المجتمع

“الإعجابات” على حساب الحقيقة.. خطر الشائعات وتأثيرها على المجتمع الجزائري

في عصر الثورة الرقمية، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ومع ما تقدمه من فرص للتواصل والتعبير، فإنها تحمل في طياتها تحديات خطيرة، أبرزها انتشار الشائعات والأخبار المضللة بسرعة هائلة، غالبا ما يكون هدفها الأساسي هو جمع أكبر عدد من “الإعجابات” والمتابعين على حساب الحقيقة.

 

في هذا السياق، سلطت المستشارة القانونية الأستاذة المحامية “عبري فريدة بن عيشة”، الضوء على خطورة هذه الظاهرة، ودور كل فرد في التصدي لها، بدء من الأفراد وصولًا إلى مديري المجموعات والمسؤولية القانونية المترتبة على ذلك.

 

الشهرة المزيفة والنتائج الخطيرة

تزايدت بشكل ملحوظ ظاهرة من يطلقون على أنفسهم “ناشطين” على وسائل التواصل الاجتماعي، ويستخدمون عدد متابعيهم لنشر شائعات لا أساس لها من الصحة.

هؤلاء الأفراد، بدافع الجهل أو السعي وراء الشهرة السريعة، يتجاهلون تمامًا خطورة ما ينشرونه وتأثيره على الرأي العام ونشر معلومات غير مؤكدة، خاصة تلك التي تمس مناصب حساسة في الدولة، لا يؤدي فقط إلى خلق حالة من البلبلة والارتباك، بل يزعزع أيضا ثقة المواطنين في المؤسسات الرسمية.

إن نشر أخبار كاذبة حول إقالات مسؤولين أو قرارات حساسة، دون أي تدقيق أو تحقيق يساهم في نشر الفوضى، وقد يضع هؤلاء الأفراد تحت طائلة القانون، نظرًا لتجاهلهم المسؤولية القانونية والأخلاقية التي تقع على عاتق كل من يشارك في فضاء عام.

 

دورنا جميعا: تحكيم العقل قبل “الإعجاب”

تؤكد الأستاذة المحامية “عبري فريدة”، أن المسؤولية لا تقع فقط على من ينشر هذه الأخبار، بل تمتد لتشملنا جميعًا كأفراد. يجب علينا التحلي بالوعي والنقد عند تصفحنا لهذه المنشورات، وقبل أن نضغط على زر “الإعجاب” أو “المشاركة”، يجب أن نتوقف ونسأل أنفسنا: ما هو مصدر هذه المعلومة؟ وهل هي موثوقة؟

الحقيقة أغلى من الإعجابات، وبناء مجتمع واعٍ ومسؤول يبدأ من التأكد من المعلومة قبل نشرها أو تداولها. إنها دعوة للتفكير النقدي والمسؤولية الجماعية، حتى لا تصبح منصات التواصل الاجتماعي ساحة خصبة للشائعات والأكاذيب.

 

مديرو المجموعات: حراس البوابة الرقمية

يتحمل مديرو المجموعات مسؤولية كبيرة في مكافحة هذه الظاهرة، ودورهم لا يقتصر على الجانب التقني، بل يمتد إلى الجانب الأخلاقي والقانوني.

(01)- المسؤولية الإدارية: يجب على مديري المجموعات، خاصة تلك التي تضم عشرات الآلاف من الأعضاء، وضع قوانين صارمة تمنع نشر الأخبار المجهولة وتفعيل خاصية “الموافقة على المنشورات” لمراجعة المحتوى قبل نشره.

(02)- المسؤولية القانونية: قد يعتقد البعض أنهم في مأمن من المساءلة، لكن الحقيقة أن مسؤولية مديري المجموعات قد تمتد إلى الجانب القانوني. في عدة دول، بما فيها الجزائر، يتم تجريم نشر الأخبار الكاذبة، وقد يتحمل مدير المجموعة جزءً من المسؤولية إذا لم يتخذ أي إجراء ضد الشائعات التي تنتشر في مجموعته.

(03)- المسؤولية الأخلاقية: مدير المجموعة هو قائد لمجتمع افتراضي، ويجب أن يكون قدوة، فالتهاون في التصدي للشائعات هو خيانة للثقة التي مُنحت له من قبل الأعضاء.

 

عقوبات صارمة في القانون الجزائري

أصبحت ظاهرة نشر الأخبار الكاذبة والمضللة محل اهتمام بالغ من قبل المشرع الجزائري، خاصة بعد تزايد تأثيرها على الأمن العام. بناء على التعديلات الأخيرة على قانون العقوبات الجزائري، أفادت الأستاذة المحامية “عبري فريدة” أن العقوبات تشمل ما يلي:

(01)- السجن والغرامة: يعاقب بالسجن من سنة إلى 3 سنوات وغرامة مالية كل من ينشر أخبارًا كاذبة من شأنها المساس بالأمن العام أو النظام العمومي.

(02)- تشديد العقوبة: يتم مضاعفة العقوبة في حالة تكرار الفعل.

(03)- عقوبات انتحال الصفة: ينص القانون على عقوبات صارمة لانتحال صفة موظف عمومي أو عسكري، تصل إلى السجن 10 سنوات في بعض الحالات. كما يعاقب بالسجن لمدة تصل إلى 3 سنوات كل من ينتحل صفة شخص آخر على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف التشهير أو التهديد.

تهدف هذه العقوبات إلى ردع كل من تسول له نفسه استغلال الفضاء الرقمي لبث الفتنة والفوضى، والتأكيد على أن حرية التعبير ليست مطلقة، بل هي مقيدة بضرورة احترام القوانين والأمن العام.

إن مسؤولية حماية مجتمعنا من خطر الشائعات والأكاذيب تقع على عاتق الجميع، من الأفراد إلى مديري المجموعات وصولًا إلى التشريعات القانونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى