تكنولوجيا

الألياف الضوئية المجوفة: ثورة جديدة لسرعة إنترنت غير مسبوقة

الألياف الضوئية المجوفة.. في عالم يتسارع نحو التحول الرقمي الشامل. يبرز بين الحين والآخر ابتكار يعيد صياغة أسس البنية التحتية للشبكات.ومن بين أبرز هذه الابتكارات ما كشف عنه فريق من جامعة “ساوثهامبتون” بالتعاون مع شركة تقنية كبرى، إذ تمكنوا من تطوير جيل جديد من الألياف الضوئية يعتمد على تصميم مجوف في نواته، وهو ما قد يحدث ثورة حقيقية في سرعة الإنترنت وكفاءته، ويُعد هذا التطور بمثابة خطوة فارقة يمكن أن تغيّر شكل الاتصالات الحديثة على مستوى العالم.


 

الألياف الضوئية المجوفة.. تصميم هندسي يفتح آفاقا غير مسبوقة

الألياف الضوئية التقليدية التي تعتمد على نواة من الزجاج الصلب بلغت أقصى قدراتها التقنية خلال العقود الماضية، إذ لم يعد بالإمكان تخفيض معدلات فقدان الإشارة فيها إلا بنسب طفيفة، وهذا ما جعل الباحثين يبحثون عن بدائل جديدة قادرة على تجاوز هذه الحدود، فجاءت الفكرة القائمة على إنشاء نواة مجوفة تسمح بانتقال الضوء عبر الهواء بدلاً من الزجاج، وهو ما يمنحها أفضلية طبيعية في السرعة وتقليل الفقد.

هذا التصميم المبتكر نجح أخيراً في تجاوز العقبات التي وقفت حائلاً أمامه لعقود طويلة، حيث استطاع الباحثون تطوير ألياف تحقق مستوى غير مسبوق من الانخفاض في فقدان الإشارة، إذ بلغت القيمة المسجلة 0.091 ديسيبل في الكيلومتر الواحد، وهو رقم يقل كثيراً عن الحد الأدنى المسجل في ألياف الزجاج التقليدية الذي يصل إلى 0.14 ديسيبل في الكيلومتر، ما يعني أن هذه الألياف الجديدة ستسمح بانتقال البيانات لمسافات أطول دون الحاجة المتكررة إلى محطات تقوية باهظة الكلفة.

ولم يقتصر الأمر على خفض الفقدان فقط، بل تمكن الفريق من المحافظة على كفاءة عالية عبر نطاق ترددي واسع يقدر بعشرات التيراهرتز، مما يعني أن الشبكات المستقبلية ستكون قادرة على التعامل مع كمّ هائل من البيانات في آن واحد، وهذا ما يمثل نقلة نوعية في البنية التحتية للاتصالات الحديثة.

 

الألياف الضوئية المجوفة.. مزايا تقنية تتجاوز حدود السرعة

الميزة الأولى لهذا التصميم هي تقليل فقدان الإشارة، فبينما تفقد الألياف التقليدية نصف قوة الإشارة كل ٢٠ كيلومتراً تقريباً، فإن الألياف المجوفة الجديدة لا تفقد نصف الإشارة إلا بعد أكثر من ٣٠ كيلومتراً، ما يتيح للمشغلين الاستغناء عن عدد كبير من محطات التقوية التي تستهلك موارد مالية وتقنية ضخمة، وهو ما يعني توفيراً كبيراً في تكاليف البنية التحتية.

الميزة الثانية تتمثل في السرعة غير المسبوقة لنقل البيانات، إذ ينتقل الضوء في الهواء بسرعة أكبر بنسبة تقارب النصف مقارنة بانتقاله في الزجاج، وهذا يفتح المجال أمام تطبيقات تحتاج زمناً آنياً شبه فوري مثل التعاملات المالية العالمية ومراكز البيانات التي تتطلب استجابة فائقة، كما يمنح هذه التقنية مكانة استثنائية في أسواق تعتمد على السرعة كعامل حاسم.

الميزة الثالثة تكمن في دعمها لتقنيات المستقبل وفي مقدمتها الحوسبة الكمّية، إذ إن هذه الألياف قادرة على نقل أطوال موجية أوسع من تلك التي تسمح بها الألياف التقليدية، وهو ما يجعلها مثالية للاتصالات الكمّية التي تعتمد على نبضات الفوتون الواحد، وبذلك فإن العالم سيكون أمام فرصة حقيقية لبناء شبكات أكثر أماناً واستقراراً تدعم التطورات القادمة في الذكاء الاصطناعي والتشفير المتقدم.

 

من المختبر إلى الاستخدام التجاري

هذا الإنجاز لن يبقى حبيس المختبرات، إذ إن شركة متخصصة في تطوير الألياف الضوئية المجوفة تستعد لإنتاجها على نطاق واسع بعد أن أصبحت جزءمن كيان تقني عالمي، وهو ما يمنحها إمكانات مالية وتصنيعية ضخمة، وتختلف عملية تصنيع هذه الألياف عن الطرق التقليدية اختلافاً جذرياً، فهي لا تقوم على صهر كتل الزجاج وسحبها فحسب، بل تعتمد على هندسة معقدة تقوم على إنشاء أنابيب دقيقة متداخلة يتم شدّها بدقة متناهية للحفاظ على بنيتها الداخلية أثناء التصنيع.

النتيجة النهائية ستكون شعيرات دقيقة جداً لا يتجاوز عرضها عُشر الميليمتر، لكنها قادرة على حمل كميات هائلة من البيانات بسرعة وكفاءة تفوق أي تقنية حالية، ومع الانتقال إلى مرحلة الإنتاج التجاري ستتمكن شركات الاتصالات من إدماج هذه الألياف في شبكاتها تدريجياً، الأمر الذي سيحدث تحوّلاً ملموساً في أداء الإنترنت وخدمات الاتصال حول العالم.

ويجمع الخبراء على أن نجاح هذه التقنية في الانتشار التجاري سيغير موازين القوى في قطاع الاتصالات، لأنها ستوفر حلاً عملياً يجمع بين تقليل التكاليف ورفع الكفاءة، وهو ما يمثل مزيجاً مثالياً لأي بنية تحتية تسعى إلى مواكبة الزيادة الهائلة في الطلب على البيانات، بدء من خدمات البث المباشر ووصولاً إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.

إن الألياف الضوئية المجوفة ليست مجرد تحسين تقني على ما هو قائم، بل هي تحول جذري سيمنح البشرية وسيلة جديدة لبناء شبكة إنترنت أسرع وأكثر استقراراً وأقل تكلفة، ومع دخولها حيز الاستخدام الفعلي قد نشهد خلال سنوات قليلة قفزة نوعية تجعل من الاتصال الفائق السرعة واقعاً يومياً، وتفتح الباب أمام عصر رقمي جديد قوامه شبكات لا تعرف الحدود في السرعة والكفاءة.

ياقوت زهرة القدس بن عبد الله 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى