينما إختار بعض الأهالي والعائلات بعض أنواع المدائح في البيوت مثل القصائد الوترية والبردة لإمام البوصيري رحمه الله. تعبيرا عن طريقة إحتفائهم بذكرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم وحلقات للذكر والتسبيح، إضافة لعرض مختصرات السيرة النبوية لبعض الأطفال في جو عائلي. ليكون فرصة للتواصل والتجمع.

 

فرحة الأطفال فسحة منتظرة

يلعب الأطفال ويمرحون بالألعاب الإلكترونية المضيئة، التي أستبدلت بدل الآلعاب النارية وهو الشيء الذي أستحسنه الأهالي والأسرة جميعا لضمان سلامة الأطفال والمنازل من حدود الكوارث لا قدر الله مثل الحرائق والإصابات وغيره. وهم كلهم فرح وسرور مرددين أهازيج المولد النبوي التي توارثوها من أهاليهم وحفظوها منهم. المميز في المولد النبوي هو إكتشاف أبناء الجالية الجزائرية من خلال الجو العائلي أهازيج المولد المتنوعة منها. أغنية زاد النبي وإفرحنا لو, من التراث الجزائري والموروث الديني الروحاني الثقافي. الأغنية المتداولة منذ امد بعيد منبهرين بإعجابهم بالأصوات التي أدتها.

 

مأدبة عشاء تقليدية مميزة

من السمات المميزة التمسك بالإحتفال بالمولد التي تحرص عليها عائلات الجالية الجزائرية. إعداد مأدبة عشاء خاصة تجمع أفراد العائلة وضيوفهم. هي إحدى أهم رمز الاحتفال بالمولد، إذ تتفنن نساء الجالية بتحضير أشهر الأطباق التقليدية والمأكولات الشعبية التي ترتبط بالمناسبة. ومن بين أشهر هاته الأطباق الكسكسي جامع الشمل وموحد الصفوف بالمفهوم العامي. إضافة إلى طبق الشخشوخة والرشتة وغيرهم. ناهيك  عن المسمن، البغرير وباقي الأنواع من حلويات وغيره.

 

قصعة المولد والأسبوع

ككل سنة وفقا للتقاليد الراسخة تقوم عائلات الجالية الجزائرية بإعداد وتحضير طبق الكسكسي بكميات كبيرة. التي تعرف القصعة أو الجفنة والتي توزع على المساجد وقامات المسنين والطلبة بالدرجة الأولى، وعلى الجيران والأحبة والأصدقاء لاسيما لمن ليس لهم أهل أو أقارب يحتفلون معهم. وكميات أخرى تعد لأفراد العائلة وأبنائهم وأصهارهم وأحفادهم وضيوفهم الوافدين إليهم من كل جهة لاسيما المدن البعيد لربط صلة الرحم والحفاظ على أواصرها. بحث كان الشرف هاته السنة من بيت الحاجة التي لم تفوت الفرصة كعادتها السنوية، والتي أعدت القصعة طبق الكسكسي يوم المولد وطبق المردود الطبق الشعبي التقليدي الشهير بالمناسبات. يوم الأسبوع والتي وزعت إلى وجهاتها المختارة وإلى أصحابها، وأستضافت بعض الضيوف الذي حلوا لمشاركتهم فرحة المولد هاته السنة 1446/2024. والتي حضرتها من النساء بعض ألأخوات والسيدات ومن الرجال كل من الصديق من تبسة ونيكولا من ضواحي ستراسبورغ، وياسين الوافد من مدينة تمنراست والطيب من متليلي الشعانبة. الذين حلوا ضيوف لإحياء المولد مع الجالية بستراسبورغ.

 

تبادل الزيارات والتهاني

لم تقصر عائلات الجالية الجزائرية في التخلي عن تبادل الزيارات والذي هو أحد أبرز مظاهر الإحتفال بالمولد في البيوت والأماكن المخصصة لإستقبال الضيوف في المناسبات، والتي تجتمع فيه العائلات سواء في بيت العائلة الكبير سواء للأب، أو الأم أو الجد والجدة أو العم والخال أو للأصهار, لكل الجانبيين. أين يتم تبادل التهاني بعبارة صح مولودكم، صح فضيلتكم بالصحة والهناء كل عام وانتم بخير. أين تغتنم الفرصة ويخصص بعض الوقت للعبادة وإحياء الشعائر الدينية بتلاوة القرآن والحديث عن المولد للسيرة النبوية العطرة، وقراءة بعض القصائد الوترية والهمزية وبعض الأغاني المتوارثة, مثل زاد النبي وأفرحنا لو. وتختتم السهرة حول صينية الشاي الأخضر بالنعناع والفول السوداني والمكسرات، إضافة إلى أطباق الحلويات المعدة بالمناسبة بمختلف الأشكال والألوان، يتم صنعها في المنزل وتتقاسمها العائلات فيما بينهم كهدية وصدقة. 

 

البخور وعود القماري عطور البيوت المفضلة

يعد إستعمال البخور في ليالي شهر المولد ومناسباته من أشهر الأنواع لاسيما البخور التقليدي أو عود القماري أو المسك وغيرهم. كعطر مميز تفوح به بيوت عائلات الجالية الجزائرية ليالي المولد النبوي، لاسيما من يوم الميلاد إلى يوم الأسبوع وباقي الأيام. حيث تقوم ربات البيوت بوضع عيدان البخور في كل زوايا البيت وهي روائح تجعل الشخص يحس بعمق بالمناسبة، في حين تفضل بعض العائلات إعداد سينية بخور تقليدية، يتم وضع الجمر فيها وذر البخور عليه، ذو رائحة قوية، تنبعث حتى نحو الخارج.

 

الشموع بمخالف أنواعها وألنها وروائحها. زينة المنازل والبيوت

تكتسي تتزين بيوت الجالية الجزائرية، وتكتسي بحلة مشعة ومضيئة من أنواع الشموع ذات الأشكال والألوان والعطور المختلفة، التي توضع مشتعلة بحذر شديد في الزوايا وعلى الموائد لتضفي جوا بهيجا بالمكان وعلى الجالسين إعادة إشعالها من حين لأخرى.

 

اللباس التقليدي زينة سهرات ليالي المولد النبوي الشريف

لا تفوت نساء الجالية الجزائرية مناسبة إحياء المولد النبوي. دون إرتداء بعض الملابس التقليدية, من الأصالة والتاريخ ذات زينة مرفقة يإكسسوارت منها الجبة القبائلية التي كانت أكثر حضور و القندورة القسنطينية والعنابية والجيجلية والقفطان العاصمي وغيرهم، بينما إرتدى الرجال الجلابية والقندورة البيضاء والصفراء من النوع الصحراوي منها الشعانبي والسوفي التي يفتخرون بها ويتميزون بهم كزي وتراث ثقافي أثري إسلامي ذو قيمة، وهو ما إرتداه الأطفال من أنواع تلك الملابس التقليدية التي أعدت لهم لمثل هاده المناسبات والتي أحضرت غالبيتها من البلاد.

 

إعادة إحياء عادات متوارثة

يحرص أفراد الجالية الجزائرية رجال ونساء, على إحياء شعائر الإحتفال ومطاهره بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلام بين الأهالي والأسر والجيران والأصدقاء عبر طرق تواصلهم وتجمعاتهم بالمنازل والبيوت لنقل هاته العادات والتقاليد العريقة المتأصلة للأجيال القادمة وترسيخها في عقولهم. وتسعى للحفاظ ونشرها وفق مبادئ ديننا الإسلامي ونهج نبيه الكريم. ويشكل حدث المولد النبوي, الإحتفال الديني الروحاني بالنسبة للجالية الجزائرية بستراسبورغ موعدا هاما. لإستذكار مناقب وخصال سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، والتضرع إلى المولى عز وجل أن يغدق على الجميع بالسلم والأمن والاطمئنان على العباد في هذا البلد. ليعيشوا في أجوائهم الأسرية بكل خير وعافية. ولا تزال هذه العادات والتقاليد راسخة لدى أفراد الجالية الجزائرية بستراسبورغ، بالرغم من العيش في ديار الغربة في ظل الحداثة والعصرنة والتطور. 

 

ختان الأطفال (الطهور)

وفقا لتقاليد وعادات البلاد في هاذه المناسبة الدينية. تحرص الكثير من الأسر وعائلات الجالية الجزائرية بستراسبورغ، في ليلة إحياء ذكرى المولد النبوي على ختان أطفالهم، في جو عائلي أسري أخوي بهيج، بفرحة عارمة وسعادة، بتزينهم بإرتداء اللباس التقليدي القميص والسروال والشاشية، اللباس الذي تشتهر به جل ربوع الجزائر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى